قرار دولي منسي: الحرم الشريف في القدس ملك خالص للمسلمين

وثيقة حاسمة غابت عن وعي الأمة العربية والإسلامية

بقلم: أديب جودة الحسيني*
في خضم معارك السرديات التاريخية حول مدينة القدس، يجهل أغلب العرب والمسلمين حقيقة موثقة وراسخة في أرشيف القانون الدولي، وهي أن ملكية الحرم الشريف بما فيه الحائط الغربي (البراق) قد حسمت منذ ما يقارب قرنا من الزمان لصالح المسلمين، بموجب قرار صادر عن لجنة دولية محايدة عام 1930.
لو كانت هذه الوثيقة لصالح الكيان الصهيوني، لترجمت إلى جميع لغات العالم، ولرفعت إلى منابر الأمم المتحدة، ولسمعت في كل نشرات الأخبار، ولكانت ذكرى سنوية تحتفى بها…
لكن للأسف، لا يعلم بها اليوم ٩٩٪ من العرب والمسلمين، رغم أنها تمثل أحد أهم الانتصارات القانونية التاريخية لفلسطين والمسلمين في وجه المشروع الصهيوني.
خلفية الحدث: ثورة البراق 1929
في عام 1929، وأثناء الاحتلال البريطاني لفلسطين، اندلعت ثورة شعبية عارمة في القدس، عرفت بـ “ثورة البراق”، إثر محاولات اليهود فرض سيطرة دينية على الحائط الغربي للمسجد الأقصى، والذي يزعمونه “حائط المبكى”.
فهب الفلسطينيون دفاعا عن قدسية المكان، وسالت الدماء في شوارع المدينة، وارتفع صوت الغضب العربي الإسلامي مطالبا بوقف الاعتداءات على المسجد الأقصى المبارك .
لجنة البراق الدولية: عدالة لم تنصفها الذاكرة …
بعد تصاعد الأزمة، أحالت بريطانيا القضية إلى لجنة تحقيق دولية، ضمت شخصيات قضائية وقانونية مرموقة من أوروبا، دون وجود أي عضو عربي أو مسلم، ما أضفى على مداولاتها طابع الحياد والنزاهة.
وصلت اللجنة إلى القدس في 19 يونيو 1930، وأمضت شهراً كاملاً في الاستماع إلى الشهادات ومراجعة الوثائق، حيث عقدت 23 جلسة، استمعت خلالها إلى:
•21 شاهداً من كبار حاخامات اليهود
•30 شاهداً من العلماء والقضاة المسلمين
•شاهد بريطاني واحد
وقدم الطرفان 61 وثيقة:
•35 وثيقة من الجانب اليهودي
•26 وثيقة من الجانب الإسلامي
وقد أثبت المسلمون، من خلال سجلات المحاكم الشرعية العثمانية والوثائق التاريخية، أن الحائط والمنطقة المحيطة به، بما فيها الرصيف والساحة، وقف إسلامي خالص لا حق لليهود فيه.
القرار التاريخي: الحائط وقف إسلامي خالص
بعد أكثر من خمسة أشهر من الدراسة والجلسات، أصدرت اللجنة قرارها النهائي في باريس بتاريخ 1 ديسمبر 1930، وكان مما جاء فيه:
“للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي، ولهم وحدهم الحق العيني فيه، لكونه يؤلف جزءاً لا يتجزأ من منطقة الحرم الشريف، التي هي من أملاك الوقف الإسلامي.”
كما أكدت اللجنة أن:
“الرصيف الكائن أمام الحائط، والمحلة المقابلة له (حارة المغاربة)، موقوفة كذلك وفق أحكام الشرع الإسلامي، ولا يجوز لليهود إقامة أي شعائر أو وضع أدوات عبادة تفسر على أنها إنشاء لحق ديني أو قانوني لهم.”
الكتاب الأبيض ومرسوم الحائط
تنفيذاً لهذا القرار، أصدرت الحكومة البريطانية “الكتاب الأبيض لعام 1930”، الذي اعترف رسميا بملكية المسلمين للحائط وما يحيط به.
كما صدر لاحقا “مرسوم الحائط الغربي لسنة 1931” عن ملك بريطانيا، ونشر في الجريدة الرسمية لفلسطين، يقر أن الحائط وقف إسلامي، ولا يجوز التصرف فيه أو تأويل ملكيته لغير المسلمين.
فأين نحن من كل هذا اليوم؟
بعد نكسة 1967، واحتلال القدس كاملة، وتهجير أهل حارة المغاربة، تمكن الاحتلال من فرض أمر واقع على أرض ثبتت ملكيتها القانونية والدينية للمسلمين وحدهم، دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكنا.
الخاتمة: وثيقة علينا أن نعيدها إلى الضوء
إن قرار لجنة البراق الدولية لعام 1930 ليس فقط وثيقة تاريخية، بل هو سند ملكية قانوني للحائط الغربي وساحته، وحجة دامغة بأن المسجد الأقصى، بكل مكوناته، للمسلمين وحدهم.
فلنترجم هذه الوثيقة إلى كل لغات الأرض.
فلنحييها في ذاكرة الأمة.
لتعلم الأجيال القادمة أن القدس ليست مجرد نزاع، بل أرض لها سجل وقف لا يملكه إلا المسلمون.
*أمين مفتاح كنيسة القيامة – القدس الشريف
زر الذهاب إلى الأعلى