هل يشهد ملف المياه تحولات ترفع كفاءة القطاع؟
تصب توجيهات جلالة الملك عبد الله الثاني للحكومة نحو وضع استراتيجية طويلة المدى لقطاع المياه في مصلحة النهوض بهذا الملف، فيما عانى عدم جدية الحكومات بدعمه لسنوات طوال.
وفي الوقت الذي غابت فيه أولوية التركيز الرسمي على رفع كفاءة قطاع المياه وتم التقليل من أهمية نصبه على رأس هرم تحقيق الأمن الوطني، تصدرت ضرورة استخدام التكنولوجيا للتصدي لتحديات المياه، والاستعانة بالخبرات المحلية والدولية في القطاع لاعتماد أساليب توفير المياه وإنشاء السدود الترابية، خطاب جلالة الملك مؤخرا وخلال ترؤسه اجتماعاً لمجلس السياسات الوطني.
وأكد جلالته، خلال الاجتماع الذي حضره سمو الأمير فيصل بن الحسين، مستشار جلالة الملك، رئيس مجلس السياسات الوطني، أن إجراءات تحديد كمية الفاقد من المياه ومعالجة ذلك يجب أن تكون جزءا من الاستراتيجية الشاملة.
ومن هذا المنطلق، أشار جلالة الملك إلى ضرورة العمل على مشاريع لمعالجة المياه وإعادة استخدامها لغايات الصناعة والزراعة، لافتا إلى إمكانية الاستفادة من التمويل الدولي المتوفر لمواجهة أثر التغير المناخي على قطاع المياه.
وعقب مرور سنوات من تهميش قطاع المياه على أجندات الأولويات الوطنية، باتت الحاجة ملحّة لإعادة إنعاشه، في وقت فرضت تحدياته الجسيمة واقعها الحالي، من انخفاض لمخزون المياه في السدود وجفاف بعضها، إضافة لانعكاس عوامل أخرى مثل تذبذب الهطول المطري، وزيادة المساحات الجافة، وارتفاع درجات الحرارة ومعدلات التبخر العالية واستنزاف المياه الجوفية، على جميع القطاعات الأخرى.
وفي ضوء الأزمات الإنسانية والأمنية في المنطقة وتعقيداتها الناجمة عن النزاعات في الدول المجاورة والمنطقة، تفاقمت أزمة شح المياه وزيادة الطلب عليها، بسبب تدفق اللاجئين السوريين وغيرهم على المملكة.
ونبهت مؤشرات خطاب جلالة الملك إلى أهمية إيلاء ثلاثة عناصر أساسية في ملف المياه الأهمية القصوى، وفق الخبيرة الإقليمية في إدارة جودة المياه سوزان الكيلاني التي أكدت لـ”الغد”، أن توجيهات جلالته انصبت على ضرورة الاستفادة من الخبرات البشرية المؤهلة المتوفرة، والتي لا تقتصر فقط على كادر الوزارة من الداخل إنما من خارجها أيضا، إلى جانب قضية إدارة فواقد المياه، والتركيز على الحفاظ على المياه السطحية عبر الحصاد المائي.
وقالت الكيلاني “إن خطاب جلالته للنهوض بهذا القطاع، أكد أهمية تطوير واستخدام التكنولوجيا الحديثة في رفع كفاءة المياه، توازيا والاستعانة بالقدرات والخبرات البشرية المؤهلة لاستدراك واقتراح الحلول لمواجهة هذا الواقع”.
وتسعى وزارة المياه، في ضوء المعطيات السابقة، إلى منهجية تشاركية بالتنسيق مع المعنيين لإعداد خطة منهجية لإدارة الأزمات والمخاطر في قطاع المياه، وبما ينعكس إيجابا على المواطنين واللاجئين السوريين المتأثرين بالأزمة.
وأكدت استراتيجية المياه الوطنية، أهمية الجاهزية والاستجابة للمخاطر الطبيعية مثل الظروف الجوية الاستثنائية والفيضانات وارتفاع درجات الحرارة، إضافة للنزاعات الداخلية والخارجية.
وكان مختصون في مجال المياه والمناخ حذروا من عدم الأخذ بنتائج دراسة إحصائية حول ظاهرة التغير المناخي وأثرها السلبي على الأردن، على “محمل الجد”، منبهين من انعكاساتها الخطيرة على “انخفاض” الهطول المطري وارتفاع درجات الحرارة حتى العام 2050 على أقل تقدير.
