كيف تقرأ أرقام الموازنة العامة؟
بقلم: الدكتور محمد أبو حمور
يحمل مشروع قانون موازنة العام القادم بعض الجوانب الإيجابية بما فيها تقديمه لمجلس الامة ضمن المدة الدستورية واعتماده على فرضيات النمو البالغ حوالي 2.5%، وتضخم بحوالي 2.2% وهي افتراضات واقعية الى حد ما، كما تم مواصلة تقديم الدعم للسلع الأساسية وزيادة عدد الأسر المستفيدة من صندوق المعونة الوطني وكذلك المبالغ المخصصة لدعم واقراض طلبة الجامعات، وفي التفاصيل تشير أرقام مشروع قانون موازنة 2025 الى عدة حقائق وافتراضات من أهمها أن العجز يبلغ 2.28مليار دينار، وهو أعلى من المقدر في موازنة عام 2024، ولكنه أقل من إعادة تقدير نفس العام، أما فيما يتعلق بالإيرادات العامة فقد بلغت حوالي 10.3 مليار دينار، وهي أقل من مقدر موازنة العام الحالي وأفضل من إعادة التقدير، ما يعني أن التقديرات أكثر واقعية من تقديرات العام الماضي، ويلاحظ أن جل الإيرادات المحلية يتألف من الإيرادات الضريبية بمبلغ 7.12 مليار دينار، أي ما تقارب نسبته 70% من الإيرادات العامة، وتشكل 74.5% من الإيرادات المحلية، وتشكل الضرائب على السلع والخدمات حوالي 68.1%، وهذا النمط من الضرائب لا يراعي مستوى دخل المواطن ويؤثر بشكل مباشر على الفئات الفقيرة وذات الدخل المحدود.
النفقات العامة تبلغ حوالي 12.51 مليار دينار، منها نفقات جارية بمبلغ يعادل حوالي 11.04 مليار دينار أو ما نسبته 88.2% من إجمالي الانفاق، ومن الواضح أن النفقات الجارية أعلى من الإيرادات العامة، بمعنى أن جزء منها يزيد عن 809 مليون دينار سوف يمول من خلال الدين العام وهذا نمط غير محبذ في تمويل النفقات الجارية، وهنا نلاحظ أن فوائد الدين العام تبلغ 2.2 مليار دينار، وهي بذلك تشكل ما يصل الى 20% من النفقات الجارية، وما يزيد عن 23% من الإيرادات المحلية، أما النفقات الرأسمالية فتبلغ حوالي 1.47 مليار دينار، علماً بأن النفقات الرأسمالية قدرت في موازنة العام 2024 بحوالي 1.73 مليار دينار، الا أن إعادة تقديرها بلغت 1.26 مليار دينار، وهذه احدى المشاكل المزمنة في الموازنة العامة حيث لا يتم انفاق كامل المبلغ المرصود للنفقات الرأسمالية رغم أهمية ذلك، وتلجأ بعض الحكومات لتقليص العجز عبر عدم انفاق كامل مخصصات الانفاق الرأسمالي، خاصة وأن النفقات الجارية غير مرنة ويصعب تقليصها في كثير من الاحيان.
وفيما يتعلق بالمنح الخارجية، فقد قدرت بنحو 734 مليون دينار، وهوما يجب أن تسعى الحكومة الى زيادته عبر اجراء الاتصالات مع مختلف الجهات المانحة خاصة في ظل الأوضاع الحالية التي تشهدها منطقتنا.
ما رأيك بالدين العام؟
يصنف الدين العام الى نوعين أولهما الدين الداخلي وهو الذي يتم تسديده بالعملة المحلية أي بالدينار الأردني، وإذا أحسنت السلطات ذات العلاقة استخدام الدين الداخلي فيمكن ان يشكل مصدر تمويل مأمون وان ينعكس ايجابياً على مختلف القطاعات الاقتصادية خاصة وان فوائد هذا الدين تعود لمؤسسات داخل الوطن ولا يستنزف العملات الأجنبية، وليست هناك مخاطر لأسعار الصرف، ولكن الافراط في الدين الداخلي قد يحمل اثاراً سلبية في حال أدى لتقلص المصادر المتاحة لتمويل استثمارات القطاع الخاص، وثانيهما الدين الخارجي والذي يمثل الرصيد القائم للالتزامات المباشرة وغير المباشرة التي يتوجب على الحكومة تسديدها بعملات اجنبية، وهو يمثل انعكاساً للسياسات الاقتصادية والتنموية ويعكس جزءً مهماً من العلاقة مع العالم الخارجي، والدين الخارجي، كما هو الدين الداخلي، يمكن ان يمثل مصدر تمويل هام للاقتصاد الوطني وان يعزز الموجودات من العملات الأجنبية شريطة الاستخدام الكفؤ والملائم لهذا النمط من التمويل، وبعكس ذلك يمكن ان تتعرض لمصاعب اقتصادية ومالية، وعموماً يمكن القول ان الدولة بحاجة الى إيجاد توازن بين مصادر الاقتراض المختلفة بما ينسجم مع احتياجاتها التنموية وبما يساهم في تحقيق تنمية تشمل مختلف الفعاليات والقطاعات الاقتصادية.
