مسؤول أممي: كنت شاهدا على مجازر كثيرة في غزة و”إسرائيل” تحاول إسكاتي

نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية مقالًا لجوناثان ويتال، رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وصف فيه الأوضاع الكارثية في قطاع غزة، من مستشفيات مدمرة، ومقابر جماعية، وجثث تنهشها الكلاب في الشوارع. وكشف أنه بعد تصريحاته العلنية بشأن هذه الظروف، أبلغ بأن الاحتلال الإسرائيلي لن يجدد تأشيرته.
وقال ويتال إن غزة تخضع لحصار خانق منذ 22 شهرًا، ولم يُسمح لها بالتنفس إلا بعدما رضخ الاحتلال الإسرائيلي لضغوط سياسية من جهات أقوى نفوذًا من القانون الدولي نفسه. وأكد أن “العقاب الجماعي الذي ينفذه الاحتلال بحق سكان غزة لم يكن يومًا أكثر تدميرًا مما هو عليه الآن، بعد أشهر من القصف المتواصل والتهجير القسري والحرمان”.
وأوضح ويتال، الذي يشارك في تنسيق الجهود الإنسانية في غزة منذ أكتوبر 2023، أن المساعدات التي دخلت إلى القطاع كانت الاستثناء لا القاعدة، رغم مرور أكثر من عام على صدور أمر من محكمة العدل الدولية للاحتلال الإسرائيلي بـ”اتخاذ جميع التدابير الممكنة لمنع أعمال الإبادة الجماعية”.
وأضاف: “ما زلنا نشهد المجاعة، ونقص المياه، وانهيار الصرف الصحي، وتدهور النظام الصحي، وسط عنف متواصل يقتل عشرات الفلسطينيين يوميًا، من بينهم أطفال”.
وأشار إلى أن “العاملين في المجال الإنساني، في ظل عجزهم عن تغيير الواقع، بدأوا باستخدام أصواتهم إلى جانب الصحفيين الفلسطينيين الذين يخاطرون بكل شيء لكشف الحقائق”، مؤكدًا أن “التحدث علنًا في وجه معاناة يمكن الوقاية منها أصبح من صلب دورنا في تعزيز احترام القانون الدولي”.
وكشف ويتال أن ثمن هذه الصراحة كان واضحًا، إذ قال: “بعد أن عقدت مؤتمرًا صحفيًا في غزة في 22 حزيران/يونيو، تحدثت فيه عن إطلاق النار على مدنيين جائعين أثناء محاولتهم الوصول إلى الغذاء، ووصفت الأمر بأنه ‘ظروف خُلقت للقتل’، أعلن وزير خارجية الاحتلال على منصة إكس أن تأشيرتي لن تُجدد”. وأضاف أن المندوب الدائم للاحتلال لدى الأمم المتحدة أعلن في مجلس الأمن أنه يجب عليه مغادرة الأراضي المحتلة بحلول 29 تموز/يوليو.
وأكد أن هذا القرار يمثل جزءًا من “نمط أوسع من تكميم الأفواه”، حيث تُجبر المنظمات غير الحكومية الدولية على الامتثال لمتطلبات تسجيل صارمة، تتضمن بنودًا تحظر انتقاد الاحتلال. كما تتعرض المنظمات الفلسطينية لقطع التمويل، وتُمنح وكالات الأمم المتحدة تأشيرات قصيرة الأمد، بناء على ما إذا كانت تُعتبر “جيدة، سيئة، أو قبيحة” من وجهة نظر الاحتلال.
وأشار ويتال إلى أن وكالة “أونروا” الأممية تتعرض للاستهداف عبر تشريعات، وحُرم موظفوها الدوليون من دخول الأراضي المحتلة، وتتعرض عملياتها لخنق متصاعد.
وشدد على أن “هذه الإجراءات الانتقامية لا تستطيع محو الواقع الذي نشهده يومًا بعد يوم، ليس فقط في غزة، بل في الضفة الغربية أيضًا”، مضيفًا أن هناك هدفًا واضحًا في الحالتين: “فصل الفلسطينيين جغرافيًا وإجبارهم على العيش في جيوب ضيقة تتقلص باستمرار”.
وقال إن سكان غزة، البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة، محشورون الآن في 12% فقط من مساحة القطاع، مشيرًا إلى تلقيه مكالمة في 13 تشرين الأول/أكتوبر 2023، علم فيها ببدء التهجير القسري الكامل لشمال غزة. وأضاف: “منذ ذلك الوقت، تعرض القطاع بأكمله للتهجير القسري المتكرر دون مأوى أو طعام أو أمان”.
وسرد ويتال مشاهد مروّعة شاهدوها خلال عملهم الإنساني، من نقل مرضى في مستشفيات مظلمة مليئة بالقطط، إلى دفن الموتى في ساحات المستشفيات بأيدي موظفين محرومين من النوم، وشهادات عن جنود الاحتلال وهم يمنعون إسعاف مرضى أثناء إجلائهم، إلى اكتشاف مقابر جماعية في باحات المستشفيات.
كما وصف كيف قتل عمال إغاثة ومسعفون يرتدون الزي الرسمي تحت نيران الدبابات والطائرات، ودُفنوا تحت سيارات الإسعاف التي سُحقت. وتحدث عن أطفال يموتون جوعًا، وآباء يحتضنون أبناءهم القتلى في ملاجئ النازحين التي تعرضت للقصف، وجثث في الشوارع تنهشها الكلاب.
وأشار إلى أن قوات الاحتلال تتهم العاملين في المجال الإنساني بالتقصير، وتزعم أنهم يعرقلون تسلم البضائع، بينما الحقيقة أنهم يواجهون عوائق لا تُحصى. ووصف كيف انتظر ضمن قافلة إنسانية 15 ساعة عند معبر كرم أبو سالم، وكيف تم إطلاق النار على مدنيين جائعين اقتربوا من الشاحنات، قائلاً: “رأينا أول جثة مصابة برصاصة في الظهر من جهة قوات الاحتلال”.
وأوضح أن قوات الاحتلال تتعمّد تأخير الشاحنات، وتسمح لمسلحين بنهب بعض البضائع، لتعود الفوضى والموت والعرقلة إلى طبيعتها، بعدما كانت المساعدات تُسيّر خلال وقف إطلاق النار بشكل يومي.
وأكد ويتال أن محكمة العدل الدولية لم تترك مجالًا للشك، حيث قضت بأن الاحتلال الإسرائيلي لغزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، غير قانوني، وشددت على ضرورة تمكين الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية.
وختم مقاله بالقول:
“ما يحدث في غزة ليس حتميًا، بل هو نتيجة خيارات سياسية مقصودة. لقد طال انتظار إنهاء الاحتلال. إن استمرار ازدواجية المعايير والإفلات من العقاب يقوضان مصداقية النظام الدولي. القانون الدولي يجب أن يحمي الجميع، لا أن يُستخدم لخدمة البعض.
غزة تغرق تحت القنابل والجوع وحصار لا يرحم. كل تأخير في تطبيق أبسط القواعد الإنسانية هو يد أخرى تخنق غزة وهي تكافح لتتنفس.”