علاج بالحيوانات .. حلول فلسطينية حديثة للمضطربين نفسياً

منذ سنوات قليلة، تعمل المعالجة النفسيّة سهير عودة في مركز متخصّص للعلاج النفسي من خلال الحيوانات في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، بهدف مساعدة الأشخاص الذين يعانون من اضطراباتٍ نفسيّة. سهير عودة التي تشير إلى أن عالم الحيوان مليء بالدهشة والمفاجآت.
توضح أنّه في حال نجح العلاج بالحيوانات لكثير أو غالبية الحالات التي تعاني مشاكل نفسية وعصبية، فقد تحتاج عائلات أخرى إلى علاجات تقليدية قد تكون أكثر فاعلية من الحيوانات، وهو ما يُقرره المُعالج.

الشاب الفلسطيني محمد أبو ليل، يحرص على حضور فعاليات تدعو إليها الجمعية الفلسطينية للرفق بالحيوان، مشيراً إلى اهتمامه بتربية الحيوانات. شارك محمد مع زوجته وأطفاله قبل أكثر من شهرين بفعالية حملت عنوان “العلاج النفسي عن طريق الحيوانات”، نظمتها الجمعية في مقرها في مدينة رام الله، وهو أمر غير رائج في المجتمع الفلسطيني.

ويقول أبو ليل: “أُربي العديد من الحيوانات في منزلي، ونتعلم منها أموراً كثيرة. حتى أطفالي يعلمونني الكثير من
التفاصيل التي كنت أجهلها عن الحيوانات”.


يختار المريض الحيوان الذي يُريد العلاج بمساعدته، ومن الضروري أن يتحدث لمُعالجه عن سبب اختياره هذا الحيوان دون غيره، ما يُساعد المعالجين على فهم مشكلة المريض

تتمثل آلية العلاج بالحيوانات في عقد جلسة أولى مع المريض، وفق عودة. خلالها، تسأل المريض عن الحيوان الذي يشعر بأنه يشبهه أو يحبه، ثم تضع أمامه صفاً يضم دمى لهذه الحيوانات ليختار إحداها. ويختار المريض الحيوان الذي يُريد العلاج بمساعدته، ومن الضروري أن يتحدث لمُعالجه عن سبب اختياره هذا الحيوان دون غيره، ما يُساعد المعالجين على فهم مشكلة المريض أكثر، وغالباً ما تأخذ العملية السابقة مدة لا تزيد عن 15 دقيقة.
بعدها، تصطحب المُعالجة المريض في جولة داخل مزرعة حيوانات تهدف إلى العلاج النفسي عن طريق الحيوانات التي تربى داخل المزرعة على مدار سنوات وتشمل فقط الحيوانات الأليفة أو التي استطاع الإنسان تدجينها عبر الزمن، كالكلاب والقطط والطيور والخيل وبعض الزواحف كالأفاعي، بعد نزع السم منها.

بعدها، تُعرف المعالجة المريض على الحيوانات الموجودة في المزرعة. وعلى كل قفص، تكتب معلومات عن تلك الحيوانات وتعليمات تخص التعامل معها، تقرأها المعالجة عودة لمرضاها، لتعرفهم على ما يجب فعله مع هذا الحيوان وما لا يجب فعله.

بعدها، يبدأ التقرّب من الحيوان الذي تم اختياره، و”يتم التعرّف عليه وعلى أنفسنا” كما توضح المعالجة عودة. تقول: “المريض يبدأ بالتعرف على عالمه الداخلي وإسقاط مشاعره أو صفاته على الحيوان، كأن يقول أحد المرضى وهو يُمسك بأرنب إن الأخير وحيد ولديه أب يكرهه، ما يُساعد في كسر الحواجز بين المريض والمُعالج، وبناء الثقة بوسائل أبسط من التقليدية كما في جلسات الاستماع العادية بين المعالجين النفسيين والمرضى”.

ويُنشئ المريض بينه وبين الحيوان علاقة يومية تبدأ في زيارته في المزرعة، وإطعامه وربما اللعب معه، واحتضانه أو مراقبة سلوكه، أو اصطحابه في جولة داخل المزرعة أو خارجها برفقة وإذن المعالج المُشرف. وكل ما سبق يُساعد المريض في تخطي الشعور بمحنته المرضية، وتتراجع لديه أعراض الحدية والعصبية، ويتحول بمساعدة الحيوانات من شخص عنيف وعصبي إلى شخص هادئ يرغب في التعبير عن نفسه، والانطلاق نحو الحياة بصورة طبيعية تدريجياً.

