مليون قطعة سلاح في الأردن
فرح ساعة قد ينقلب مأساة عند آخرين إلى طول العمر، هذا ما حدث مع إحدى الفتيات التي فقدت عينها وما زالت تعاني جراء إصابتها بعيار ناري طائش، فرَّ مطلقه من فعلته ولم يَعلم أن عياره قد استقر في عين تلك الفتاة، ورغم تكرر المشهد في أكثر من مكان إلا أن ذلك لم يردع مقتني السلاح من إطلاق العيارات النارية عند كل مناسبة اجتماعية، بيد أن من لهم تجارب يؤكدون سهولة الحصول على السلاح مع انتشاره الكثيف وانخفاض سعره.
عيار طائش وقصة عزيمة وإصرار:
من خلال معاناتها جراء ظاهرة إطلاق العيارات النارية ناشدت رئيسة جمعية “نغم الحياة” للحد من إطلاق العيارات النارية، نغم المواجدة جميع أطياف المجتمع للتكاتف من أجل القضاء على ظاهرة إطلاق العيارات النارية لما سببت وما زالت تسبب من مخاطر.
قالت المواجدة إنها تعرضت لعيار طائش عام 2013 أطلق خلال مناسبة اجتماعية وهي في عمر الـ11 عاما، ما أفقدها عينها اليمنى، واستبدالها بعين زجاجية، تسبب الحادث بتبعات نفسية شديدة أدى إلى حاجة نغم لعلاج نفسي لمدة تقارب ٤ سنوات.
تصف المواجدة معاناتها بعد الحادث بالأمر الصعب سيما مرحلة استئصال العين الأمر الذي تطلب نحو 40 يوما بعد إجراء عملية الاستئصال، لتركيب عين صناعية (زجاجية) ولكنها تجاوزت ذلك بكل قوة بمساعدة طبيبها.
تعتبر المواجدة أصغر رئيس جمعية في الأردن، ونبعت فكرة جمعيتها “نغم الحياة” من رحم المعاناة، حيث قامت الجمعية بمعالجة ثلاث حالات مصابة بإطلاق عيارات نارية منذ تأسيسها عام 2018، وتهدف إلى إنشاء مجمع طبي للأشخاص المتضررين من هذه الظاهرة، إضافة إلى توعية المجتمع بمخاطرها، والمطالبة بتغليظ العقوبات على مطلقي العيارات النارية، وتحظى بدعم من مديرية الأمن العام والمجتمع.
أسعار الأسلحة:
أحد تجار السلاح السابقين والذي رفض ذكر اسمه، قال إن أسعار السلاح غير المرخص في الأردن مختلفة، والحصول على قطعة سلاح في بعض المناطق أمر ليس بالصعب مؤكداً أن الأحداث في دول الجوار ساهمت برفع عدد الأسلحة في الأردن.
وأضاف أن انواع الاسلحة المتداولة وأسعارها تعتمد بالذات على توافر الذخائر وجودة القطعة فبعض أسلحة البامبكشن تركية الصنع والتي هي مخصصة للصيد يتراوح ثمنها بين 150-250 دينارا ما ساهم في انتشارها رغم جودتها المنخفضة.
ومن ناحية أسعار الرشاشات الأوتوماتيكية أشار إلى أن ثمن الأسلحة الرشاشة المتداولة في السوق السوداء من طراز M16 الأمريكي الصنع يتراوح بين 2000-2500. وتسمى طلقته بالسوق السوداء بطلق M16 ويصل ثمن العيار الواحد ما يقارب نصف دينار، أما سلاح M4 أميركي الصنع فيتراوح سعره بين 4000-5000 أيضا، وذخيرته نفس ذخيرة M16.
يقول التاجر إن سلاح الكلاشنكوف العادي هو الأكثر انتشارا من الاسلحة الرشاشة في المجتمع، وينقسم إلى نوعين، الأول صيني الصنع ويتراوح ثمنه بين 800-1000 دينار، والاخر الروسي المنشأ الأصلي والمعروف أكثر، ويتراوح ثمنه بين 1700-2000 دينار، وتصل ثمن ذخيرته قرابة 2.5 دينار.
