صرخة رجاء من بين الركام

القدس – ١٨ تموز ٢٠٢٥
بقلم: أديب جودة الحسيني
أمين مفتاح كنيسة القيامة في القدس الشريف
عندما تمطر السماء نارا على بيت الله، ويمتزج صوت القنابل بأجراس الكنائس، ندرك أن الإنسانية قد بلغت حافة الهاوية. مجمع كنيسة العائلة المقدسة في غزة، الذي لطالما كان ملاذا للضعفاء ومأوى للمحتاجين، أصبح اليوم شاهدا على المأساة، وصرخة ألم مدوية في وجه الصمت العالمي.
صباح هذا اليوم، دخل البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا، ومعه البطريرك ثيوفيلوس الثالث، إلى قلب غزة الجريحة، لا بموكب مهيب، بل بقلوب منكسرة محملة بالحزن والمسؤولية. لم تكن زيارتهم زيارة بروتوكولية، بل مسيرة محبة ورجاء، وقفوا فيها على أنقاض الألم، ومسحوا دموع الأرامل، وحملوا بين أيديهم صلوات الأطفال الذين لم تعد أحلامهم تجد مأوى آمنا.
في زمن عز فيه الصوت الأخلاقي، ارتفعت صلوات البطاركة كجدار روحي بوجه الكراهية، وكأنهم يرددون: “لا تدعوا الحرب تسكت صوت السلام”. لم يكن حضورهم فقط للتعزية، بل لتذكير العالم أن غزة ليست مجرد عنوان في نشرات الأخبار، بل بيت حي للرجاء والصبر، يسكنه مسيحيون ومسلمون يتقاسمون الوجع والرغيف.
المساعدات التي جلبوها، من غذاء ودواء، كانت أكثر من شحنات إنسانية. كانت تعبيرا عن مسؤولية الكنيسة، عن وقوفها إلى جانب المقهورين، عن عدم التخلي في اللحظات الحالكة. وفي الوقت الذي تقصف فيه المآذن وتهدم القباب، ما زال الإيمان ينبض، وما زالت الكنيسة تبني، لا بالحجر، بل بالمحبة.
غزة لا تحتاج فقط إلى مساعدات، بل إلى ضمير عالمي حي. إلى قرار يعيد للإنسان كرامته، وللأماكن المقدسة حرمتها، وللحياة معناها.
وإنني، من موقعي كأمين مفتاح كنيسة القيامة في القدس، أضم صوتي إلى صوت البطاركة وكل رجال الإيمان، وأقول: لا يمكن أن نصمت أمام هذا الألم. لا يمكن أن يعتاد العالم مشاهد الركام والجثث والدموع. يجب أن تبقى غزة حية في وجداننا، لأنها اليوم تمثل وجه المسيح المتألم، الجريح، القابع تحت الصليب منتظرا القيامة.
فلنصل …
ولنصرخ…
ولنساعد…
حتى لا يقال يومًا إن الضمير البشري خذل غزة.