وأكد الخبراء، في هذا المجال، أهمية النتائج التي خلصت إليها دراسة أجرتها مؤخرا وزارة المياه والري بالتعاون مع جامعة ستانفورد الأميركية، وبعض معاهد البحث العلمي الألمانية حول التغير المناخي وانعكاساته على انخفاض هطول الأمطار والتقلبات المناخية في الأردن، لاسيما وأنها اتسقت مع نتائج التقارير السنوية للهيئة الحكومية للتغير المناخي حول طبيعة التغير في حوض شرق المتوسط.
وبينت الدراسة أن الأردن، الذي يقع ضمن المنطقة المناخية لحوض المتوسط، يمتاز بأنه حار وجاف صيفاً وشتاؤه قصير نسبيا، مشيرة إلى أن المنطقة ستتأثر بظاهرة التغير المناخي وستواجه ازديادا بدرجات الحرارة وتغيرا في أنماط الهطول المطري.
وأوضحت الدراسة ذاتها أن معدلات الهطول في البادية الشرقية، التي تشكل 90 % من مساحة الأردن، يتراوح بين 50 و100 ملم/ العام.
وتأتي توجيهات جلالته لضرورة منح قطاع المياه الأهمية والأولوية اللازمتين وضمن استراتيجية طويلة المدى لقطاع المياه وعلى رؤية واضحة، وسط مضي الحكومة، ممثلة بوزارة المياه والري، بمحاولات تسريع وتيرة خطوات تنفيذ مشروع تحلية مياه البحر الأحمر في العقبة.
ومن المتوقع الانتهاء من مشروع الناقل الوطني منتصف العام 2026؛ حيث تم تأهيل 5 شركات لغايات طرح العطاء والمباشرة بتنفيذ المشروع الذي سينتج عنه 300 مليون متر مكعب من المياه سنويا.
ويبدو أن مخاوف الجفاف الناجم عن التغير المناخي، باتت انعكاساته واضحة على المملكة، إزاء انحباس الأمطار لفترات غير معهودة، وارتفاع درجات الحرارة.
عموما، فإن قطاع المياه، هو الأكثر أولوية والأشد ارتباطا بمختلف القطاعات الأخرى كالزراعة والطاقة والبيئة، تواجهه تحديات متراكمة نتيجة عدم تصنيفه بين الأولويات الوطنية مؤخرا، ما يثير تساؤلات عدة حول إمكانية النهوض بالقطاع إداريا، وتأمين مستقبل المياه للأجيال الأردنية المقبلة، وتلبية احتياجاتها للشرب.
ووفق تقييم خبراء ومختصين، في وقت سابق، إضافة لتقارير متخصصة بشأن المياه، فإن إعادة بناء قطاع المياه ورفع كفاءة إداراته أضحت أمرا حتميا، نتيجة اضمحلال الكفاءات والخبرات، محذرين من مخاطر انعكاس تداعيات إغفالها.
وتوقع وزير المياه والري محمد النجار، في تصريحات سابقة، أن يبلغ الطلب على مياه الشرب في العام 2022، نحو 555 مليون متربع مكعب، فيما لا يتجاوز المتاح 510 ملايين متر مكعب.
وأعدت وزارة المياه خطة لتغطية حاجات مياه الشرب خلال الصيف المقبل، حيث تتضمن الخطط زيادة كميات الضخ من مياه الديسي من 12 إلى 14 مليون متر مكعب، وحفر آبار في مناطق متعددة منها، مناطق البازلت وحسبان وسواقة والحلابات، وذلك لتأمين كميات أخرى من المياه تقدر بـ10 ملايين متر مكعب، وفق النجار.
كما سيتم تحويل كميات من مياه قناة الملك عبدالله إلى الشمال ومن ثم نقلها من الشمال إلى عمان، علما أن هذه الإجراءات ستؤدي إلى زيادة كمية المياه المتاحة صيف العام المقبل، بحيث تتجاوز ما كانت عليه هذا العام، ضمن المساعي التي تبذلها الوزارة للوصول إلى صيف آمن فيما يتعلق بمياه الشرب.
وأوقفت الوزارة تسييل سد الوحدة، للحفاظ على كمية من مياهه لغايات الزراعة، وذلك لإعطاء المزارعين حقهم.
إلى جانب تعزيز الخطة الأمنية المشتركة للتعامل مع الاعتداءات على مصادر المياه، والتي تتضمن آليات إزالة الاعتداءات التي تؤثر بشكل مباشر على تزويد المواطنين بمياه الشرب، وعلى تعبئة السدود، وضبط المخالفات البيئية والصهاريج التي تقوم بتعبئة المياه غير الصالحة للشرب وإغلاق وردم الآبار المخالفة التي تبيع المياه الجوفية، وفق النجار.
وقال إن الوضع المائي الحالي في الأردن يشكل قلقاً بالنسبة للكميات المتاحة للزراعة، متوقعا أن يتحسن هذا الوضع العام المقبل.الغد