ماذا يريد المستثمر؟

سلامة الدرعاوي

تحدث البعض علانية حول ما تقوم به الحكومة من خلال دائرة الضريبة من حملات تفتيشية معززة بعضها بمرافقة أمنية تبعث برسالة سلبية للمستثمرين المحليين والاجانب على حد سواء، في الوقت الذي تحتاج الدولة وبأمس الحاجة إلى هؤلاء المستثمرين الذين يعتبرون من ركائز الاستقرار الاقتصادي.

في اعتقادي أن هذا الرأي هو وجهة نظر قاصرة وموجهة باتجاه الضغط النخبوي على ما تقوم به الضريبة اليوم من عمليات حقيقية وجدية في مكافحة التهرب الضريبي الذي طالما كان أحد أبرز مطالبات الاصلاح وتحقيق العدالة من قبل الشارع.

جميع الحملات التفتيشية الضريبية منذ بداية العام لغاية هذا اليوم بلغت 510 حملات تفتيشية منها 10 حملات معززة بمرافقة أمنية لأسباب مهنية تقتضي الحالة ذلك لا مجال لشرحها في هذا الموضع.

مكافحة التهرب الضريبي هي إحدى ركائز المساواة وسيادة القانون، وهي تصيب بيئة الأعمال بالتشوهات التي تؤدي إلى نفور المستثمرين من القدوم للمملكة او حتى الاستمرار في انشطتهم الاستثمارية، لأن عنصري المنافسة وسيادة القانون والمساواة كانا في هذا المشهد غائبين.

التهرب الضريبي يعني تواطؤ المكلف مع المدقق المالي مع أحد العاملين في الضريبة، وهذا أمر يدفع باتجاه ضرب مفهوم النزاهة والشفافية في الإجراءات والتعاملات والخدمات الحكومية للمستثمر الذي يرغب اولا وأخيرا في عدالة التعاملات الضريبية والاستقرار التشريعي الواضح الذي يعزز قدرة المستثمر على اتخاذ قراره الاقتصادي السليم بناء على رؤيا واضحة مستقرة، لأن التشريع منضبط وثابت.

المستثمر الحقيقي الباحث عن الاستثمار السليم المبني على أسس المنافسة الصحيحة والسليمة يرغب بإدارة حكومية قوية وجهاز بيروقراطي لديه المعرفة والكفاءة التي تؤهله للتعاطي المرن مع المستثمرين ويسهل اعمالهم ضمن القانون، لا أن يكون هناك تواطؤ خفي مع الموظفين لتمرير قرارات الإعفاءات او الضرائب بشكل يتجاوز القانون والأنظمة المعمول بها.

المستثمر الحقيقي والحصيف يبحث عن استثمار في دولة لديها موظفون اقوياء قادرون على تنفيذ القانون بحرفية عالية ومساواة للجميع دون محاباة، فالكل تحت مظلة القانون وسيادته، ولا مجال للقفزات البهلوانية التي أدت في محصلتها لانتشار مظاهر الرشاوى والفساد والمحسوبية لتمرير قرارات، والتعدي على السياسات تحت مسميات مختلفة.

لا يمكن للمستثمر أن يأتي إذا لم يكن هناك جهاز قضائي عادل، له سمعة عالية، ينشر الحقيقة ويعززها ويدعم العملية الاقتصادية بكل جوانبها حفاظا على المصلحة العامة، وأريد أن أذكر في هذا المجال، أن أحد كبار مستثمري صفقة أمنية الشهيرة من غير الأردنيين رفض الانصياع لأوامر المحكمة الضريبية في الأردن قبل سنوات والتي فرضت عليه مبالغ تتجاوز الـ123 مليون دينار كضريبة دخل على اجمالي حصته من الصفقة التي كانت حينها تبلغ الـ415 مليون دينار، ولجأ للتحكيم الدولي في تسوية النزاعات في لندن، وبعد سنين من رفعه للقضية صدر الحكم الدولي ببطلان ادعاءاته وسلامة الاجراءات التي اتبعتها محكمة الضريبة الأردنية في ذلك الوقت، وهذه بحد ذاتها شهادة ومصداقية عالية للحكومة ولأي مستثمر ينظر إلى الأردن على انه دولة سيادة القانون.

مكافحة التهرب الضريبي المبني على القانون وضمن الإجراءات المتعارف عليها، والعمل المؤسسي البعيد عن الفزعات هو رسالة إيجابية كبيرة لمجتمع الأعمال المحلي والأجنبي، لانه يشكل ملاذا آمنا للاستثمار الرشيد المبني على دراسات الجدوى والفرص الواعدة وليس المبني على التجاوزات والصفقات السريعة.

زر الذهاب إلى الأعلى