همسات مع نص/ جذوة الحرب/ للشاعرة رفعة يونس

يهمسها: زياد جيوسي

جذوة الحرب.. نص من قلب مكلوم لكنه ينظر للأفق الموشى بالدماء، فيرى الفجر القادم.. فجر الحرية، فالحرية لا تأتي دون تضحيات جسام، وليس هناك من عدو يتنازل إن لم يكن ثمن التنازل من دماء جيشه ومن جبن شعبه، فكان هذا النص مستمدا من أسطورة الصمود الفلسطيني في غزة وفي كل الوطن المحتل، وإن كان القطاع قد دفع الثمن الأكبر والأقسى من دماء أهله في ظل صمت عربي وإسلامي مريب من الحكومات، بينما الشعوب تغلي من القهر والألم، ونلاحظ أن الشاعرة بدأت نصها بشطر “من صفر المسافة …نبدأ” وهذا المصطلح الذي ابتدعة المقاومون وهم يدمرون أقوى الدبابات والناقلات من مسافة الصفر، فأصبح للصفر معنى آخر، وتكمل وهي ترقب مساحات الدمار والركام المتراكم اليد السمراء التي ستعيد البناء فتقول: “نبني من تلة الدمار، صروحا”، وتواصل الأمل واستشراف الغد بالقول: “من كومة في الرماد، بروجا”.
الشاعرة رفعة يونس وهي المحرومة من وطنها تطل من “كوة فجر بهي” تراه في الأفق، وفي الفجر البهي المشتعل من “جذوة الحرب” في غزة وطولكرم وجنين والخليل ونابلس وكل محافظات الوطن وفي كل بقعة من الوطن، ومن دمار غزة ودمار المخيمات في الضفة “تطل على عتم الخطوة الآتية”، فتصرخ مع الأسود المقاومة: “نحن لا هون يكبلنا، إن طف الهوان بأرجائنا”، فنحن شعب في كل بقعة “أمواج من غضب”، ونحن في مقاومتنا وفي مواجهة الموت بابتسامات الحلم بالحرية الآتية “نحن عطر الورد، على شرفات الموت”، فلا بد أن يأتي الفجر وتشرق الشمس متوهجة كما توهجت أودية إمتلأت بدماء الشهداء، ولا بد أن يشرق هذه الفجر “بسمة صبح شهي، لا ينتهي”.
فالفرح آت حتى “إن فاض الدمع بأعيننا”، وتصبر الخنساوات وتزغرد حتى “إن جرى دمنا.. في الأرض، جداول”، فالمؤمنات بالله والفرج القادم يدفعن بأبنائهن للمقاومة في ساحات الشرف حتى لو “إنتثرت في الآماد، أشلاؤنا”، فالأمهات يقتطفن الابتسامات “من ثغر شهيد، في عرسه”، ويطلقن “زغرودة شوق.. قد صدحت”، وفي جنازات الشهداء إن كان هناك بالإمكان جنازة، نرى “سلال زهور.. قد انهمرت، شلالا.. على قبره”، فالشهيد حين كان حيا قبل أن ينتقل ليحيا في الحياة الأخرى، نرى أنه كان في الحياة الدنيا “أسد.. إن عم الضيم، إن أشعلت جذوة للحرب”.
والشعب لا يستكين ولا يستسلم حتى “إن غاب الجمع”، ويصرخ الأحرار “فيا وحدنا.. كنا”، لكن نقاوم حتى لو بالحجر فنحن “جحيم، آتون يحرق أخضرهم، قبل يابسهم”، ويردد الأحرار: “وحدنا، سحبا للموت، ستملأ كل سماءاتهم”، ويصرخون “في وجه الطغمة الباغية”: “سنبقى.. هزيج السنابل، عرس الربيع، وموجا للحنون”، فشعبنا منذ بدايات القرن الماضي كان وسيبقى “جذور حياة”.
نص قوي بالمعنى والكلمات وما وراء الكلمات، مكثف اللغة، معتمد على الرمزية المباشرة، مأنسن للعديد من الرمزيات، ابتعد عن المباشرة الفجة فرسم مجموعة من اللوحات الفنية بريشة الكلمات، وابتعد عن البكائيات التي انتشرت في العديد من نصوص الحرب التي تقترب من عام قاس جدا، فعبرت الشاعرة بجماليات وقوة عن أحاسيس شعبها، شعب لا يستكين.

جذوة الحرب

من صفر المسافة …نبدأ
نبني من تلة الدمار
صروحا
من كومة في الرماد
بروجا
كوة فجر بهي
تطل على عتم الخطوة الآتية
نحن لا هون يكبلنا
إن طف الهوان بأرجائنا
أمواج من غضب
إن فاض الدمع بأعيننا
إن جرى دمنا …في الأرض
جداول
وانتثرت في الآماد
أشلاؤنا
نحن عطر الورد
على شرفات الموت
وبسمة صبح شهي
لا ينتهي
من ثغر شهيد
في عرسه
زغرودة شوق ..قد صدحت
وسلال زهور ..قد انهمرت
شلالا….على قبره
أسد ……إن عم الضيم
إن أشعلت جذوة للحرب
وغاب الجمع !!!
فيا وحدنا ….كنا
لكنا جحيم
اتون يحرق أخضرهم
قبل يابسهم…
وحدنا
سحبا للموت
ستملأ كل سماءاتهم
وسنبقى …هزيج السنابل
عرس الربيع
وموجا للحنون
جذور حياة
في وجه الطغمة الباغية.
رفعة يونس .

زر الذهاب إلى الأعلى