الاستجابة للعلاج

تعتمد استجابة المرضى (الصغار وكبار السن) على المرضى أنفسهم. وتؤكد المعالجة النفسية أن استجابة الأطفال للعلاج بالحيوانات أعلى منها لدى البالغين. بعض الحيوانات تتمتع بطاقة إيجابية عالية تستطيع نقلها للإنسان، كالهدوء الذي يمنحه الأرنب. كما أن تمرير اليد على فروه الناعم يُشعر الشخص بالراحة. من جهة أخرى، فالخيل قد يعيد الشخص إلى منبت الخير الذي خُلق عليه وصفات مثل الوفاء والشجاعة. واللافت أنه يمكن للأفعى أن تمنح الإنسان شعوراً بالهدوء كونها كائناً محدود الحركة، أو أن حركتها أي الزحف لا يجعلها مصدراً للإزعاج كما تشير عودة.

تبحث رهام سياج، وهي مدرّسة من ذوي الاحتياجات الخاصة، عن فرصة لتصبح معالجة نفسية من خلال الحيوانات. أرادت تجربة الأمر مع تلاميذها في الجمعية الفلسطينية للرفق بالحيوان، خصوصاً أنها تحب القطط. وعن شروط ومتطلبات أن يُصبح المرء معالجاً نفسياً عن طريق الحيوانات، تقول المعالجة سهير عودة: “ما من تخصص جامعي لدراسته. لكن من الشروط الأساسية أن يكون الراغب بالعمل في هذا المجال حاملاً شهادة لها علاقة بعلم النفس أو التربية، ثم يخضع لدورات في مجال العلاج النفسي بالحيوانات. وتختبر المراكز ذات الصلة قدرته في ما بعد على العلاج النفسي بالحيوانات”.
ويُعتبر العلاج بمساعدة الحيوانات من أساليب العلاج الحديثة للأمراض النفسية والعضوية، التي أثارت اهتمام العلماء والباحثين خلال السنوات القليلة الماضية، وتعدى هذا الاهتمام شرائح كثيرة في المجتمعات، لا سيما من يجدون في الحيوان أهمية وقدرة على تعويضهم عن أصدقاء أو أفراد في العائلة. لكن طريقة العلاج تُثير تساؤلات حول استغلال الحيوانات من أجل راحة الإنسان، الأمر الذي تنفيه عودة.
وتؤكد عدم تعنيف الحيوان خلال فترات العلاج، واستثناء الحيوانات في بعض فترات العلاج إذا ما لوحظ عليها التوتر مثلاً، ما يدل على عدم رغبتها بالتواصل مع أحد أو مع الإنسان. كما أن المريض نفسه يتبادل الحب والاهتمام مع الحيوان، موضحة أن الحب تبادلي ولا علاقة له بالاستغلال.

زيادة الاهتمام بالحيوانات

تطمح الجمعية الفلسطينية للرفق بالحيوان إلى زيادة الاهتمام بالحيوانات، وتعزيز العلاقة الإيجابية والتبادلية الطبيعية بين الحيوان والإنسان في المجتمع الفلسطيني، لا سيما مع اتساع الهوة بين الأخير والطبيعة.
ويقول مؤسس الجمعية الفلسطينية للرفق بالحيوان أحمد صافي لـ “العربي الجديد”: “أتوقع خلال الأعوام القليلة المقبلة أن يصبح لدينا في فلسطين، لا سيما في مدن الضفة الغربية التي تخلو منهم، معالجون نفسيون من خلال الحيوانات. نحن نشعر بأهمية الأمر، لهذا استضفنا المتخصصة في العلاج النفسي بالحيوانات سهير عودة التي تعمل في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948”.
ويؤكد صافي: “وجدنا أن الفضول والرغبة العالية بالمعرفة قادا كثيرين للاستماع إليها، وكل ذلك ينصب في إطار جهودنا للحفاظ على الحيوانات والعلاقة الطبيعية بينها وبين الإنسان”.

“العربي الجديد” – فاطمة مشعلة

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى