تسريبات الحرب

ماهر أبو طير

كل التحليلات السياسية المنشورة عبر مراكز التحليل الشهيرة والمؤثرة على السياسات، تركز هذه الأيام على ملف واحد، حيث تم خفض التركيز على الملف النووي الإيراني نحو ملف الصواريخ.

في اتجاهات مراكز اللوبي في الولايات المتحدة، وبعض مراكز التحليل السياسي، وبعض وسائل الإعلام يمكن لك أن تستبصر التخطيط للفترات المقبلة بكل سهولة، إذ انها تعمل معا في تواقيت متقاربة، للتوطئة لسياسة جديدة، أو حرب، أو مواجهة محددة.

تقرأ تحليلا سياسيا نشره مركز واشنطن لسياسات الشرق الأدنى وكتبه الدكتور پاتريك كلاوسون وهو زميل أقدم في برنامج الزمالة “مورنينجستار” ومستشار الأبحاث في معهد واشنطن، يتناول بالتحليل نبرة الثقة المتزايدة لدى النظام الإيراني، الذي يعتبر حرب الأيام الاثني عشر التي وقعت في حزيران مع الاحتلال الإسرائيلي نصرا لطهران، ويتطرق التحليل إلى عدم تراجع إيران برغم تهديدات الحرب من جانب الأميركيين والإسرائيليين وغيرهم.

يأتي هذا الكلام في توقيت تسرب فيه الصحافة الأميركية والإسرائيلية معلومات عن عودة برنامج بناء الصواريخ الإيرانية بقوة، وعن صواريخ عابرة للمسافات، وان كل أضرار حرب حزيران يتم تجاوزها، وان الحل هو تغيير النظام الإيراني قبل الحرب أو بالتزامن معها، بما يعني أن شيئا ما يتم تجهيزه لإيران سيؤدي احد مهمتين الأولى الضغط على إيران لدفعها نحو تسوية إجبارية، والا تهيئة المنطقة وإيران أيضا لحرب مقبلة.

يقول الدكتور پاتريك كلاوسون في تحليله.. “التصريحات الإيرانية الأخيرة ركّزت على برنامج الصواريخ بقدر تركيزها على البرنامج النووي، دون أي إشارة تُذكر إلى حلفاء طهران الإقليميين أو وكلائها المسلحين، وقد يُشير ذلك إلى أن المسؤولين الإيرانيين يُحولون جهود الردع تدريجياً نحو تطوير الصواريخ، وربما يتجاوز هذا التحول التقدم النووي ذاته، وفي الواقع، تعمل إيران حالياً على إعادة بناء مصانع الصواريخ التي دُمرت خلال الحرب، بمساعدة مكونات مزدوجة الاستخدام من الصين مثل بيركلورات الصوديوم، وبينما ركز معظم المحللين الأميركيين على مسألة ما إذا كانت إيران تعيد إحياء برنامجها النووي وكيفية ذلك، ينبغي إيلاء قدر مماثل من الاهتمام لسرعة إعادة تزويدها بمخزون الصواريخ وقاذفاتها”.

الصواريخ الإيرانية التي عبرت العراق والأردن وسورية نحو الاحتلال، أصبحت هي العقدة الآن، برغم معرفتنا أن ذرائع الحرب كانت السلاح النووي أولا، ثم الصواريخ، ثم النفوذ الإقليمي، فيما تشير التقييمات إلى أن مخزون اليورانيوم المخصب ما يزال متوفرا.

كما أن خريطة الصواريخ الإيرانية لم يتم كشفها كاملة، بل ان هناك قناعة أن طهران تعمدت استعمال عدد قليل لمعرفتها أنها ستعود إلى الحرب، فيما النفوذ الإقليمي لم تراجع كليا، فما يزال معها حزب الله في لبنان بكل الأضرار التي وقعت عليه، وتنظيمات العراق، وجماعات الحوثي في اليمن، بما يعني أن طهران ما تزال تمثل خطرا على الاحتلال الإسرائيلي يتوجب معالجته في أي توقيت.

كل المؤشرات تتحدث عن حرب مقبلة، لكن هناك 3 اسئلة مهمة، الأول ما هو مصير النظام الإيراني وهل سيتم إحداث فوضى أو انقلاب داخلي أو اغتيالات أو انشقاقات داخل إيران، والثاني هل ستبقى أي ضربة عسكرية ضد إيران هذه المرة محصورة بداخل ثنائية إيران-إسرائيل، أم ستمتد إلى كل الإقليم بما يعنيه ذلك من كارثة مضاعفة، والثالث يتحدث عن مصير حلفاء طهران في المنطقة في هذه الحرب، أو قبلها، وبأي توقيت وشكل وكلفة أيضا.

شهور الشتاء المقبلة ليست سهلة، لان وقوع حرب جديدة لن يؤدي إلى نسخ الحرب السابقة، بل اكثر خطورة وحدة، بما يعني أن هناك تأثيرات غير مسبوقة على دول المنطقة، سياسيا وامنيا واقتصاديا.

المؤكد هنا أن أي حرب مقبلة لن تكون كسابقتها لاعتبارات متعددة، فهي حرب بقاء أو فناء، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

“الغد”

زر الذهاب إلى الأعلى