الفنان السوري “الأمير”: الغناء خط ملتزم.. والموسيقى “خيط نور”
أجرى الحوار/ وسام نصر الله
فنان ملتزم ويحمل مشروعا غنائيا يرتبط بالقضايا الكبرى إنسانيا ووطنيا، ويسعى جاهدا للارتقاء بالأغنية العربية في زمن الهبوط.. الفنان السوري عز الدين الأمير، يمتلك ثالوث الغناء شعرا وصوتا وموسيقى، ومولع بتفاصيل الجملة الشعرية .
الفنان الأمير ابن مدينة السويداء(جبل العرب) -110 كم جنوب دمشق- حالة فنية تمزج بين إنسانية الكلمة ورقيها، وقادر على الانتقال بفضاءات صوته لمساحات واسعة من المقامات، مما مكنه ذلك من الوصول للمتلقي، بأسهل الطرق.
ويرى الفنان الأمير الذي أصدر مؤخرا ألبومه “حروف الجر”، أن الغناء خط ملتزم وأن الطرب متعة حسية جمالية ترتقي بالروح، مؤمنا بالوقت ذاته أن الموسيقى تحرر الأرواح من “ثقل الأرضي”.
الفنان الأمير قدم للمكتبة الموسيقية العربية ما يزيد عن ال(100) أغنية ولحن، منها 20 أغنيةً للأطفال.
وتاليا نص الحوار:
*حدثنا عن بداياتك، والطريق الذي أخذك لفضاءات الغناء والموسيقى؟
-رغم مرور السنين بلمح البصر، إلا اني مازلت في بدايات الحلم الذي كان يراودني وأنا ابن خمس سنوات، مع تمنياتي بالتمكن من ترجمة ذلك الحلم لواقع وحقيقة، عبر الكلمة الصادقة واللحن والأداء الصوتي، ومازالت ذاتي تواقة للحب والبحث في تفاصيل ومكنونات دواخل الانسان، وتلمس أوجاع الآخرين وتحسس معانتهم، ورغم أن اعمالي الفنية تجاوزت المئة عمل، إلا أنني كما ذكرت مازلت أشعر وكأني في البدايات.
أما الذي حملني الى الموسيقى، فهي تلك الروح المقهورة والبيئة الانسانية الطيبة والبسيطة التي تلامس آلام “الناس”، وذلك الشعور المتدفق للمحبة والتسامح والإخاء، مع إيماني المطلق بالكلمة والموسيقى وقدرتهما على الإضاءة والبناء والصقل وكشف تلك العوالم القريبة والبعيدة على حد سواء.
*من أول الأصوات التي أثرت بذائقتك الفنية؟
-نحن جيل تربينا على الأصوات الطربية والفن الأصيل والزمن الجميل ولا يوجد فنان بذاته تأثرت به، وفي الحقيقة الجمال لايتجزأ، فكل جميل محبوب في الفن بكل زمان ومكان.
*إلى أي العوالم تأخذك الموسيقى؟ وكيف تصف علاقتك بآلة العود؟
-الموسيقى، هي غذاء الروح، وهي من تحملني إلى عالم مضيء لا يسود فيه سوى المحبة والسلام .
أما علاقتي بآلة العود فهي حكاية طويلة وممتدة عبر مسيرتي، فالعود رفيقي وحبي ووجعي، وهو الصديق الحميم والرحيم اللئيم، والجناح الذي أطير به الى عوالمي الخاصة، وعبره أترجم الكلمات إلى موسيقى.
*يقول الروائي الجزائري واسيني الأعرج “إن الموسيقى خيط من النور”، فإلى أي مدى لا مست ذلك النور بأعماقك؟ وإلى أي نجم يحملك؟
-نعم الموسيقى خيط من نور، وعلينا أن نتلمسه بعمق، ليتوغل داخل احاسيسنا وانسانيتنا، لأن الفن الخالي من العواطف والأحاسيس، يتحول إلى فن بسيط ومتواضع ومتجرد من جمالياته.
وفي تعاملي مع الكلمات المغناة، أتلمسها وأتحسس نبضها، وألامس “خيط النور” الذي يحمل للبشر الفرح والحب والسعادة، قبل أن أحولها إلى موسيقى تحاكي الهم الإنساني.
وأتمنى أن تحملني الموسيقى، إلى مدارات الإنسان بكل تجلياته وأبعاده، وإلى قلوب الناس المحبين للفن الجميل والأصيل، لأوصل رسالتي الفنية المبنية على ذلك الإنسان بأفراحه وأحزانه.
*هل للموسيقى قدرة استثنائية على محاكاة مختلف شرائح المجتمع ؟
– بالتأكيد، الموسيقى فن يحاكي المشاعر الأنسانية بالصوت والأيقاع ويعبرعن أعماق النفس البشرية واختلاجاتها، دون فوارق بين مختلف فئات المجتمع، لأن كل “شريحة” تختار مايناسبها من الموسيقى (فهي لغة الشعوب).
ودون أن ندخل في اختلاف وجهات النظر بين العلماء عن المحاكاة، ولكن يكفينا أن الاستماع للموسيقى يحسن المزاج ويهدىء الأعصاب، أفضل من كل العلاجات والأدوية، لأنها تحرر أوراحنا من ثقل الأرضي.
*كيف تنتقي مفردتك الشعرية الغنائية؟
-أبحث دائما عن الكلمة التي تلامس شعوري وأعماقي، وكل ما يلامس أوجاع الناس وهمومهم، وتلك المفردة التي تحمل قضية، لأترجمها عبر اللحن والعود والصوت إلى غناء ينبع من القلب ليصل إلى قلوب الناس جميعا.
