هل تستطيع الحركات الدينية المتشددة إقامة دولة مدنية؟

كتب: وسام نصر الله

في عالم متعدد الأديان والمذاهب، يُثار التساؤل حول إمكانية الحركات الدينية ذات الخلفيات المتشددة، أن تقود دولة مدنية تحقق العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية.

وبينما تُظهر التجارب المعاصرة صعوبة هذا الأمر، إلا أنها تسلط الضوء أيضاً على بعض المحاولات التي تُظهر تفاوتاً في النتائج.

التحديات أمام إقامة دولة مدنية

  • الأيديولوجيا الإقصائية:

الحركات الدينية المتشددة تعتمد غالباً على رؤى ضيقة تُقصي الآخر المختلف دينياً أو مذهبياً.

هذا النهج يتناقض مع مبادئ الدولة المدنية التي تقوم على المساواة بين المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم.

  • إدارة التعددية:

دول تحتوي على طوائف ومذاهب متعددة تحتاج إلى نظام سياسي محايد.

والحركات الدينية غالباً ما تميل إلى فرض رؤاها الخاصة، مما يؤدي إلى تصاعد التوترات والصراعات.

  • غياب العدالة الاجتماعية:

العدالة الاجتماعية تتطلب مؤسسات مدنية قوية وقوانين تحمي الحقوق. لكن الحركات المتشددة تضعف هذه المؤسسات لصالح الولاءات الدينية أو الطائفية.

  • ضعف التجربة العملية:

الحركات الدينية التي وصلت إلى الحكم في بعض الدول أظهرت عدم جاهزيتها للتعامل مع التعقيدات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

تجارب واقعية

  • أفغانستان (طالبان):

حكم طالبان الأول (1996-2001) اتسم بالإقصاء والتشدد. ورغم وعودها بالاعتدال بعد عودتها للحكم عام 2021، إلا أن الواقع يُظهر استمرارها في تهميش النساء والأقليات، مما يجعلها بعيدة عن مفهوم الدولة المدنية.

  • مصر (الإخوان المسلمون):

وصول جماعة الإخوان إلى الحكم في مصر بعد ثورة 2011 أبرز صعوبة التوفيق بين الرؤية الدينية وإدارة الدولة.

سياسات الجماعة أدت إلى انقسامات داخلية وسقوطها بعد عام واحد من الحكم.

  • تونس (حركة النهضة):

حركة النهضة تبنت خطاباً مدنياً بعد الثورة التونسية، واعتمدت التوافق مع القوى العلمانية.

ورغم نجاحها النسبي، إلا أنها واجهت تحديات اقتصادية وسياسية أضعفت تجربتها.

  • تركيا (حزب العدالة والتنمية):

بدأ الحزب بخطاب ديمقراطي مدني وحقق إنجازات اقتصادية، لكنه مع مرور الوقت انزلق نحو سياسات استبدادية، مما أضعف مدنيته.

  • السودان (الجبهة الإسلامية):

سعت الجبهة الإسلامية لتطبيق مشروع ديني صارم، مما أدى إلى صراعات داخلية وانفصال جنوب السودان.

سياساتها الإقصائية والاقتصادية أدت إلى سقوط النظام بثورة شعبية.

إمكانية التحول نحو المدنية

رغم إخفاقات الحركات الدينية المتشددة، هناك إمكانية للتحول نحو خطاب مدني إذا توفرت إرادة حقيقية للتغيير، ومناخ سياسي داعم. تجارب مثل النهضة في تونس تُظهر إمكانية التكيف، لكن النجاح يتطلب:

  • التزاماً بالديمقراطية والتعددية.
  • إصلاحاً فكرياً يتجاوز الإقصاء.
  • ضغطاً شعبياً ودولياً لدفع الحركات نحو سياسات مدنية.

الحركات الدينية المتشددة غالباً ما تجد صعوبة في إقامة دولة مدنية حقيقية بسبب طبيعتها الإقصائية وعجزها عن إدارة التنوع.

ومع ذلك، يبقى التحول ممكناً إذا تبنت هذه الحركات نهجاً أكثر انفتاحاً وواقعية، مع التركيز على مبادئ المواطنة والعدالة الاجتماعية.

لكن تحقيق هذا يتطلب جهوداً جماعية، واستعداداً لتغيير جوهري في الفكر والسياسات.

زر الذهاب إلى الأعلى