المساكنة في سوريا .. خيار الضّرورة والتّمرد والتّجربة

“أنا والياس مرتبطان بعلاقة عاطفية منذ خمسة أعوام، تحديداً بعدما عرفته عقب رحيلي إلى دمشق قبل ستة أعوام، جئت الى دمشق قادمةً من حلب، أنتمي هناك الى بيئة ليست مغلقة بالمعنى التام، لكن في بيئة محافظة ليس هناك مكان للأخطاء والتمرد فيها، خضعت لخيار الضرورة ووضعت أهلي تحت ضغط الأمر الواقع، لا عمل في حلب، وحظيت بفرصة عمل ذهبية في دمشق”، بسخرية واضحة تقول مها (32 عاماً)، وهو اسم مستعار لفتاة حلبية، إنّ دخلها الجديد بالدولار هو من أقنع أهلها بهجران حلب، عاصمة الشمال، “ولكن بالتأكيد لو عرف أهلي أني أسكن مع الياس في بيت واحد لشربوا من دمي، هم يعرفون أني أقطن مع زميلاتي في العمل”.

مها قررت التمرد، ولكن أي تمرد؟ تمرد في مجتمع متزمت ما يبدو فيه تمرداً هو سمة حياة في مجتمعات أخرى، وبالضرورة لم يكن قرار الياس ومها بهذه السهولة، فالأمر مرتبط بمخاطر جمة، وعليه أن يكتسب صفة السرية إلا للمقربين، لا سيما أنّ الفتاة المسلمة قد تواجه ضغطاً إضافياً مضاعفاً لعاملين، إسلامها وهويتها الأنثوية، وكذا، قد تصل الأمور إلى اتهامها وحبيبها بالتزاني، وهو ما يفتح الأمر على احتمالات خطرة تعصف بعلاقتهما وتهدد جذورها.

يعتقد الياس (36 عاماً) أنّ مساكنته وصديقته ليست إلا حالةً موقتةً ستنتهي بسفرهما خارج سوريا والزواج لاحقاً، “كل السبل معدومة ومغلقة أمامنا، لذا نحن قررنا السفر فعلاً، وهذا ما سيحصل في وقت قريب جداً”.

حياة تشاركيّة

يتقاسم مازن وريم أجرة منزلهما الصغير في حي الشعلان الدمشقي، كما يتقاسمان ثمن الطعام والشراب والتصليحات حتى، فضلاً عن ثمن الأثاث وفواتير الماء والكهرباء والإنترنت، يصف الشابان حياتهما بالتشاركية التامة في مختلف جوانبها، وبكل ما تعنيه كلمة تشارك من معنى بحسب وصفهما، إلا أنّ هذا السكن يفتقر الى عقد الزواج، “ماذا تعني ورقة زواج؟ هل تساوي الحبر الذي كتبت عليه؟ نعم لقد اكتشفنا بعضنا بعضاً جنسياً وحياتياً وسلوكياً، ولكن من دون عقد زواج وحفل وشهود وما إلى ذلك من الكلام الذي اتفقنا أنا ومازن على أنّه لا يقدم ولا يؤخر”، تقول ريم ذات الثلاثين عاماً، ويوافقها مازن رأيها الى حدّ التطابق.

“لماذا لا نجرب؟ ما العيب؟”، يقول مازن الذي يؤكد أنّ تجربة السكن مع فتاة قد تصبح زوجته هو أمر ضروري قبل الزواج، “ماذا لو لم نتفاهم؟ لو اتضح أنّ سلوكياتنا متناقضة للغاية، ثم ماذا بخصوص أن نكون قريبين ومتلاصقين؟ هذا الأمر لا يعيبنا، ما يعيبنا في هذا المجتمع هو كل تلك الدعارة التي تحصل تحت عباءات متعددة من دون حسيب أو رقيب، نحن لا نزني، نحن فقط نتشارك الحياة التي نريد، بعيداً من قيود المؤسسة الزوجية ومشكلاتها وأغلالها”.

اكتشاف التّفاصيل
تضحك ميرنا وهي تتحدث عن صوت شخير سامر في الليل “لو كنا متزوجين وتفاجأت بشخيره لكنت طلقته، ولكن لا بأس، كان لا بد من أن نسكن في بيت واحد، كان علينا أن ندرك طبائع بعضنا بعضاً وعاداتنا، بداية من طريقة تناول الشراب والطعام، وصولاً إلى التفهم وإدراك طبيعة تفكير الآخر، مروراً بالتفاصيل التي يعيشها المتزوجون”.

ترى ميرنا أنّه لولا المساكنة لما كانت أتيحت لها معرفة طبائع سامر، “كيف كنت سأعرف كل هذه الأشياء المتعلقة به إذا كنا نلتقي لبضع ساعات في الأسبوع فقط، لذا كان لا بد من أن نسكن معاً، وهذا السكن قد يكون تمهيداً للزواج في حالات كثيرة، وربما حماية من فكرة طلاق محتملة نظراً الى اختلاف الثقافة والعادات، وحقيقة نحن مقبلون على فكرة الزواج الحقيقي مطلع العام المقبل، ولكن هذا لا يعني أنّنا الآن نسكن معاً ونعلن الأمر للناس، فالأمر فيه ما فيه من الاتهام والعيب والنبذ من فئة سطحية، ولكنها طاغية”.

المساكنة لأجل التشارك
رصد “النهار العربي” العديد من حالات المساكنة بغير هدف الحب أو الزواج، وإنما تكون بهدف تشارك طرفين أعباء الحياة، على أن يتعامل كل طرف مع شؤون الآخر بكثير من الاحترام والخصوصية، تقتضي عدم التدخل وتخطي الحدود مع الآخر، انطلاقاً من كون المساكنة هذه هي تشارك تحت مسمى الصداقة وليس بهدف اكتشاف الآخر بأي شكل من الأشكال.

