كيف تمكنت إسرائيل من اختراق منظومة حزب الله واغتيال قيادته؟

تحليل د.محمود خلوف “القضاة”* 

         ثمة اجتهادات عرضها المحللون عبر القنوات الفضائية فيما يخص ما أصاب حزب الله من ضربات موجعة خلال الأشهر القليلة الماضية على صعيد اختراق أنظمة الاتصالات والقيادة والسيطرة، والاغتيالات التي طالت الصف الأول والثاني في الحزب، ولكن أسجل بأنه غلب عليها التحليل بالتمني، أو التحليل المتحيز المبني على الأمل، وليس الواقع.

وأسعى من خلال هذا التحليل لتقديم بعض الإضافات التي قد تسهم في تسليط الضوء على ثغرات كبيرة، واختراقات عن قصد وغير قصد استغلها الاحتلال الإسرائيلي لتوجيه ضربة مؤلمة للقيادة الفعلية لمحور الإسناد المتمثلة بحزب الله من خلال النقاط التالية:

أولا: الخيانة

إسرائيل تمكنت من اغتيال رئيسي هيئة أركان حزب الله في مقرات سرية تحت الأرض، واغتالت جميع قادة وحدة الرضوان، وهاجمت مخازن سرية للأسلحة والصواريخ، وقبلها اغتالت عضو المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري في الضاحية الجنوبية بمكان غير معلن بأنه مقر لحماس، والمشترك الوحيد في كل هذه الحوادث هو الوصول لأماكن سرية وبدقة عالية.

حجم الاختراق يظهر بأن الخيانة في جهاز الأمن والحماية وفي الجهة المكلفة بالحراسات هو على مستوي متقدم جدا؛ لأن القيادات الأمنية والعسكرية التي تم اغتيالها ضمن الصف الأول والثاني لا يعلم عنها إلا أشخاص بمستواها الوظيفي أو أعلى منها بالهيكل التنظيمي؛ وهو ما أغفل الحزب أو عجز في حل اللغز فيه، ما يشير إلى أن الاستنزاف قد يستمر، إلا إذا شعر هذا العميل بقرب الوصول إليه وفر من البلاد.

وما يثبت هذا الافتراض إعلان الناطق الرسمي باسم جيش الاحتلال مساء 27 سبتمبر 2024 عن اغتيال أمين عام حزب الله الشيخ حسن نصر الله، ومن ثم الإعلان بوقت قصير عن أن الجيش باشر بمهاجمة القدرات الاستراتيجية لحزب بالله وبالذات الصواريخ البحرية التي هي على غرار الصاروخ الذي أصاب سفينة شاعر سنة 2006، وقد نشر خريطة شديدة التحديد للأماكن المنوي تدميرها.

وقد تكون هناك حلقة وصل بين العملاء في جهاز الحراسات والحماية وبين المتورطين بنقل أجهزة النداء “بيجر”، وأجهزة الاتصال اللاسلكي “ووكي توكي آيكوم” وتوزيعها على عناصر حزب الله لتنفجر يومي 17 و18 سبتمبر 2024.

ثانيا: ثغرات بعمل لبنان بنظام بيومتري

بات معلوما بأن جواز السفر البيومتري يحتوي شريحة دقيقة (رقاقة RFID) مميزة، تحمل بيانات صاحبه مثل الخريطة الرقمية للوجه، أو بصمات الأصابع، أو مسح القزحية (بصمة العين).

إن الدول الغربية والولايات المتحدة الأميركية باعت الدول الإسلامية والعربية وهما كبيرا وخطيرا وصب في النهاية في خدمتها وخدمة حليفتها إسرائيل، وهو العمل بنظام البيومتري.

ما تم ترويجه وتسويقه في لبنان ودول أخري تعاونت مع أميركا بأن المنصة البيومترية تم الانخراط بها كونها منظومة متطورة جدا صُمِّمت لكشف المجرمين، وتساهم في ملاحقة الفارين من العدالة والمتورطين بغسيل الأموال وتجار المخدرات؛ لقدرتها الفائقة في التعرف الآلي على الأشخاص استنادًا إلى سماتهم البيولوجية والسلوكية.