أما بالنسبة للمسدسات فتتراوح أسعارها بين 600 دينار و5000 دينار حسب النوع والصنع والعيار، فيما تتباين أسعار ذخيرتها بين 35 قرشا إلى نصف دينار.
ونفى التاجر ما يتم تداوله عن وجود أسلحة رشاشة ثقيلة مثل M60 أو M50 موضحاً أن هذه الأنواع لا يمكن للمواطن الأردني اقتناؤها أو تداولها كونها أسلحة خطيرة وثقيلة وتحتاج إلى أن تثبت على سيارات فهي أسلحة عسكرية أو أسلحة ميلشيات.
* نحو مليون سلاح غير مرخص في الأردن:
خبراء ومحللون أمنيون اتفقوا على ضرورة تغليظ العقوبة على كل فرد يطلق عيار ناري في مناسبة اجتماعية، لكنهم اختلفوا على سحب السلاح من الجميع دون استثناء، متوقعين وجود أكثر من مليون قطعة سلاح غير مرخص.
وزير الداخلية ومدير الأمن العام الأسبق مازن القاضي توقع وجود أكثر من مليون قطعة سلاح غير مرخص، مشيرا إلى أن ما تم تداوله مؤخرا في الفيديوهات أمر يثير القلق بعدما أظهر تنامي اقتناء السلاح لدى الشعب الأردني، ما يستدعي من الجهات المعنية أن تقف على هذه الظاهرة وتتعامل معها بحزم.
وقال القاضي إن الأوان قد حان لحصر عدد السلاح وترخيصه إذا كان يسمح القانون بذلك، مشدداً على ضرورة جمع السلاح وخاصة من أيدي الأفراد الذين لا يُقدرون قيمته، ومن يستخدمه بأساليب غير مشروعة.
يعتقد القاضي أن ازدياد عدد الأسلحة الموجودة في الأردن في الفترة الأخيرة كان سببه التوتر والأحداث وفوضى انتشار السلاح في دول الجوار، مما ساهم في تسهيل دخوله إلى الأردن عن طريق التهريب؛ ولذلك أصبحت تجارة السلاح رائجة محليا، إلا أنه وبعد استقرار الأحداث في دول الجوار وخروج المنظمات المسلحة منها شكل سببا رئيسا لتهريب السلاح للأردن.
وأضاف القاضي أن خطوط التهريب، والثغرات والأساليب ما زالت موجودة، مؤكدا أن المهربون ما زالوا يدخلون المخدرات، والأسلحة بطرق “غير مشروعة”، واصفاً تجارة المخدرات والسلاح بالمتلازمة مع بعضها البعض، قائلا: “من يقوم بتهريب السلاح يهرب ايضاً مخدرات، والمهرب دائما يتجه إلى الاستفادة المادية بغض النظر عن نوع المواد المهربة”.
ودعا القاضي إلى تغليظ العقوبات على كل من تسول له نفسه حمل وتجارة السلاح والذخائر وإلى تظافر جهود الأجهزة الاستخباراتية الأمنية والمواطنين معاً للحد من هذه الظاهرة مشيراً إلى أنه لا يمكن جمع كل قطع السلاح، ولكن يمكن التخفيف منها.
واستهجن القاضي المشاهد التي تم تداولها مؤخرا باستخدام الأسلحة الأوتوماتيكية وربطها بالفرح، ورفض القاضي ما يقال أن العشائر تحمي نفسها واصفاً ذلك بالرأي المعاكس، مضيفاً أن “الأردن دولة مؤسسات أمنية وعسكرية وهي من تحمينا”، وإذا كان هناك موجبات لحمل السلاح لبعض الأشخاص يجب دراستها، على أن يقوم القانون بتنظيمها ضمن بيانات ودراسات شاملة بالخصوص.