“نستيقظ صباحاً في التوقيت نفسه تقريباً، نفطر سوياً، ثم يتجه كل منا الى عمله، لا نضايق ولا نضيق على بعضنا بعضاً إطلاقاً، يتزامن وجودنا في كثير من الأحيان معاً في المنزل، قد نشرب الشاي ونتحدث ونضحك وأحياناً نحضر تلفزيون سوية، ولكن من دون أن يلمس أي أحد منا الآخر، وإلا لصار الأمر انتهاكاً وتحرشاً، وكلانا، أنا وماهر، متفقان للغاية في هذا الشأن، وكذلك نتبادل الآراء حول ضيوفنا، علينا، أنا وهو، أن نكون مرتاحين لزوار منزلنا، وهم قلائل جداً وموثوقون”.

تقول لمى عن تجربتها مع المساكنة وتتحدث عن مشكلات تحدث بصورة طبيعية داخل المنزل. “مرةً كنت مسافرة ورجعت الى المنزل فوجدت فتاةً لدى ماهر، تعاملت بهدوء لجملة أسباب، أبرزها أنّنا غير مرتبطين، ولكنه خرق اتفاقنا بألّا يكون هناك أي شيء غير مرغوب فيه داخل المنزل، لاحقاً تحادثنا وأعدنا إحياء اتفاقنا حول الضيوف، وفعلاً مذاك الوقت لم ألحظ شيئاً غريباً”، تؤكد لمى أنّها لا تهدف الى محاصرة شريكها، بيد أنّ الشراكة بحدّ عينها التزام أخلاقي مبني على شروط يجب ألا تخترق.

اذبحها
“اذبحها” هي كلمة كثيراً ما سمعها “النهار العربي” خلال بحثه في موضوع المساكنة، حقيقةً نعم هناك شريحة مستعدة لذبح أولادها إذا علموا أنّهم مساكنون لجنس آخر في منزل واحد.

الخبير في علم النفس التربوي سمعان وحود تحدث الى “النهار العربي” عن رفض المجتمع للفكرة من أساسها، “نحن في مجتمع مغلق، وهذا الانغلاق هو حصيلة سنين تراكمية جعلت من الأنثى مع الوقت موضع تسليع وإتجار، وضمن ظروف الانغلاق عينها تلعب البيئة والتربية والدين والتابوهات والمسلمات والمحاذير والمحظورات عوامل تثقل ظهر الإنسان، والأمر عينه ينسحب على الشبان أيضاً، وهذا ما يفسر في مكان ما انتشار الجريمة والجنس على شكل الدعارة بصورة مبالغ بها، وهي صور من انعكاس الانغلاق الذي يؤدي إلى التفلت السلبي يوحي بأنّ المجتمع بكلّه قد صار في الحضيض، فالحرب في سوريا عرّت القيم الإنسانية والأخلاقية، وضربت بالمفاهيم التحررية عرض الحائط. وبغض النظر عن ذلك، فإنّ المشكلة الأولى والأخيرة هي التخلف والتربية غير السليمة، وانعدام التوعية والغفران دائماً للمتحرش الذي ذنبه مغفور، لأنّ المتحرش بها هي التي تحمل ذنب إغواء الجاهل والمعقد”.

في القانون
لم يأت المشرع على ذكر موضوع المساكنة بصورة مباشرة وعبر مواد قانونية واضحة وصريحة، تتعلق بإقامة رجل وامرأة تحت سقف واحد من دون عقد زواج، وما يرتبط بذلك من إقامة علاقة جنسية.

لم يسمح القانون بالمساكنة، بالقدر نفسه الذي لم يرفضها فيه، إذ إنّ قانون العقوبات السوري في نصه يضمن الحقوق الشخصية المصانة بالدستور، ومنها الحرية الجنسية للرجل والمرأة، ولكن في مكان ما يمكن للقانون أن ينظر للمساكنة على أنها علاقة زنا محكومة بالحساب القانوني كجنحة مخلة بالآداب.

بحسب المادة 473 من قانون العقوبات السوري، تعاقب المرأة الزانية بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين، ويقضى بالعقوبة نفسها على شريك الزانية إذا كان متزوجاً، وإلا فالحبس من شهر إلى سنة.

وتالياً، ليس هناك في القانون السوري مادة تذكر صراحةً اسم المساكنة، لكن هناك عقود زواج “برانية” تعتبر نوعاً من أنواع المساكنة والعرف يقرها، لذا، ليس هناك أي مادة تمنع أو تعاقب المساكنة بين اثنين دون زواج شرعي.

يقول المحامي حمدان نصار لـ”النهار العربي”، إنّ المساكنة يمكن اعتبارها جرم زنا، فقط إذا تم الإبلاغ عنها مع دلائل وإثبات بادعاء رسمي للجهة الشرطية – القضائية المعنية التي تقوم بدورها باستدعاء الطرفين ليصار الى النظر في أسباب الادعاء.

“بحسب القانون، فإنّه في حال التبليغ عن الشاب والفتاة من قبل غيرهم والقبض عليهما خلال العلاقة الجنسية، يعاقبهما القانون بالحبس، أما في حالة القبض عليهما بسبب وجودهما في المنزل نفسه من دون ممارسة الجنس في الوضع المشهود، فلا يحق للقاضي الناظر بالأمر ومحاسبتهما، لأن من الممكن أن تربطهما علاقة عمل أو صداقة أو زمالة أو أي علاقة لا تقتضي أن يكون الجنس من ضروراتها”.

(النهار العربي – طارق علي)

زر الذهاب إلى الأعلى