وقد تعاملت الحكومة اللبنانية مع هذا الملف ضمن مسارين الأول: خارجي وتعلق أساسا بالوثائق الخاصة بالسفر، وبطاقات الهوية وداخلي وهو الذي مثل الضربة الإضافية لحزب الله.

هناك خبراء تكنولوجيا و”سايبر”، وأمن معلومات وجهوا انتقادات لاذعة للحكومة اللبنانية التي قامرت وغامرت بتزويد نظام البيومتري الداخلي المزود بمعلومات كافية حول شيفرات أرقام السيارات وإحداثيات المباني، والعناوين الدقيقة جدا للأفراد إلى جهات خارجية بذريعة عقد شراكات في الأمن السيبراني، ومقاومة القرصنة وحماية البيانات.

إنني أضم صوتي لصوت لخبير العسكري اللبناني أكرم سريوي الذي صرح بأن الخطأ الأول الفادح الذي وقعت به الحكومة اللبنانية تمثل بـ السماح بتسرّب (E-Data) الاتصالات؛ إثر إبرامها عقدا مع شركة أميركية للأمن المدار تسمي “اكيويتف”، ومقرها في نيوجرسي.

ومن المعروف عن هذه الشركة أنها متخصصة بتوفير المراقبة الخارجية، وإدارة الأجهزة والأنظمة الأمنية، من جدار الحماية المُدار، واكتشاف التسلل، والشبكة الخاصة الافتراضية، إلى فحص الثغرات الأمنية، والخدمات المضادة للفيروسات، وهي بذلك تملك بغطاء قانوني ورسمي حق الوصول إلى كافة البيانات والمعلومات، ولديها جميع المفاتيح الالكترونية، وكودات التشفير، وكلمات السر، الخاصة بأجهزة الكمبيوتر.

ولم يبالغ الخبير سريوي عندما حذر في شهر إبريل الماضي من أن “توقيع العقد مع الشركة المذكورة يعني ببساطة أن جميع المعلومات التي تحصل عليها هذه الجهة، وتقوم بمعالجتها، باتت موجودة لدى أجهزة الاستخبارات الأميركية، وتلقائيا كل ما هو بحوزة أميركا يصل مباشرة إلى الكيان“.

ثالثا: الذكاء الاصطناعي وخدمات أخرى

باتت تعتمد إسرائيل على الذكاء الاصطناعي والأنظمة الذكية لملاحقة المطلوبين، والعمل على اغتيالهم سواء في فلسطين أو لبنان.

وكشفت مصادر إعلامية وأمنية بداية العام الجاري عن أن الكيان يستخدم أحد أنظمة الاذكاء الاصطناعي في تعقب الأفراد واغتيالهم ويُطلق عليه اسم «لافندر» الذي أدى دوراً مركزياً في الحرب في قطاع غزة وفي لبنان، عبر معالجة البيانات لتحديد المطلوبين سواء في حزب الله أو التنظيمات الفلسطينية.

وما عزز من قدرة إسرائيل في هذا الجانب استفادتها الكبيرة من خدمات شركة جوجل لتحديد الأشخاص والتعرف على أصواتهم وصورهم ضمن مشروع للحوسبة السحابية عُرف باسم مشروع “نيمبوس” (Nimbus).

ويتقاطع هذا الجهد مع توقيع حكومة الاحتلال في أبريل/نيسان 2021، اتفاقية مع شركتَيْ غوغل وأمازون لبناء مراكز بيانات إقليمية داخل الأراضي المحتلة لتقديم الخدمات السحابية وأمورا أخري تخص وزارة الجيش الإسرائيلي، بتكلفة المشروع بـ1.2 مليار دولار.

رابعا: جهود متقدمة في الرصد والتجسس

وبذلت إسرائيل في هذا الجانب جهودا كبيرة، إذ أنفقت ملايين الدولارات بدءا من تصميم برنامج «بيغاسوس» من قبل شركة إسرائيلية للتقنية والأنظمة الذكية يطلق عليها اسم “أن أس أو”، أو عبر أنشطة تكنولوجية معقدة للغاية.

