المُتَخَيَّل ..

بقلم: ناديا سعادة
صعد بسرعة درج دارنا القديمة ، دخل الباب الحديديّ الأسود ، ثمّ توزّعت نظراته نحو عدّة غرف من الاسمنت المسَلّح .
طرق باب كلّ غرفة ، ولم يفتح له أحد أولّ الطرق .
بعد أن طرق باب الغرفة الصغيرة ، فتحت له إمرأة عجوز لا تنطق و تعرجُ بعصاها ، و تلمسُ كلّ بلاطة قبل أن تنتقلَ بمهل للأخرى .
نظرت يمينها، ثمّ حدّقت يسارها، و شتمت نفسها : يا… صرتُ كهلةً أسمعُ طرقة الباب ، وما طرقه أحد !
حين سمع كلام أمه ، سرح نحو الأمس القريب ، و أعاد لنفسه فرصة للوجود على بابها من جديد ، هي دخلت غرفتها، وهو طرق الباب ثانية ، وفتحت الباب ، وسبّت القطط و الرّياح ، و ابن جارتها شكران ، الذي كان يتسلّل في وقت الصباح الباكر من أجل الجرائد القديمة ، وهي تسأله : ماذا تفعلون بكلّ هذه الجرائد يا ولدي؟
_ نأكلُ عليها يا خالة !
تسلّل هو الآخر داخل غرفة أمه ، استطاع أنْ يجد بطانيّة إضافية ، وتمدّد على السرير الوحيد ، وعلى إضاءة خافتة لونها أزرق .
دخلت أمه ، وتمدّدت فوقه ، شعر بالاختناق ، بالحزن ، و حاول أن يفلت من جسد أمه المتكوّم فوقه ، ولم يفلح .
انتظر أن تتحرك أمه بفارغ الصبر ، وكان له ذلك بعد عدة ساعات ، وحين تدحرجت تلك العجوز الهَرِمة عن السرير ، و أطلقت أصوات نزعها الأخير .
نظر لأرضية الغرفة.، و جسد أمه ، ثمّ بكى .
قال لها : صرنا اثنين يا أم راضي !
_ الله يغضب عليك ، عدتَ و الموت معك !
لم يكن يعرف كيف يهرب من جدران زنزانته إلا عبر الموت ، ولم يستطع عناق أمه إلا بعد موتها !
اللوحة للفنان الفلسطيني / فتحي غبن





