كيف ابتزّ “سموترتش” و”بن غفير” نتنياهو لإقامة “دولة المستوطنين” في الضفة الغربية

منذ انتخابات عام 2022 وتشكيل حكومة نتنياهو السابعة والثلاثين، بات بقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي سياسيًا مرهونًا بدعم كتلتين يمينيتين متطرفتين يقودهما بتسلئيل سموترتش (رئيس حزب “الصهيونية الدينية”، وزير المالية، و”وزير داخل وزارة الدفاع” لشؤون الإدارة المدنية) وإيتمار بن غفير (وزير الأمن القومي).
هذا الدعم لم يكن مجانيًا، بل ارتبط بمنح الرجلين صلاحيات غير مسبوقة في الضفة الغربية، وتسريع وتيرة الاستيطان، وتوسيع تسليح المستوطنين، وتحويل مليارات الشواكل إلى ميزانيات تخدم مشروع المستوطنات على حساب الوزارات الخدمية للمواطنين داخل إسرائيل. ومع كل تهديد من سموترتش وبن غفير بالانسحاب من الائتلاف، يجد نتنياهو نفسه مجبرًا على تقديم تنازلات جديدة، حفاظًا على حكومته وتجنّبًا لسقوط سياسي قد يقوده مباشرة إلى السجن بسبب محاكمات الفساد الجارية ضده.
السياق السياسي–القانوني
حكومة نتنياهو تعتمد كليًا على دعم حزبي “الصهيونية الدينية” و”عوتسما يهوديت”. أي انسحاب مشترك لهما يعني سقوط الائتلاف الحاكم. لذلك، تحوّل التلويح بالانسحاب إلى أداة ضغط مركزية استُخدمت في ملفات غزة، الموازنة العامة، والسياسات تجاه الفلسطينيين.
وفي الوقت ذاته، لا تزال محاكمات نتنياهو في قضايا الفساد (1000، 2000، 4000) مستمرة أمام المحكمة الجزائية في القدس. منذ 7 أكتوبر 2023 شهدت هذه المحاكمات عشرات التأجيلات بدعوى الحرب والاعتبارات الأمنية، الأمر الذي منح نتنياهو وقتًا إضافيًا في السلطة مقابل مزيد من التنازلات لشركائه، مما عزز حلقة “ابتزاز سياسي متبادل”.
سموترتش… وزير المالية و”وزير الضفة” بحكم الأمر الواقع
من خلال منصبه الاستثنائي كـ”وزير داخل وزارة الدفاع الاسرائيلية”، استحوذ “سموترتش” على صلاحيات الإدارة المدنية في الضفة، وحوّلها تدريجيًا من “إدارة عسكرية مؤقتة” إلى إدارة مدنية–وزارية تدير ملف “أراضي الدولة” وتخطط للبنية التحتية الاستيطانية. هذا التحوّل الإداري اعتُبر سابقة خطيرة تُمكّن من الضمّ الفعلي دون إعلان رسمي.
في عام 2024 وحده، أعلن سموترتش عن الاستيلاء على 12.7 كم² من الأراضي في الأغوار، وهو أكبر استيلاء منذ ثلاثة عقود. كما خصص 3.61 مليار شيكل لشق طرق تخدم المستوطنات، وضخ عشرات المليارات عبر ما يسمى “الأموال الائتلافية”.
وأعاد إلى الواجهة مشروع “E1” الفاصل بين القدس والضفة، حتى الموافقة عليه في أغسطس 2025، وهو مشروع لطالما وصفه المجتمع الدولي بأنه يقضي على إمكانية قيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافيًا.
إلى جانب ذلك، شرعن سموترتش بؤرًا استيطانية عشوائية وموّلها رسميًا (28 مليون شيكل عام 2023 و75 مليونًا عام 2024). كما منح آلاف التصاريح للعمال الفلسطينيين في المستوطنات، في الوقت الذي حُرم فيه أكثر من 200 ألف فلسطيني من العمل داخل إسرائيل، ليصبح ملف العمال أداة إضافية لترسيخ السيطرة الاستيطانية.
بن غفير… تسليح المدنيين وإفلات المستوطنين من العقاب
منذ 7 أكتوبر، أطلق بن غفير حملة تسليح واسعة للمستوطنين عبر تسهيل الحصول على رخص السلاح. في مارس 2024 أعلن وصول الرخص الجديدة إلى 100 ألف، وفي منتصف 2025 تجاوز العدد 165 ألف رخصة دائمة، بينما تقدمت 403 آلاف طلب بانتظار الموافقة. كما وزّع آلاف البنادق على “سرايا الطوارئ” المحلية.
