الموت دونما عقاب

بقلم: د. صبري صيدم

أسدلت الدنيا الستار اليوم ومع كتابة الكلمات الأولى من هذا المقال على حياة وزير الدفاع الأمريكي الأسبق في عهد الرئيس جورج بوش الأب، ونائب الرئيس الأمريكي في عهد الرئيس الأمريكي الثاني جورج بوش الابن، ديك تشيني الذي رحل بعد تجربة طويلة مع المال والحرب، وسلسلة من العمليات الجراحية الخطرة، وقائمة لا تنتهي من العمليات العسكرية التراكمية، التي قادت نحو دمار العراق وغيره، وولادة الربيع العربي، ضمن مفهوم الفوضى الخلاقة، التي لطالما تحدثت عنها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس.

مات تشيني وقد سبقه إلى القبر شركاؤه في الحروب المتعاقبة ومنهم جورج بوش الأب، ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول، ووزير الدفاع الأسبق دونالد رامسفيلد (اللذين ماتا في العام ذاته 2021)، وقبلهم جميعاً قائد قوات الحرب في العراق نورمان شوارسكوف. كلهم ماتوا بعد أن قضى وهجر قبلهم ملايين الناس في العراق وأفغانستان وغيرهما من النقاط الساخنة.

ومع هذا الرحيل لديك تشيني اليوم، دأبت بعض الفضاءات الغربية، على وصف الرجل كونه «أقوى نائب للرئيس عرفته أمريكا في التاريخ»، لكن بعض الفضائيات ومهما حاولت الإطراء على شخص الرجل، إلا أنها لم تستطع الإفلات من دوره في حربي الخليج الأولى والثانية وتبعاتهما. أما عالم «التريندات» في الفضائيات والفضاء الإلكتروني، فقد اجتاحه رابط واضح بين بوش الأب والابن من جهة، وتشيني من جهة أخرى، ليحتل العراق الموقع الأول كلما جرت الإشارة لأي من الرجال الثلاثة.

ملايين الناس قتلوا وهجروا وجرحوا وأسروا بفعل الحربين على العراق، والحرب على أفغانستان، والحرب على الإرهاب، فيما بقيت محاكمات المشاركين في تلك الحروب مقتصرة على وسائل الإعلام، من دون أي لجان تحقيق عدلية، أو محاكمات قضائية تطالهم، أو تطال من هم على قيد الحياة بمن فيهم رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، الذي ما زال يبحث لنفسه عن دور يلّمع فيه صورته التعسة.

ومع رحيل تشيني عادت الأصوات إلى الارتفاع عن الرحيل دونما عقاب لمن ذكرهم هذا المقال آنفاً، بينما يطارد الحديث في الأمر ذاته من هم على قيد الحياة لتشمل جورج بوش الأبن وكونداليزا رايس، وتوني بلير والقائمة تطول.

ومع غياب عقاب الأرض يقول أحدهم: بأن عقاب السماء والقصاص من هؤلاء سيكون عند الله الخالق القهّار، دونما تراجع في إرادة الحساب المرتبطة بمن ذكروا آنفاً. فضحايا الحروب ودمارها ومهجريها ومنكوبيها ومعتقليها، جميعهم ينتظرون أجوبة كبيرة لأسئلة كثيرة، ترتبط بفناء أحبابهم ودمار حياتهم وانتكاب مسيرتهم الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية في وجع ما بعده وجع.

سيبقى تشيني مربوطاً بما فعل، وستبقى أمريكا مربوطة بما فعلت وتفعل، فهل تجد طريقها نحو تغيير المسار حتى تنصف أولئك الذين ضاعت أوطانهم؟ وأفلت حياتهم؟ وقتلت أحلامهم، لتكون الحرية والعدالة واستقلال فلسطين هي الأدلة الواضحة على ولادة أمريكا الجديدة؟ أم أنها ستبقى تسير في فلك من يخطف قرارها ويصادر توجهاتها، ويحرك تلافيف حياتها بحبال العرض الممل والمهترئ من شدة التكرار؟ ننتظر ونرى.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى