قبيلة “الحراس” .. بقيت معزولة عن العالم طوال 60 ألف عام
في جزيرة نورث سينتينل الصغيرة، تعيش قبيلة فريدة من نوعها، تمكنت من الحفاظ على نمط حياة واحد بمعزل عن بقية العالم طوال أكثر من 60.000 عام، مما يعني أن أسلاف سكان هذه القبيلة عاشوا في العصر الجليدي! يطلق على سكان جزيرة سينتينيل لقب “السينتيليون” ويشار إلى قبيلتهم أيضاً باسم “قبيلة الحراس”، لكن في الواقع لا يعرف أحدٌ الاسم الحقيقي لقبيلتهم، لأن أحداً لم يستطع فك رموز اللغة التي يتحدثون بها.
قبيلة الحراس.. ناجون من العصر الجليدي
يسكن أفراد هذه القبيلة في جزيرة نورث سينتينل المعزولة، وهي جزء من جزر أندامان، في خليج البنغال، وعلى مدار قرون استطاع أفراد هذه القبيلة البقاء بمعزل تام عن العالم الخارجي، إذ يملكون قدرة رائعة على إبعاد الغرباء المتطفلين وتخويفهم.
وكل ما نعرفه عنهم في الوقت الحالي يستند إلى روايات تاريخية وملاحظات حديثة أجريت عن بعد.
يتميز أفراد قبيلة الحراس ببشرتهم الداكنة وشعرهم المجعد وقصر القامة، وباعتبارهم لا يزالون يعيشون حياة بدائية فهم لا يرتدون الملابس. ولا يعرف بالضبط عدد الأشخاص الذين يعيشون على الجزيرة، وقد حاولت الحكومة الهندية إجراء تعداد في عام 2001، وتمكنت من تسجيل 39 شخصاً (21 ذكراً و18 أنثى). ومع ذلك لا نستطيع القول إن هذه البيانات دقيقة تماماً، ويعتقد الخبراء أنه يمكن أن يكون هناك ما يصل إلى 250 فرداً في الجزيرة.
أما عن نمط حياتهم، فهم يعتمدون بكل تأكيد، على الصيد ولا يمارسون أي شكل من أشكال الزراعة، ويبدو أنهم لم يتعلموا كيفية إشعال النار.
يقتات سكان القبيلة من اصطياد الخنازير والطيور الصغيرة في الغابة الشاسعة التي تغطي الجزيرة، باستخدام الرمح والأقواس والسهام، كذلك يقومون بجمع النباتات والعسل البري والفواكه والمكسرات.
أيضاً يجمعون على الشاطئ جوز الهند ويصطادون السلاحف البحرية والأسماك باستخدام الحراب وشباك الصيد وقوارب الكانو الصغيرة. ومع ذلك، فهم لا يغامرون أبداً بالدخول إلى البحر، إذ يكتفون بالصيد في البحيرة التي تحيط بالجزيرة. ولا يُعرف الكثير عن نوع المساكن التي يعيشون فيها.
“يأكلون كل ما يمسكون به”
منذ 100000 عام، ترك الإنسان الحديث مهده الإفريقي لاستكشاف المراعي الجديدة. في البداية اتجه نحو السواحل واستكشف المناطق الاستوائية الغنية بالطعام والموارد الوفيرة. وقبل 60 ألف عام، وصل البشر إلى شبه القارة الهندية.
في ذلك الوقت كنا في زمن العصر الجليدي، حيث غطت الأنهار الجليدية الهائلة مساحات شاسعة من نصف الكرة الشمالي. مع وجود كثير من المياه المحبوسة في الجليد، كانت مستويات سطح البحر حول العالم أقل بكثير مما هي عليه اليوم.
من المحتمل أن أسلاف قبيلة الحراس وصلوا إلى منازلهم على الجزيرة سيراً على الأقدام، ومن الممكن أيضاً أن يكونوا قد وصلوا إلى الجزيرة باستخدام الزوارق. على أي حال، بمجرد ارتفاع مستوى سطح البحر مرة أخرى، أصبح هؤلاء معزولين تماماً عن بقية العالم.
منذ نحو ألف عام، عثر المسافرون الصينيون والعرب على الجزيرة وحاولوا دخولها، لكنهم قوبلوا بمقاومة شرسة، إذ رماهم سكان الجزيرة بالسهام والرماح.
في وقت لاحق، وصف المسافرون أفراد هذه القبيلة بأنهم “بطول 3 أقدام، ولديهم أجساد بشرية ومناقير الطيور”. كما وصفهم المستكشف ماركو بولو بقوله: “إنهم قوم عنيفون وقساة، يبدو أنهم يأكلون كل من يمسكون به”.
ابتداءً من القرن الثامن عشر حاول المبشرون المسيحيون الوصول إلى الجزيرة لنشر المسيحية هناك، ولكن محاولاتهم قوبلت بالفشل.
وفي منتصف القرن التاسع عشر، تمكن البريطانيون من إنشاء مستعمرة في جزيرة جنوب أندامان المجاورة، ووضعوا جزيرة سينتينيل نصب أعينهم، لكنهم كذلك لم يتمكنوا من تحويل سكان الجزيرة عن عاداتهم.
وفي عام 1967 وضعت السلطات الهندية خططاً للقيام بسلسلة من الزيارات لمحاولة إقامة علاقات ودية مع سكان الجزيرة، عن طريق تقديم الهدايا والعطايا لهم. ومع ذلك، انتهت هذه اللقاءات الودية أيضاً بالفشل، فعلى الرغم من سخاء الحكومة الهندية، استمرت القبيلة في المقاومة؛ مما أسفر عن مقتل العديد من الأشخاص خلال هذه المحاولات.
جريمة قتل دون عقاب
وفي عام 2004، ضرب منطقة جنوب شرقي آسيا بأكملها تسونامي هائل تسبب في أضرار جسيمة وقتل عشرات الآلاف، في أعقاب الكارثة اتخذت الحكومة الهندية القرار الحكيم بترك سكان الجزيرة وشأنهم.
لكن عاد سكان القبيلة ليكونوا مركز اهتمام مجدداً في عام 2006، عندما أفادت وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم بمقتل صيادين هنديين انجرف قاربهم بطريق الخطأ إلى شاطئ جزيرة نورث سينتينيل حيث قتلهم سكان الجزيرة باستخدام الفؤوس.
تم إرسال مروحية إلى الجزيرة من أجل انتشال الجثث، لكنها قوبلت بسهام سكان الجزيرة، مما أجبر الطاقم على العودة من دون الجثث.
شهد هذا الحادث الاستثنائي انقساماً في الرأي بين أسرتي الضحيتين. فقد ضغط أقارب أحد الصيادين المقتولين على السلطات لتحقيق العدالة. ومع ذلك، كانت الحكومة الهندية تدرك الوضع الخاص لهذه القبيلة، وتتعرض للضغط من المنظمات الدولية التي تؤكد أهمية الحفاظ على آخر الأفراد المتبقين من العصر الجليدي. أما عائلة الصياد الآخر فقد صرحت بأن الفقيد كان يخالف القوانين بالصيد في تلك الجزيرة، وتفهمت موقف سكان الجزيرة الذين يعيشون في خوف دائم من الصيادين والمتطفلين الآخرين، وكانوا يدافعون عن أنفسهم بالطريقة الوحيدة التي يعرفونها.