وطالب القاضي بالعمل على حملة توعوية، تحتاج إلى خطة على مستوى الوطن تشارك فيها جهات تستطيع إرسال رسالة للمواطنين سواء كانت بالتعاون مع وسائل الإعلام أو وزارة الأوقاف أو وزارة التربية والتعليم والنقابات، وكل الجهات الرسمية وغير الرسمية.
وشدد على حتمية العمل على خطط ودراسات قابلة للتطبيق على أرض الواقع، لتشارك الناس فيها، وتخلق تصورا لهذه الظاهرة السلبية ومدى خطورتها وأثارها على المجتمع.
وحول عودة هذه الظاهرة إلى المشهد العام بعد إعلان نتائج الانتخابات النيابية قال خبير علم الجريمة الدكتور عبدالله الدراوشة لـ عمون، إن المشاهد التي انتشرت مؤخراً كانت متوقعة، وتتكرر بعد نتائج أي انتخابات دائما واصفا إياها بالسلبية.
وأشار الدراوشة، إلى أنها موروث شعبي وتقليد بين الشباب يدل على العصبية القبلية الموجودة في المجتمع، وبحسب نظرية “التعلم الاجتماعي” فإن الشباب والأطفال يتعلمون هذه الظاهرة السلبية من خلال التجربة، والتقليد الأعمى بعيدا عن الوعي لمخاطرها.
واستهجن خبير علم الجريمة، استخدام ووجود الأسلحة الرشاشة الخطيرة لما لها من آثار سلبية على جميع أفراد المجتمع، مبينا أن مواقع التواصل الاجتماعي وانتشارها في الفترة الاخيرة ساهمت في نشر هذه الظاهرة وتهويلها ونشرها عبر الفضائيات على شكل عصابات ومليشيات، وهو أمر عارٍ عن الصحة، وغير موجود إطلاقاً في الأردن لافتا إلى أن الرسومات على السيارات هي أكبر دليل على حب المواطن للجيش ولأجهزته الأمنية.
ولفت الدراوشة إلى تجربة دول الخليج في الحد من ظاهرة إطلاق العيارات النارية في المناسبات الاجتماعية، حيث لديهم مراكز اختصاص تدرس واقع المجتمع وظروفه لسحب هذه الأسلحة بطرق منظمة، داعياً إلى سحب السلاح من المواطنين محليا بطريقة عملية وعلمية منظمة مع احترام العادات والتقاليد والقيم العشائرية.
وتوقع وجود أكثر من مليون قطعة سلاح غير مرخصة في الأردن من مختلف الأنواع، وموجودة في جميع مناطق المملكة دون استثناء.
واقترح على الحكومة إعطاء مهلة ستة أشهر إلى سنة لترخيص السلاح بغض النظر عن نوعه على أن لا يكون سلاحا رشاشا؛ لترخيص نحو 70% منه، مقترحا تعويض من يقتني السلاح الرشاش بضعف ثمنه.
وأشاد الدراوشة في الوقت نفسه بجهاز الأمن العام الأردني فبعد فترة معينة من تنظيم حيازته سيتوفر لدى الجهاز قاعدة بيانات لجميع أو أغلب قطع السلاح مما يساعد على تحديد مصدر أي عيار ناري يخرج من أي سلاح، مشددا على أن سلاح العشائر لم يوجه ولن يوجه تجاه رجال الأمن وظهوره دائما بالمناسبات أمر عشوائي ولم يكن مدروسا أو مخططا له.
وفي تعليق الدراوشة حول مقاطع الفيديو التي انتشرت من محافظة معان قال إن الأمر مُهَوَّل وصدر بشكل عفوي من أفراد، وربطه بموضوع الجريمة أمر غير منطقي كون محافظة معان تسجل أقل نسبة جريمة في المملكة بحسب الإحصائيات الأخيرة.
وأكد أن القيم والعادات والتقاليد تحارب هذه الظاهرة فالقانون المدني والعشائري يُنزل أشد العقوبات بمستخدمي السلاح بطرق غير مشروعة.
