74 عاماً للنكبة: فلسطين ما زالت حاضرة دوماً في وجه الغزاة
تحضر فلسطين كلها، منذ أن جرى احتلالها عام 1948، مؤكدة عصيانها على الاندثار، وهي تشق عصا الطاعة في كل لحظة من عمر الاحتلال الإسرائيلي، بمقاومة لا تلين لها قناة طوال ثلاثة أرباع القرن.
وكأنّما كان استشهاد الزميلة شيرين أبو عاقلة لحظة قالت فيها فلسطين إنها لا تعرف ولا تعترف بالقسمة والتشظي، وهو ما يعد رسالة لوحدة وطنية جسدتها، حيث مثل اغتيالها علامة فارقة في سعي الفلسطينيين إلى سحر الرمز الوطني العابر للتقسيمات السياسية.
ففي مؤلفه الموسوم بـ”موسوعة المصطلحات والمفاهيم الفلسطينية”، يلفت الدكتور محمد اشتية إلى أنه على الرغم من أن مصطلح النكبة يعني لغوياً “المصيبة أو الكارثة”، إلا أنه في الوضع الفلسطيني يعبر عن هول الصدمة من الهزيمة العربية أمام عصابات الاحتلال عام 1948 وما تبعها من وقائع حددت مصير الشعب الفلسطيني، وأدت إلى انهيار واضح وتفكك في تركيبته الاجتماعية وفقدانه الهوية الخاصة، وذلك من خلال تهجير ما يقارب مليون لاجئ إلى الدول العربية والضفة الغربية وقطاع غزة، وتدمير 418 قرية فلسطينية وما رافقه من ارتكاب للمجازر الوحشية وعمليات القتل والترهيب من قبل العصابات الإسرائيلية.
أمّا الكاتب إيلان بابيه، فقد كشف في مقال بعنوان “التطهير العرقي لفلسطين عام 1948″ عن الخطة التنفيذية للقادة الإسرائيليين الذين نفذوا مشروع الغزو، وشملت الطرد المنهجي لأكثر من نصف عدد الفلسطينيين من ديارهم، وعززت السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، وفقا لما جاء في دراسة صادرة عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية الصادرة في عام 2020 بعنوان النكبة 1948: التطهير العرقي للمُدن، البلدات والقرى.
ووفق احصائية فلسطينية رسمية، فإن عـدد الفلسطينيين في العالم، بلغ أواخر 2021 نحو 14 مليونا، منهم 5.3 مليون يقيمون فـي فلسطين بما نسبته 37.8 بالمئة من إجمالي عدد الفلسطينيين في العالم، ونحو 1.7 مليون فلسطيني في أراضي 1948 بنسبة 12.0 بالمئة، بينما بلغ عدد الفلسطينيين في الدول العربية 6.3 مليون فلسطيني بنسبة بلغت 44.9 بالمئة، في حين بلغ عدد الفلسطينيين في الدول الأجنبية نحو 749 ألفاً بما نسبته 5.3 بالمئة من إجمالي عدد الفلسطينيين في العالم.
وتوقع الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن يتساوى عدد الفلسطينيين والإسرائيليين مع نهاية العام الحالي، على أرض فلسطين المحتلة، بنحو 7.1 مليون لكل منهم.
ويؤكد خبراء في شؤون الصراع العربي الاسرائيلي في ذكرى النكبة التي تصادف يوم غد الأحد، أن استمرار الشعب الفلسطيني وخصوصا الشباب في المقاومة والإيمان بعدالة قضيته وبالأمل، جنّب الهوية الفلسطينية من أن تتحول إلى هوية منكوبة ترتكز فقط إلى الضحية والحرمان.
ويعتبرون أن قدر الهوية الفلسطينية أن تتعايش مع التحديات والمنعطفات التاريخية خلال عقود طويلة، وأن تصمد أمام كل ما شهده التاريخ الفلسطيني الحديث من انعطافات وأزمات سياسية تاريخية .
ويلفت الخبراء إلى أن الأردن دائما من أكثر الدول العربية تأثرا بالقضية الفلسطينية وتطوراتها المختلفة، ودوره الوطني والإنساني في إيواء اللاجئين وتوفير الملجأ الآمن، ذلك أن نحو نصف اللاجئين المسجلين في وكالة الغوث الدولية (الأونروا) اتخذوا من الأردن مقرا لهم.
ويقول مدير عام دائرة الشؤون الفلسطينية المهندس رفيق خرفان، إن ذكرى النكبة لحظة لاستحضار البطولات والتضحيات التي بذلت من أجل مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وبسالة الشعب الفلسطيني الذي لا يزال يتصدى للاحتلال مستمرا دفاعا عن أرضه، وهنا يحضر الشهداء البواسل الذين قضوا في سبيل وطنهم وقضيتهم متمسكين بحقهم في العودة.