هذه السياسة انعكست مباشرة في تصاعد عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين، بينما تواصل أجهزة الأمن غض الطرف. تشير معطيات منظمة “يش دين” إلى أن 94% من ملفات عنف المستوطنين تُغلق بلا لوائح اتهام، ولا تصل سوى 3–7% إلى مرحلة الإدانة. وبذلك، تتكرس منظومة إفلات شبه تام من العقاب.
تقارير أممية ودولية وثّقت هذا التواطؤ، معتبرةً أن نقل القرار من الجيش إلى وزراء مدنيين مثل سموترتش وبن غفير هو خطوة نحو ضم فعلي للضفة الغربية، ويهدد بصدام مسلح حتى داخل إسرائيل نفسها.
آلية الابتزاز السياسي
يستند نفوذ سموترتش وبن غفير إلى سيطرتهما على أدوات حساسة: الأرض، الإدارة المدنية، التمويل، الطرق، والسلاح المدني. ومع كل أزمة (هدنة، رهائن، موازنة، قرارات استيطان)، يستخدمان التهديد بالانسحاب كورقة ضغط لانتزاع مكاسب جديدة.
موافقة مشروع “E1″، الاستيلاءات القياسية في 2024، والتسليح الجماعي بعد أكتوبر 2023، ليست سوى حلقات في سلسلة واحدة، بقاء نتنياهو في الحكم مقابل تسريع إقامة “دولة المستوطنين” في الضفة الغربية.
كما استخدم سموترتش موقعه في وزارة المالية لابتزاز نتنياهو عبر تجميد أموال المقاصة الفلسطينية أو ربط الإفراج عنها بتحقيق إنجازات للمستوطنين، ما أدى إلى أزمات مالية خانقة للسلطة الفلسطينية. حتى التدخلات الأمريكية والأوروبية لم تمنع خضوع نتنياهو لهذه السياسة.
وبالموازاة، سُمح للمستوطنين بتعزيز السيطرة على الحرم الإبراهيمي في الخليل، وزادت وتيرة الاقتحامات للمسجد الأقصى، بما في ذلك أداء صلوات يهودية علنية في ساحاته، وسط صمت نتنياهو وتجاهل شرطة بن غفير للانتقادات الدولية.
تحوّل الائتلاف الحاكم في إسرائيل إلى رهينة بيد سموترتش وبن غفير، حيث صار بقاء نتنياهو السياسي مرهونًا بدفع الضفة الغربية نحو ضم أمر واقع. هذه “الآلية الممنهجة للابتزاز” أنتجت تسارعًا في الاستيطان، شرعنة البؤر، تسليح المستوطنين، وإضعاف أي إمكانية لحل سياسي.
بذلك، لم يعد الحديث عن “خطر الضم” مجرد احتمال، بل واقع يُفرض تدريجيًا على الأرض، في ظل حكومة أسيرة للتطرف ومهددة داخليًا وخارجيًا بانفجارات سياسية وأمنية متتالية.
المراجع المركزية (اختيارية للمراجعة السريعة)
• نقل صلاحيات الإدارة المدنية لسموترتش: AP، ووثائق الائتلاف. (AP News, Wikipedia)
• أموال الضفة والطرق (3.61 مليار ش): سلام الآن؛ تغطيات «هآرتس». (שלום עכשיו, Haaretz)
• أكبر استيلاء أرض منذ 30 عامًا (12.7 كم² – 2024): Politico، الغارديان، لوموند. (Politico, The Guardian)
• E1 (الموافقة النهائية – 20/8/2025): رويترز، هآرتس. (Reuters, Haaretz)
• تسليح/تراخيص السلاح: تصريحات بن غفير وتحديثات لجنة الكنيست (403 ألف طلب، 165 ألف رخصة دائمة)، وتخفيف القيود منذ 2023. (The Times of Israel, Reuters)
• عنف المستوطنين/الإفلات من العقاب: «يش دين»، وملخصات أممية ودبلوماسية. (יש דין, Amazon Web Services, Inc.)
• التهديدات بالانسحاب كأداة ابتزاز: رويترز (يناير 2025). (Reuters)