ومن ناحية مبررات اقتناء وحمل السلاح دعا الدراوشة الحكومة إلى إعادة النظر فيها، فمن يعيشون في مناطق البادية ويمتلكون المواشي والتي تعتبر مصدر دخل لهم، يستخدمون السلاح لحمايتها من المفترسات، فضلا عن أن ثمن المواشي يقدر بآلاف الدنانير ويستوجب حمايتها في الظروف التي تحكم عليهم العيش فيها.
وبخصوص انتشار السلاح في مناطق نائية وفقيرة، قال إن من يملك سلاحا رشاشا غالي الثمن لا يعتبر فقيرا إطلاقاً ودخول هذا السلاح عبر المعابر الحدودية أمر لا بد من إعادة دراسته والتشديد عليه ومعالجة الثغرات.
واقترح الدراوشة العمل على إنشاء مركز دراسات شامل بالتعاون مع مديرية الأمن العام بوجود باحثين متخصصين في العمل الاجتماعي وعلم الجريمة لمعرفة طريقة تفكير الشعب تجاه هذه الظاهرة ففي أي دراسة لفئة معينة ستظهر أفكار دفينة لم تكن معروفة مسبقاً مما يساعد على نشر الوعي فالشخص الواعي لا يمكن أن يرضى بهذه الظاهرة الخطيرة والسلبية.
مدير عام مؤسسة المواصفات والمقاييس السابق الدكتور حيدر الزبن قال: إن جميع ما يتم تداوله على مواقع التواصل من إطلاق عيارات نارية أمر مرفوض جملةً وتفصيلا، وتعتبر ظاهرة فردية تستدعي الوقوف عليها وردعها، ولا تمثل العشائر التي هي منذ تأسيس الأردن وهي تحمي تراب الأردن وقدمت ولا زالت تقدم في سبيل حمايته.
وأضاف الزبن أن توجيه التهم للعشائر من أشخاص لهم أجندات خارجية، وأصحاب أقلام مسمومة عبر مواقع التواصل الاجتماعي أمر عارٍ عن الصحة ومرفوض جملةً وتفصيلاً.
ودعا الزبن السلطات القضائية إلى تغليظ العقوبات بحق أي مخالف للقانون يسبب خطرا على أمن المجتمع دون أي محاباة أو تهاون، قائلا: “إن تطبيق القانون على المخالفين أمر سيردع كل من تسول له نفسه إطلاق العيارات النارية مستقبلا”، مشيراً إلى أن هذه المخالفات لا تسيء فقط للدولة المدنية بل تسيء للعشيرة أيضاً.
وبالنسبة للمطالبات بسحب السلاح استهجن الزبن الأمر، ووصفه بغير الطبيعي لما له من انعكاسات خطيرة على أمن الوطن فلا يجوز دخول بيوت الأردنين وجمع أسلحتهم، مؤكدا على ضرورة جمع السلاح من الأفراد الذين يستخدمونه في المناسبات تعبيراً عن الفرح والذين وصفهم بغير المستقيمين وتطغى على شخصيتهم العنجهية مؤكداً أن سلوكهم أمر سلبي وفردي ومرَضي، يحتاج للعلاج.
وأشار الزبن إلى أن بعض المناطق وبعض الحالات تتطلب اقتناء السلاح داخل البيوت، وبالتحديد في مناطق البادية لما لها من خصوصية، والهدف من اقتناء السلاح في هذه المناطق حماية ممتلكاتهم سواء كانت مزارع أو مواشي، من السطو أو من الحيوانات المفترسة.
وأضاف الزبن أن البدوي الواعي وبحكم عادته وتقليده لا يستخدم ولا يخرج السلاح في المناسبات الاجتماعية مهما كانت إلا للضرورة القصوى التي تحتم عليه ذلك.
وتوقع الزبن أن عدد الأسلحة غير المرخصة الموجودة في الأردن أقل من مليون قطعة. نقلا عن الزميلة “عمون”