سُمّ الفساد والضحيّة أبو سليمان

بقلم: إبراهيم يونس البطوش

 ثمة روايات تزدحم في دهاليز الذاكرة المترعة بالوجع، وحوادث الألم والمرارة، تتفلت من عقالها تباعاً، لتخرج على الملأ بصراخٍ يفضح الواقع. منتصف ستينيات القرن المنصرم، لم يكن سوى حافلة واحدة تعمل على خط إحدى القرى في غياهب الجنوب المنكوب. تنطلق إلى مدينة الكرك ضُحىً، وتعود عصرا. مارّة بالقرى المجاورة في طريق وعر وضيّق، وغير معبّد. ومسافة تناهز الـ 30 كم.

ذات صباح أغبر، وذات مرور بإحدى القرى التي لم تنعم وقتئذ بالمواصلات، استوقفها رهط رجال يحيطون بآخرٍ عليل. العليل، لديغ أفعى، منذ عصر اليوم الذي سبق. وبلغ به الأمر حدّ خروج السُمّ من بين أسنانه. وقد غلب بسواده لون الدّم القاني. الراوي —والدي الشاب العشريني حينئذ— أنّب بطانته على تقصيرهم بإسعافه ساعة أفرغت الأفعى فسادها بجسده.

المصاب يئن… برّروا أنهم جاءوه بـ«طبيب العرب» نوبات عدة، ليلا. أحدهم أفشى سرّا أن طبيب العرب أشار بضرورة نقله إلى المشفى عاجلا. الأنين يخفت بتقادم الوقت.. والحافلة تتهادى كما راحلة تنوء بحملها في قفرٍ قاحل. والبطانة تستحث الرجل على الصبر بقولها: «قوّي باسك يابو سليمان». ثم يردفون معا: «قوّي باسك». لم ينتظر «أبو سليمان» حتى يعلن طبيب المشفى نبأ وفاته. فالسم الزعاف أزهق روحه، وعاد بها إلى حيث أتت، قبيل ولوجه بوابة «الفَرَج».

– هل ما بلغناه من عجز ومديونية وفقرٍ مدقع وبطالة سافرة، يودي بنا إلى مصير الضحيّة «أبو سليمان»..!!

– هل يجدي حينها التطمين الكاذب، والطبطبة الفارغة، والحثّ على المزيد من التجلد و الصبر..!!

– هل يصح أن يكون المعالج ذاته من فشل في الأولى، والثانيه والأخيرة..!!

-هل يُقبل عذرا عن التأخر في العمل الجاد والناجع، وتأجيله بحجج ممجوجة، ودعاوى واهية..!!

المرحلة ثملة. والجسد مترع بالسم. والوقت ليس بصالحنا.

وقوّي باسك يابو سليمان…

زر الذهاب إلى الأعلى