حل الدولة الواحدة والهروب للأمام

د. موسى شتيوي

لقد تمكن اليمين الإسرائيلي المتطرف سياسيا ودينيا من تقويض أسس حل الدولتين وبات شبه متفق عليه أن حل الدولتين قد أصبح بعيد المنال. ترامب ومن خلال صفقة القرن والاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيل الأبدية ساهم في وضع المسمار الأخير في نعش حل الدولتين وتبنى رؤية اليمين الصهيوني في هذا المجال ومهد الأرضية لضم اراضي الضفة الغربية لإسرائيل.

إذ كان هناك تسليم بأن إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة على الأراضي المحتلة لم يعد ممكنا، فإن البحث عن خيارات وبدائل يصبح أمرا مشروعا وخاصة للحركة الوطنية الفلسطينية. الخيار الذي برز على السطح في الفترة الماضية من قبل بعض المفكرين العرب والفلسطينيين هو خيار “الدولة الواحدة” الديمقراطية” التي يعيش ويتمتع بها الفلسطينيون والإسرائيليون بحقوق متساوية.

الذين ينادون بهذا الخيار عربيا وفلسطينيا يقولون بأن هذا الحل ليس فقط كفيلا بحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وإنما سيؤدي على المدى البعيد ولأسباب ديموغرافية ان يعطي اليد الطولى للفلسطينيين عندما يصبحون الأغلبية وبالتالي سيتم وضع حد للحلم الصهيوني في إقامة الدولة اليهودية.

هذا الخيار يصطدم بمجموعة من الحقائق أهمها:

أولًا: لتحقيق ذلك، فهذا يعني أن على الإسرائيليين والفلسطينيين قبول هذا الخيار في هذه المرحلة. إن الدعم لهذا الخيار في إسرائيل ضئيل جدا ولا يوجد أية بوادر على أن إسرائيل ذاهبة بهذا الاتجاه على الاطلاق لا حاليا ولا على المدى المنظور.

أما بالنسبة للسلاح الديموغرافي فمن السذاجة بمكان أن لا تعرف إسرائيل وتدرك مخاطر البعد الديموغرافي حيث تم دراسته ومناقشته إسرائيليا منذ الثمانينيات وبالتالي فإنه من المستبعد أن تسعى إسرائيل لتبني هذا الحل الذي سيكون كفيلا بالقضاء على الحلم الصهيوني طوعا.

بالإضافة لذلك. فماذا عن غزة فهل ستكون جزءا من الدولة الواحدة وهل ستعطي إسرائيل المواطنة لأهل غزة وتدمجهم بالدولة الجديدة. إنه لمن المؤكد أنها لن تفعل ذلك وأن غزة ستبقى خارج المعادلة.

ان الخيار الذي ستسلكه إسرائيل هو الدولة العنصرية وليس الدولة الديمقراطية. اليمين الإسرائيلي المتطرف المدعوم من اليمين الأميركي سوف يسعى إلى إفراغ الضفة من أهلها ويريد الأرض بدون السكان وبالتالي سيسعى لتقليص الوجود الفلسطيني في الضفة إلى أقصى درجة ممكنة أو إلى الدرجة التي لا يشكل تهديدا أمنيا وليس شرطا أن يتم ذلك فورا وإنما قد يكون على فترة زمنية طويلة.

هذا هو الخيار الأرجح والأخطر على الأردن لأن التهجير أو الترانسفير للفلسطينيين له وجهة واحدة وهي الأردن. وهذا تحديد السبب وراء إصرار جلالة الملك على الإبقاء على خيار حل الدولتين وما سعيه لافشال خطة ضم أراضي الضفة الغربية لإسرائيل إلا من إدراكه العميق لخطورة هذا المشروع ليس فقط على خيار حل الدولتين بل على الأردن كذلك.

المؤكد أن القضية الفلسطينية على مفترق طرق وتبني حل الدولة الواحدة فلسطينيا وإسرائيليا قد يكون خيارا مطروحا على المدى البعيد ولكنه في هذه المرحله ليس سوى هروب للأمام. خيار الدولة الواحدة لن يكون خيارا أردنيا لمواجهة عملية الضم والاطماع الصهيونية في الأردن. سواء كانت مرتبطة بالقضية الفلسطينية أو مستقلة عنها. قلة من الساسة العرب تفهم حقيقة الحركة الصهيونية الشوفينية كما تفهمها القيادة الأردنية ومفادها انه لا يمكن التوصل لسلام مع إسرائيل في ظل هيمنة الفكر الصهيوني على السياسة الإسرائيلية. فالمطلوب أردنيا فهم هذه المعادلة والعمل على مقاربة جديدة للتعامل معها لحماية مصالحها الوطنية.

الغد

زر الذهاب إلى الأعلى