إلياس خوري.. رحيل في زمن “النكبة المستمرّة”
جمع الروائي اللبناني إلياس خوري، الذي غادر عالمنا اليوم الأحد، بين الكتابة بشقّيها الإبداعي والبحثي، وبين العمل الصحافي والتدريس الأكاديمي الذي مارسه في عددٍ من الجامعات العربية والأوروبية والأميركية.
وُلد خوري عام 1948 في منطقة الأشرفية ببيروت، وحصل على شهادة الثانوية العامّة عام 1966 من “ثانوية الراعي الصالح” فيها، ليُسافر بعد عامٍ من ذلك – وكان في التاسعة عشرة من عمره – إلى الأردن
في لبنان الذي عاد إليه مُجدّداً، سيدرس التاريخ في “الجامعة اللبنانية” التي سيتخرّج منها عام 1971، قبل أن يواصل دراسته في فرنسا، ليحصل على دكتوراه في التاريخ الاجتماعي من “جامعة باريس” عام 1971.
وعمل خوري في عددٍ من الصحف والمجلّات في لبنان؛ مثل مجلّة “المواقف” التي التحق بها عام 1972 وأصبح عضواً في هيئة تحريرها، ومجلّة “شؤون فلسطينية” التي ترأّس تحريرها بالتعاون مع محمود درويش بين 1975 و1979، ومجلّة “الكرمل” التي تولّى إدارة تحريرها من 1981 إلى 1982، وصحيفة “السفير” التي ترأّس قسمها الثقافي بين 1983 و1990.
وعمل الروائي الراحل، أيضاً، محرّراً لسلسلة “ذكريات الشعب” التي صدرت عن “مؤسّسة البحوث العربية” في بيروت بين 1980 و1985 ومدير فنّياً لـ”مسرح بيروت” من 1992 إلى 1998.
نشر إلياس خوري مجموعةً قصصية بعنوان “المبتدأ والخبر” (1984)، وستّة عشر روايةً؛ هي: “أبواب المدينة” (1981)، و”عن علاقات الدائرة” (1985)، و”رحلة غاندي الصغير” (1989)، و”عكا والرحيل” (1990)، و”مجمع الأسرار” (1994)، و”باب الشمس” (1998)، و”الجبل الصغير” (2003)، و”الوجوه البيضاء” (2003)، و”رائحة الصابون” (2007)، و”مملكة الغرباء” (2007)، و”يالو” (2012)، و”المرايا المكسورة: سينالكول” (2012)، و”كأنّها نائمة” (2013)، وثلاثية “أولاد الغيتو”: “اسمي آدم” (2016)، “نجمة البحر” (2019)، و”رجُل يشبهني” (2023).
وحضرت الحرب الأهلية اللبنانية في عددٍ من رواياته تلك؛ مثل “الجبل الصغير” (وهو أيضاً عنوان فيلم كتبه عام 1977) التي تدور أحداثها خلال الحرب، و”رحلة غاندي الصغير” التي تروي حكاية مهاجر ريفي يعيش في بيروت خلال الحرب، و”يالو” التي تدور حول عنصر سابق في إحدى الميليشيات متّهم بارتكاب جرائم أثناء الحرب الأهلية.
كما حضرت فلسطين في روايات أُخرى؛ بدءاً من “باب الشمس” التي كانت مِن أُولى الأعمال الأدبية التي تطرّقت إلى مجزرة صبرا وشاتيلا (16 أيلول/ سبتمبر 1982) التي تمرُّ ذكراها الثانية والأربعون غداً الإثنين، من خلال قصّة حُبّ بين المناضل الفلسطيني يونس الأسدي وزوجته نهيلة. وقد حُوّلت الرواية عام 2004 إلى فيلم سينمائي من إخراج يُسري نصر الله، وصولاً إلى ثلاثية “أولاد الغيتو” التي يروي فيها آدم دنون، الفلسطيني المُهاجر إلى نيويورك، حكايته منذ طفولته في مدينة اللدّ التي احتُّلت عام 1948 وهُجّر معظم سكّانها الفلسطينيّين.
وهذا ما جعل الناقد والأكاديمي الفلسطيني عادل الأسطة – الذي تناوَل تجربة الروائي اللبناني الراحل في سبعة كُتب نقدية – إلى اعتباره “العلامة الرابعة في الرواية الفلسطينية”، في إشارةٍ إلى كتاب الراحل فاروق وادي “ثلاث علامات في الروايات الفلسطينية: كنفاني وحبيبي وجبرا”.
وكما في أعماله الأدبية، حضرت فلسطين في كُتب خوري الأُخرى؛ بدءاً بـ”إحصاءات فلسطينية” (1974)، وصولاً إلى كتابه الصادر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 تحت عنوان “النكبة المستمرّة”، وفيه ينطلق من افتراض أنّ النكبة الفلسطينية لم تبدأ وتنته في سنة 1948، وإنّما هو مسار بدأ في سنة 1948، ولا يزال مستمرّاً؛ حيث تعيش فلسطين نكبتها المستمرّة التي تتّخذ أشكالاً متعدّدة، من التطهير العرقي إلى نظام الأبارتهايد.
وبين العملَين، نذكُر أيضاً كتابه “زمن الاحتلال” (1985)، وكتابه المشترك مع إحسان عبّاس وفضل النقيب: “غسّان كنفاني إنساناً وأديباً ومناضلًاً” (1974)، وعمَلَيه عن الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش: “محمود درويش وحكاية الديوان الأخير” (2009) و”محمود درويش الشاعر، الإنسان، الحب” (بتأليف مشترك مع كريم مروة محمد دكروب وآخرين، 2001).
من إصدارات إلياس خوري الأُخرى (عددٌ منها شارك في تأليفه مع كتّاب آخرين): “عوالم جديدة: ومختصر علم الفلك” (1962)، و”تجربة البحث عن أفق: مقدّمة لدراسات الرواية العربية بعد الهزيمة” (1974)، و”الذاكرة المفقودة: دراسات نقدية” (1982)، و”المسيحيون العرب: دراسات ومناقشات” (1986)، و”دراسات في نقد الشعر” (1986)، و”يوسف حبشي الأشقر طليع، حدّاث، مجدّد في الرواية اللبنانية والقصة” (2003)، و”تصوّرات البحر الأبيض المتوسّط: المتوسّط اللبناني” (2003)، و”تأمّلات في شقاء العرب” (2005)، و”حوار مع معين الطاهر: الكتيبة الطلابية: تأمّلات في التجربة” (2015).
تُرجم عددٌ من أعماله إلى لغات عدّة؛ من بينها: الكاتالانية والهولندية والإنكليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والبرتغالية والنرويجية والإسبانية والسويدية.