*من هم أبرز الشعراء الذين تتعامل معهم، وكيف تصف تلك التجربة، وإمكانية تطويرها؟
– في الحقيقة لقد كان لي شرف التعاون مع بعض الشعراء والذين منهم: “الدكتور نزار بريك هنيدي، والشاعر الأستاذ فرحان الخطيب، والشاعر الاستاذ جهاد الأحمدية، والشاعر المصري الاستاذ رضا أبو الغيط، والشاعر صالح الحلبي، والشاعر الاستاذ سليمان السلمان، والشاعر قفطان الشوفي، والدكتور الشاعر راتب سكر، والشاعر المصري ابراهيم سعدة، والشاعر مضر شغالة…”.
ولاشك أن تجربتي مع أولئك الشعراء كانت جميلة وغنية، لاقتناعي بالكلمة والنص الشعري المتوائم مع خطي الفني، وأتمنى أن أقدم أغنيات بجميع اللهجات العربية، وربما ما أنتظره لتحقيق ذلك النصوص التي تتناغم مع مشروعي الفني.
*ما هي علاقتك مع الفلكلور، وإمكانية تطويره فنيا ؟
-الفلكلور هو تراث وتاريخ الشعوب وإذا أردت معرفة حضارة أي أمة فما عليك إلا الاستماع لموسيقاها.
وتطوير الفلكلور ليس بالعمل السهل لان فيه الكثير من المسؤولية، لأننا إن لم نضف لجماليات الفلكلور ونطوره بطريقة جيدة، فإن النتيجة ستكون عكسية، وستؤدي للتشويه بدلا من إظهار ذلك الجمال.
*كيف تصف المشهد الفني في سوريا، بعد 8 سنوات من الحرب؟ وحدثنا عن سبب توجهك للأغنية السياسية؟
-إن الحرب اينما تحل يكون الخراب والألم والشقاء، وفي سوريا تأثر الحجر والبشر، ولكن الإنسان السوري خلاق ومبدع، ورغم كل ما أصابه في هذه السنوات من الحرب مازال الفن والفنانين يصنعون الأمل من الألم، ويبثون الفرح رغم الترح، مع قناعتي ويقيني من عودة الفن السوري للمقدمة في الساحة العربية، وصحيح أنه لم يختف ولكن ظروف الحرب أجبرته على التريّث.
أما عن سبب توجهي للأغنية السياسية، فالحقيقة أنا من المتبنين للأغنية الأنسانية التي تحاكي الأنسان في كل زمان ومكان، وتعنى في كل الحالات التي تمر بها الإنسانية جمعاء، كما أنها الأقرب للواقع ونبض الشارع ومحاكاة القـلوب، وترجمة الأحاسيس والمشاعر ضمن أفكار مغناة تحاكي المعاناة وتطرح أفراح وأتراح وآمال وآلام وأحلام وأوهام وأحزان وأشجان رحلة عمر الأنسان التي الحالة السياسية جزء منها.
وفي الواقع إن الأرض العربية تعاني منذ الأزل من هجمات وغزوات بربرية تحاول النيل من الإنسان وحضارتها، فكان لابد لرسالتي الغنائية الإنسانية أن تحمل هذا الهم وتنبري له على مستوى الكلمة واللحن.
* “حروف الجر” أحدث ألبوماتك الغنائية، فما هي الإضافة الفنية التي يحملها مقارنة بألبوماتك السابقة؟
-نعم، “حروف الجر” ألبومي الجديد الذي تم توقيعه في مركز ثقافة أبي رمانة في العاصمة دمشق، وبحضور ثلة من النقاد الأساتذة والإعلامين الذين تكلموا عن هذه التجربة الممتعة والمضنية بآن واحد.
والإضافة الذي حملها هذا الألبوم، هي معالجة بعض المواضيع التي لم أكن قد تطرقت إليها، في ألبوماتي السابقة، كما أن الألبوم شهد التعاون مع بعض الشعراء لاول مرة.
والأغنية الإنسانية مهمتها واضحة وتكمن في طرح كل ما يخدم الهم الوطني والإنساني، وتحمل الأفكار الخلاقة التي تخدم القضية الإنسانية بشكل عام بغض النظر عن إختلاف المجتمعات، لان الأغنية رسالة يجوز إيصالها في كل الحالات الفنية، سواء كان ذلك عبر فرقة سيمفونية أو بعض الألات الموسيقية أو آلة واحدة فقط أو حتى صوت المغني، الذي ليس بالضرورة أن يكون طربيا أو شجيا فقط، وإنما يكفي أن يترجم أفكاره التي تنبع من القلب لتصل للآخرين بصدق المشاعر والأحاسيس.
وكلامي هنا في هذا السياق يدلل على عدم تفرقتي بين ألبوماتي وما تحمله من اغاني، لان الرابط الأساسي الذي يجمعها هو الفكرة التي عمق تجليها يكون الإنسان وتفاصيل حياته ورحلة العمر وسراديب الزمن.
*تقول بأنك لا تقدم طربا بل “أفكارا مغناة”، فهل تستطيع أن توصل رسالتك الفكرية بسلاسة، في زمن تدهور الذائقة الفنية؟
-الطرب في الساحة الفنية الغنائية ارتبط في التفريق بين الأغنية الملتزمة والأغنية الطربية، وفي واقع الأمر أنا أجد أن الغناء بالمجمل وبالضرورة هو خط ملتزم، والطرب هو متعة حسية جمالية ترتقي من الحسي الجسدي إلى الروحي، وهنا أعمل جاهدا على أن تكون أعمالي الغنائية تجربة فيها تغذية حسية وروحية وفكرية وثقافية، وهذا ماأعمل عليه شخصيا لتوجيه البوصلة عند المتلقي ورفع ذائقته الفنية.