الشفافية ركيزة اقتصادية
بقلم: الدكتور محمد أبو حمور*
أكدت العديد من التقارير والدراسات أن الشفافية بشأن القضايا الاقتصادية تشكل قاعدة أساسية لرفع نسب النمو الاقتصادي وتعزيز الثقة بالحكومات وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، خاصة وأن هذا النهج يعمل على توفير البيانات والمعلومات التي تتيح المباشرة في تنفيذ الإصلاحات الهادفة الى معالجة الثغرات بناءً على قاعدة معلوماتية تضمن توجيه الجهود بطريقة سلسة وفعالة وتساهم في تحقيق النتائج المطلوبة في وقت مناسب وبكلفة أقل.
كما أن ذلك يوفر المتطلبات التي تتيح تعزيز المساءلة وتساهم في تمتين منظومة الحوكمة الرشيدة، فمثلاً عندما تتوفر بيانات دقيقة وشاملة حول البطالة وأنماطها وأماكن تواجدها تستطيع الجهات والمؤسسات التنفيذية أن تكرس جهودها المتعلقة بتشجيع نمط من الاستثمارات الخاصة والعامة التي تتعامل مباشرة مع الواقع سواءً كان ذلك عبر رفع المهارات والتدريب والتوجيه او تشجيع الريادة والابتكار وحتى التفكير بالتوزيع الجغرافي للمشاريع التنموية.
وقد يعتقد البعض أن الالتزام بالشفافية ونشر البيانات واتاحتها للجمهور يتعلق بالقطاع العام فقط، الا أن الواقع يتطلب أيضاً أن يشمل ذلك قطاع الاعمال ومؤسسات المجتمع المدني بحيث تصبح ثقافة الشفافية اطاراً عاماً لمختلف الأنشطة الاقتصادية، وهو الأمر الذي يترتب عليه زيادة ثقة المستثمرين ورجال الاعمال،د.
كما أن ذلك سيمكن الشركات والمستثمرين من جذب الكفاءات ورفع الإنتاجية وتحسين الأداء العام والكفاءة وزيادة ثقة العملاء المستهلكون منهم والمستثمرون.
ولا شك بان عدم توفر منظومة متكاملة من الشفافية والحكم الرشيد والمساءلة والمؤسسات الفعالة يعد سبباً جوهرياً في تراجع الجهود التنموية وعدم فعاليتها إضافة الى ضعف الإدارة العامة وعجزها عن تقديم الخدمات المناسبة للمواطنين والمستثمرين والتخصيص غير الكفؤ للموارد والتأثير سلباً على أعمال القطاع الخاص وبالتالي يؤدي ذلك الى تراجع مستوى حياة المواطنين.
ان استمرار تراكم هذه المقدمات سيشكل منطلقاً لتوترات اجتماعية تحمل في طياتها اخطاراً متنوعة، كما أن هذا يساهم في تكوين بيئة حاضنة للفساد الذي يترتب عليه كلف اقتصادية وضياع الموارد ويلقي بأعباء ثقيلة على الدولة والمجتمع.
قطع الأردن شوطاً كبيراً في إرساء قواعد الشفافية والحوكمة الرشيدة وتعزيز سيادة القانون ويؤكد ذلك ما تحقق من نجاحات على مختلف الأصعدة، بما في ذلك ارتفاع التصنيف الائتماني، الذي أكدته مؤخراً وكالة “كابيتال إنتليجنس”، حيث أشارت الى أن ” ترقية التصنيفات تعكس المرونة الواضحة للاقتصاد الأردني وقدرته على التحسن التدريجي و تحمل الصدمات الخارجية على الرغم من المشهد الجيوسياسي الصعب”.
كما أحرز الأردن تقدما كبيرا ضمن تقرير تصنيف التنافسية العالمية لعام 2024 والصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية، وأظهر التقرير تقدم الأردن 6 درجات عن العام الماضي ليصل إلى المرتبة 48 عالميا وليحتل المرتبة السادسة عربياً، وهذه النجاحات ليست الا دافعاً لمزيد من العمل الذي من خلاله نواجه التحديات الإقليمية، ونعمل على اجتراح الحلول لمواجهة ما يعانيه الاقتصاد الأردني من تواضع نسب النمو وارتفاع معدل البطالة وأعباء الدين العام والاستمرار في تنفيذ الإصلاحات التي تهيء الظروف الملائمة لتحقيق أهداف رؤى التحديث الشاملة الاقتصادية والسياسية والإدارية، وبالرغم من صعوبة الظروف الا أن الإمكانيات متوفرة في حال تم مواصلة السير قدماً والاستفادة من الفرص المتاحة.
الدولة التي تعمل على ترسيخ وتعزيز منظومة الحوكمة الرشيدة والشفافية والمساءلة وسيادة القانون ستكون قادرة على المضي قدماً في مسيرة التنمية الاقتصادية عبر بناء بيئة استثمارية موثوقة وتنافسية جاذبة للاستثمار الأجنبي ومحفزة للاستثمارات المحلية، ومن المهم مواصلة السير في هذا المجال وعدم التردد في الكشف عن جوانب القصور ومواجهتها فهذا يؤكد صلابة الموقف والحرص على التصدي لأي معوقات وهو السبيل للحفاظ على الإنجازات والبناء عليها وصولاً الى تحقيق الطموحات والارتقاء بمستوى حياة المواطن وتحسين ظروف معيشته.
*وزير المالية الأسبق