الأولويّات الماليّة تغيرت

سلامة الدرعاوي

لم يعد التزام الحكومة بأرقام العجز والدين المستهدفين والمتفق عليها مع المانحين والمؤسسات الدوليّة وعلى رأسها صندوق النقد الدوليّ مؤشرا على سلامة النهج والسياسة الاقتصاديّة الحكوميّة، فالوضع ما قبل الكورونا يختلف كثيرا عن ما بعده.
قبل الكورونا كانت الحكومة تتطلع إلى تحقيق عجز مالي نسبته 2.3 بالمائة من الناتج المحلي الإجماليّ أو ما قيمته 1.046 مليار دينار، وهذا الرقم بات حلماً من الخيال في ظل توقف غالبية النشاط الاقتصاديّ خلال شهري آذار ونيسان بفضل الحظر الذي فرض بموجب أوامر الدفاع، فالمتوقع ان يزيد العجز الإجمالي إلى أكثر من 2.3 مليار دينار، فهناك تراجع كبير في الايرادات عن ما لا يقل عن 600 مليون دينار، مقابل نمو غير محسوب لغاية الآن في النفقات خاصة الطارئة منها.
وبالتالي فإن الدين العام سيرتفع إلى اكثر من 103 بالمائة على أقل تقدير أو ما قيمته 33 مليار دينار، وخياراتنا حتما متروكة لتقديرات الحكومة والمتفق عليها مع صندوق النقد الدوليّ، ومع ذلك فإن هذه المخالفات لن تشكّل عقبة اليوم في استكمال برنامج التصحيح مع الصندوق والمانحين، فالجائحة عطبت الاقتصاد العالميّ وأدخلته في أسوأ مرحلة ركود منذ القرن الماضي.
بناءً على ذلك، الأولويّات الماليّة للدولة تغيرت اليوم باتجاهات معاكسة تماما تهدف أولا واخيرا إلى الحفاظ على الاستقرار المرحلي للاقتصاد وعدم الانزلاق في النفق المظلم في حال عدم المرونة في التعاطي مع مستجدات المرحلة، والتي تتطلب من الحكومة السير بإجراءات غير تقليديّة في التعاطي مع الأزمة الاقتصاديّة الراهنة على المديين القريب والمتوسط.
المشكلة الرئيسة التي تواجه الاقتصاد الوطنيّ هي توفير السيولة الكاملة للقطاعات الاقتصاديّة في الدولة، والعودة التدريجيّة بالنشاط الاقتصاديّ إلى مستوياته ما قبل كورونا.
بالنسبة للسيولة فإن الجهود الرسميّة الراهنة تركّز على تعزيز الاتصالات الخارجيّة مع المانحين والمؤسسات الدوليّة للحصول على الدعم الدولي اللازم لمواجهة تداعيات كورونا، ولكن المنح لن تكفي لتعزيز قدرة الخزينة على مواجهة أزمة الكورونا، فالأمر بحاجة إلى سيولة كبيرة في المرحلة المقبلة، سيولة قادرة على تلبية حاجة القطاع الخاص للتمويل، وسيولة لتلبية الاحتياجات التمويليّة الداخليّة والخارجيّة معا دون تأخير.
في ظل كورونا الأمر ليس بالسهل على أي حكومة الحصول على تمويل من الخارج، لأن الجميع منشغل بإدارة أزماته الراهنة، فالعالم كُلّه يعاني مما يعاني منه الاقتصاد الأردني وبأشكال مختلفة، فالكورونا لم تترك أحدا إلا طالته، لذلك فإن المرحلة المقبلة تتسم بالصعوبة في التواصل مع المانحين والمقرضين قبل ان تتراجع حدة الوباء العالميّ، وهنا يقتضي من الحُكومة توظيف علاقات الأردن في الاسراع بالحصول على التمويل الخارجي المطلوب وفي أسرع وقت.
بالنسبة لعودة النشاط الاقتصاديّ وبشكل تدريجي إلى ما قبل كورونا فالأمر ايضا ليس بالساهل، فهناك قطاعات نمت بشكل كبير في الآونة الأخيرة لكنها محدودة للغاية، في حين ان الغالبية من القطاعات تراجعت اعمالها او توقف كُلّيا، وهي بأمس الحاجة إلى خطة شموليّة لإعادة إنقاذها خاصة تلك التي تحتاج إلى السيولة السريعة لدفع التزاماتها المختلفة والعودة للعمل بالشكل السابق، وبالتالي لا بد ان يكون الجهاز المصرفيّ مستقر ويتمتع بالسيولة الكافية لتلبية احتياجات القطاعات المختلفة.
إن أولويات الحكومة الماليّة في المرحلة القصيرة ليست ضبط العجز او المديونيّة كما جاء في الموازنة، بل هي توفير السيولة سواء بالاقتراض او المنح، وإعادة النشاط الاقتصاديّ إلى ماقبل كورونا، هنا ستتعزز ثقة المستهلك والمستثمر معا في الاقتصاد الوطنيّ كخطوة أولى في استكمال الإصلاح المنشود والتدريجي.

زر الذهاب إلى الأعلى