ويضيف: في هذه المناسبة، نؤكد تمسكنا جميعنا في الأردن قيادة وحكومة وشعبا بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة والثابتة بالتحرر والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وحق العودة، ونرفض تقديم أية تنازلات تمس هذه الحقوق.
ويشير إلى موقف جلالة الملك الثابت من القضية الفلسطينية وحل الدولتين وقضية اللاجئين الفلسطينيين و”الأونروا” كشاهد على قضيتهم وتمسك الأردن بولاية “الأونروا” واستمرار عملها لحين ايجاد حل لقضيتهم، وفقا لقرارات الشرعية الدولية وعلى رأسها قرار رقم 194.
ويقول خرفان: نرفض محاولات الاحتلال تغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس، مبينا الموقف المشرف لجلالة الملك من القضية الفلسطينية في المحافل الدولية كافة ودعم جلالته المتواصل للقدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية وهي محط أنظار واهتمام ورعاية ملكية سامية وكانت وستبقى في قلب ووجدان جلالة الملك مثلما هي على الدوام في قلوب الهاشميين، انطلاقا من الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس.
ويقول رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة مؤتة الدكتور رضوان المجالي، إن الجنوح الإسرائيلي للقمع المفرط مردُّه، أنها لا تستطيع تغيير الحقائق التاريخية الماثلة للعيان، ويضيف أن الأردن ما يزال الدولة العربية الأكثر دعما لحقوق الشعب الفلسطيني، والأكثر دعوة إلى حماية المقدسات الاسلامية والمسيحية في مدينة القدس المحتلة.
ويبيّن أن القضية الفلسطينية حاضرة في لقاءات جلالة الملك عبدالله الثاني في المحافل العربية والدولية، وقد ركّز جلالته في أكثر من لقاء على أن الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط يعتمد بشكل كبير على حل الصراع العربي الإسرائيلي، والعودة الى مفهوم حل الدولتين، وضرورة عودة أطراف الصراع إلى طاولة المفاوضات، والذي سينعكس بشكل كبير على استقرار منطقة الشرق الأوسط.
ويوضح المجالي أن المقاوم الفلسطيني يعبر عن حقه في استعادة أرضه وحقوقه، ومثاله عندما انتفض أهالي حي الشيخ جراح، الذين قدموا نموذجا حقيقيا للمواطن العربي الفلسطيني الصامد لرفض سياسات التهويد الإسرائيلي لمدينة القدس.
ويشير إلى أن إسرائيل تحاول أن تنزع الصفتين الديموغرافية والجغرافية لمدينة القدس، بحيث تحولها إلى مدينة يهودية، لكن يأبى المواطن الحر العربي الفلسطيني إلا أن يؤكد هوية المدينة والكرامة الفلسطينية والعربية لمدينة القدس.
ويستطرد حديثه قائلا: إن هناك عنصرا مستجدّاً في الصراع، وهو الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 الذي بات يلقي بثقله في الصراع لنصرة القضية الفلسطينية”.
ويلفت المجالي إلى أن ما يحدث الآن في جنين وما ترتكبه إسرائيل من جرائم بحق الشعب الفلسطيني واستشهاد الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، يدل على أن العقلية الإسرائيلية لم تتغير بل زادت تطرفا في علاقتها تجاه الفلسطينيين.
ويرى أمين سر اللجنة العليا للدفاع عن حق العودة / الأردن محمد حمو، أن طرد الفلسطينيين من ديارهم لعام 1948 يعتبر جريمة حرب حسب ميثاق روما عام 1998الذي نشأت بموجبه محكمة الجرائم الدولية، وحسب الميثاق، فإن استيطان مواطني الدولة المحتلة في الأراضي المحتلة هو جريمة حرب، ويتعرض للمساءلة في محكمة الجرائم الدولية المستوطنون أنفسهم وحكومة الاحتلال (دولة الاحتلال) وجيشها ومن مكنهم من ذلك، وكذلك من مول هذا الاستيطان أو دعا إليه.
ويبين حمو، إن تدريب العصابات المتطرفة والهجرة من كافة أنحاء العالم إلى فلسطين كان بمثابة مخطط من أجل ايجاد وطن قومي لليهود على حساب الشعب الفلسطيني.
ويستكمل حديثه قائلا:” لقد تنبّه الشعب الفلسطيني لهذه المؤامرة، وتصدى لها بالثورات والصدامات مع الاستعمار ومع العصابات الارهابية ولكن التسليح والتدريب الذي تلقته بمساعدة الاستعمار البريطاني الذي منح من خلال وعد بلفور المشؤوم لإقامة (دولة الاحتلال)، مكّنها من خلال المجازر والذبح والتنكيل بأبناء شعبنا الفلسطيني من احتلال الجزء الأكبر من أراضي الشعب الفلسطيني وتهجيره عام 1948 وتعتبر هذه العملية أكبر عملية تطهير عرقي خطط له في التاريخ الحديث وأقدم وأهم قضية لاجئين في العالم”.