إن الخطير في «بيغاسوس» بأنه برنامج تتبع وتعقب قوي، إذ إن برمجيّة بيغاسوس قادرة على قراءة الرسائل النصية، وتتبع المكالمات، وجمع كلمات السر، وتتبع موقع الهاتف الخليوي، والوصول إلى المعلومات التي تُخزنها التطبيقات.

وقد استعانت إسرائيل أيضا بأجهزة تجسس وبمسيرات والأقمار الاصطناعية لرصد الاتصالات واختراق كاميرات المراقبة؛ ما جعل الأهداف تحت الرصد والمتابعة في فلسطين ولبنان على مدار الساعة.

وتبقى (الوحدة 8200) وثيقة الاتصال والتواصل مع وحدة نخبة النخبة «سييرت متكال» في الجيش الإسرائيلي والتي تتبع مباشرة لرئيس شعبة الاستخبارات العسكرية.

وتعتمد إسرائيل بشكل مركزي على الخبرات المتقدمة التي تعتمد عليها وحدة 8200، فبعد أن نجحت بضرب المنظمة المحوسبة لأجهزة الطرد المركزي بالبرنامج النووي الإيراني، تزود هذه الوحدة أجهزة الاستخبارات بمعلومات محدثة عن الأعداء وعن قوى المقاومة وفي مقدمتها حزب الله.

وتتكفل هذه الوحدة في تقديم رؤية استخبارية متكاملة مع المعلومات والبيانات التي يوفرها العملاء، وتنفذ مهامها ضمن ثلاث مسارات في العمل الاستخباري وهي: التنصت والرصد، والتصوير، والتشويش.

وعمليا فإن «سييرت متكال» تحتاج دائما إلى معلومات هذه الوحدة قبل تنفيذ عمليات الاغتيال والأخيرة أيضا تقدم خدمة كبيرة  لـ(8200) بزرع أجهزة تنصت وتصوير.

وخلاصة القول: يتضح أن نشطاء حزب الله قد استخفوا بتوجيهات الأمين العام للحزب حسن نصر الله بدءا من شهر  آذار 2024، حينما تحدث عن مخاطر الهواتف على القيادات الحزبية، وكذلك عندما حذر من خطورة كاميرات المراقبة المنتشرة أمام المنازل والمحال التجارية.

كما استخفت قيادة الحزب وكذلك عناصره التنظيمية وبالذات الأمنية، بما حذر منه تحقيق نشرته صحيفة الأنباء اللبنانية في نهاية شهر آذار 2024 حول تفوق إسرائيل التكنولوجي، وقدرة الاحتلال على ملاحقة عناصر حزب الله عبر الهواتف والكاميرات، وأجهزة الاتصال.

وخلص هذا التحقيق إلى أهمية سرعة تدخل أجهزة المقاومة الإسلامية في لبنان باتخاذ إجراءات سريعة ووقائية في مقدمتها التخلي عن التحدث عبر شبكة الهواتف المحمولة، أو حتى شبكة أوجيرو.

كما أوصى بالابتعاد عن الأماكن والطرق المراقبة بالكاميرات، وكذلك عدم اصطحاب الوثائق البيومترية، عند الدخول إلى المحال، التي يوجد على مداخلها أجهزة مراقبة وإنذار؛ لأنها ترسل حقلاً مغناطيسياً، يجعل الشريحة البيومترية تعمل؛ ما يسمح باكتشاف مكان صاحبها.

كما طالب التحقيق باعتماد شبكة اتصالات أرضية خاصة، مشددا على أن الوسائل البدائية، كساعي الارتباط، تبقى هي الوسيلة الأكثر أماناً وأن الطريقة الأفضل للأمان، هي عدم ربط كاميرات المراقبة بشبكة الانترنت، وحتى إزالتها بالكامل.

 *استاذ الاتصال السياسي / الجامعة العربية الأمريكية جنين، وهو محلل مختص بالصراع وخبير اتصال سياسي

زر الذهاب إلى الأعلى