المديونية، سواء كانت داخلية او خارجية، عندما تتجاوز الحدود وتستخدم كأداة لتمويل النفقات الجارية تصبح خطراً على المنجزات التنموية بدل ان تكون اداة لتعزيزها وتقلص امكانيات السياسة المالية وقدرتها على القيام بدور تنموي يتفق مع المتطلبات والتطورات التي يشهدها الوطن، فالدين العام يمكن ان يكون اداة تمويل تساهم في بناء المشاريع الاستثمارية والبنى التحتية إذا تم التعامل معها بحكمة وموضوعية وبما يتفق مع مقدرات الاقتصاد الوطني مع عدم اغفال ما قد يترتب عليه من مخاطر.
تجاوز الدين العام مؤخراً ما مجموعه 43.3 مليار دينار، وبنسبة تصل الى 116% من الناتج المحلي الإجمالي، أما مدفوعات الفوائد خلال عام 2024 فتبلغ 1.08 مليار دينار، وهذه النتائج ليست وليدة الساعة بل هي نتيجة الزيادة المضطردة في حجم ونسبة الدين العام خلال السنوات الماضية، ولغايات المقارنة فقد بلغ مجموع الدين العام في عام 2010 حوالي 12.59 مليار دينار، ووصل عام 2015 الى حوالي 24.9 مليار دينار، وفي عام 2019 بلغ 30.08 مليار دينار، أي أن الدين العام نما خلال الفترة 2010 -2015 بنسبة تزيد عن 97%، وخلال الفترة 2015- 2019 بنسبة تقارب 21%، ومنذ 2019 وحتى الشهر الثامن من هذا العام بلغت نسبة نموه بحدود43%، أما الفوائد فقد ارتفع حجمها من 397.5 مليون دينار عام 2010، الى 914.4 مليون دينار في عام 2015، وصولاً الى أكثر من 1.1 مليار دينار عام2019، وسوف تبلغ كما أسلفت 2.2 مليار دينار خلال العام القادم2025، وقد أشار وزير المالية في خطاب الموازنة الى أن حجم الدين العام في موازنة عام 2025 ، بعد استثناء ما يحمله صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي، سيبلغ نحو 90% من الناتج المحلي الإجمالي المقدر في عام 2025، ليتواصل انخفاضه التدريجي وصولاً إلى 80% من الناتج في عام 2028، وذلك ضمن خطة سنوية ملتزم بها ضمن برنامج الإصلاح الوطني الاقتصادي والمالي، ويحتاج هذا التعهد الى وضع برامج وإجراءات ومؤشرات سنوية واضحة يتم تحقيقها بالتدريج، خاصة وأن هناك وعود سابقة مماثلة الا انها لم تتحقق.
ومن المهم التأكيد على أن الدين العام يمثل انعكاساً للسياسات المالية، لذلك لا بد من مواصلة الجهود التي تبذل لإصلاح الإدارة المالية ومكافحة التهرب الضريبي، مع عدم اغفال ما تم تحقيقه في هذا المجال، ومن المهم ايضاً إعادة النظر في الانفاق العام وتوجيهه نحو الأولويات وخاصة الانفاق الاستثماري والتنموي وترشيد الانفاق الجاري وغير المنتج، ومواصلة جهود تحديث القطاع العام وتنفيذ برامج ومشاريع رؤية التحديث الاقتصادي.
هل سنشهد تحسن في عام 2025؟
التفاؤل بما يحمله العام القادم مطلوب، وهو يعتمد على جانبين أولهما ما سوف تقوم الحكومة بتنفيذه من إجراءات للسير قدماً في جهود تحديث القطاع العام وتنفيذ المشاريع الكبرى والبرامج المطلوبة في اطار رؤية التحديث الاقتصادي والعمل على تمكين القطاع الخاص وتحسين بيئة الاعمال، وثانيهما يتعلق بالأوضاع والتطورات السياسية في المنطقة، خاصة اذا تم وقف العدوان على قطاع غزة واستقرت الأوضاع في الجمهورية العربية السورية، وهنا لا بد من الإشارة الى ضرورة الوعي بالتحديات والفرص المتاحة وقدرة الحكومة والقطاع الخاص على التعاون وبناء شراكة فاعلة تتيح مواجهة أي تحديات قد تظهر وكذلك الاستفادة مما يحمله المستقبل من فرص.
إلى ماذا يجب أن ترتكز الحكومة؟
يفترض أن تلتزم الحكومة بالتوجيهات الواردة في كتاب التكليف السامي وبيانها المقدم الى مجلس الامة والذي بناءً عليه حازت على الثقة، هذا في الاطار العام، أما من ناحية السياسات الاقتصادية فلا بد من تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص وتحسين بيئة الاعمال والمضي قدماً في تنفيذ برامج رؤية التحديث الاقتصادي وإجراءات تحديث القطاع العام والنظر في إصلاحات هيكلية تؤدي الى تقليص كلفة الإدارة العامة والنفقات الجارية وبما يتيح بذل عناية أكبر بالاستثمار الرأسمالي والعمل على رفع نسب النمو الاقتصادي وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين وتحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز الشفافية وحكم القانون، وكل ذلك ضمن اطار زمني ومؤشرات أداء واضحة وقابلة للقياس.