ويضيف حمو: أن الشعب الفلسطيني يناضل من أجل انتزاع حقوقه الوطنية وعلى رأسها حق العودة الى الديار التي شردوا منها عام 1948 وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، لافتا إلى أن ذكرى النكبة تعود والشعب الفلسطيني يصعد أعمال المقاومة ضد الاحتلال في القدس (المسجد الاقصى) رفضاً للتقسيم الزماني والمكاني ورفضاً لكل أشكال التعسف والعنف والتهجير الذي يمارسه الاحتلال من خلال القتل الميداني وهدم المنازل والاستيلاء على الأرض وتجريف المزروعات والاعتقال اليومي وتغيير أسماء الأماكن بأسماء عبرية تزويراً للتاريخ والجغرافيا وللحقائق.
ويركز على أن الشعب العربي الفلسطيني الصامد والمرابط في المسجد الاقصى والشيخ جراح وفي كل مكان ما زال مصراً على المقاومة ومواجهة الاحتلال حتى العودة والتحرير.
ويشدد حمو على أنه من الضروري توفير الحماية الدولية للفلسطينيين بتطبيق قرارات الشرعية الدولية، مذكرا بالتصريحات اليمينية المتطرفة من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزرائه حول الوصاية الهاشمية على المسجد الاقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية.
أمّا أمين عام الحملة الاكاديمية الاردنية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني الدكتور محمد المصالحة، فيقول إنه على مدى العقود الماضية لم يتوقف الشعب الفلسطيني عن الكفاح بكل الوسائل من أجل استعادة وطنه وبلوغ الاستقلال.
ويضيف المصالحة وهو رئيس مركز الدراسات البرلمانية (داميا): لقد أصبحت القضية الفلسطينية منذ ذلك الحين بندا دائما على جدول أعمال المنظمات الدولية والاقليمية بما فيها الجامعة العربية ووقعت حروب شاملة أو محدودة، ولم تسفر عن تلبية الحقوق الفلسطينية بسبب التعنت والانكار الإسرائيلي لهذه الحقوق.
ويشير إلى أن غولدا مائير أنكرت وجود شعب عربي في فلسطين في الخمسينات وبقيت الأوضاع على حالها حتى عام 1964 حين شمر الفلسطينيون عن أذرعتهم ونظموا صفوفهم للنضال وبدعم عربي لإزالة آثار النكبة وعودة اللاجئين، وفقا لقرارات الأمم المتحدة دون جدوى بسبب رفض إسرائيل تنفيذها، مما أدى إلى حالة من الجمود، تزداد فيها اسرائيل انكارا أو غطرسة والفلسطينيون ثباتا على نضالهم بشتى السبل لنيل حقوقهم، والفصل الجديد من هذا الإنكار جاء حديثا على شكل رفض سلطات الاحتلال على لسان رئيس وزرائها، حقوق الفلسطينيين في القدس ومقدساتها، وهو ما يهدد بجر المنطقة إلى حروب لا تنتهي.
استاذ القانون الجنائي الدولي والباحث في الشأن الفلسطيني الدكتور محمد عبد الفتاح شتيه، يشير إلى أنه لا تزال سلطات الاحتلال الإسرائيلي مستمرة في انتهاكاتها الصارخة للمواثيق والاتفاقيات الدولية والقرارات الأممية الخاصة بالقضية الفلسطينية.
وقال إن هذه الانتهاكات مستمرة على مرأى ومسمع العالم أجمع، دون أن يحرك العالم ساكنا لوقف هذه الانتهاكات أو وضع حد لها أو ملاحقة ومعاقبة مرتكبي هذه الانتهاكات، وأولى هذه الانتهاكات انتهاك ميثاق الأمم المتحدة الذي يعتبر صلب القانون الدولي والأساسي في تنظيم العلاقات بين الأمم المختلفة والحفاظ على حقوق أفرادها، وفقا لشتيه.
وفي هذا السياق، يؤكد شتيه أن هذه الانتهاكات لميثاق الأمم المتحدة هي انتهاكات صارخة للقانون الدولي العام، ولاتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين الذين يجدون أنفسهم في ظل سلطة الاحتلال، والبروتوكول الإضافي الأول الملحق اتفاقيات “جنيف” لعام 1977 الذي يمثل تكملة للاتفاقية الرابعة، واتفاقية “جنيف” الثالثة الخاصة بحماية أسرى الحرب.
ويوضح شتيه أنه بالنظر إلى الوضع العام في الأراضي الفلسطينية، نجد أن جرائم القتل العمد والاعتداء على السلامة البدنية لأبناء الشعب الفلسطيني والحق في التنقل والحرية والوصول إلى المراكز الطبية وتلقي العلاج، والاعتداءات اليومية على الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، هي انتهاكات يومية ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وتمثل جرائم حرب، وفقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
(بترا – بشرى نيروخ)