واقع جبان ..
لحظة الإستيقاظ من النوم كل صباح هي إحدى لحظات الهزيمة اليومية أمام بؤس الواقع، حيث تتجلى في تلك اللحظة كم اللاجدوى من استمرار اللهاث خلف لقمة مغمسة بعار التعايش مع منظومة مختلة وسراب المستقبل.
تنهض مجبراً وتسير محاولاً التخفيف من وطأة هذا الألم بصوت فيروز لكن حجم الفوضى المترامية في الشوارع تزيد من قناعتك بعبث فكرة أن نكون في عالم أجمل… وفي لحظة الإنصهار مع مقطع (كأنك ما حدا .. ضايع بهالمدى) يقطع تجليك الداخلي سائق السرفيس الذي يقف فجأة طالباً من زملاء المهنة بعض (الفراطة)... ليزيد من قناعتك أن صوت (البرايز) أكثر واقعية من صوت فيروز الحالم.
طريق طويلة مليئة بما وراء الضياع، طريق أشبه بسجن من مسربين يتخللهما بعض محطات لبيع القليل من بصيص الأمل…فقد يبدو الأمل باحتساء كوب من القهوة من إحدى الثكنات المتخصصة ببيع القهوة السائلة، أو قد يبدو بالتحديق في جسد إمرأة هاربة من خيباتها إلى واقع أكثر خيبة فيما تثير رائحة عبقها الشهية على الحياة، وقد يتبدد الأمل نهائياً لحظة التوقف عند محطة الصراف الآلي للتأكد من أنك حياتك تسير بشكلها الطبيعي والطبيعي هنا ان تكون نقودك بدات تنفذ تدريجياً وكالعادة تشعر بأن الرصيد المتبقي يداهمك كخبر صاعق.
الروتين اليومي والإنغماس بنفس التفاصيل اليومية يزيد من منسوب الحماقة لدى المرء ويفتح الشهية للإستسلام للبلادة. يسطو على وقتك بشكل مريب بحيث يصبح الوقت الذي تقضيه وأنت تقلب رأس (ملفوف) يكفي لقراءة صفحة من رواية لماركيز…والوقت الذي تستنزفه في انتظار الحصول على بعض من (الفلافل السخن) أطول من مشهد في مسرحية الملك لير، والبحث عن (طبق بيض) سليم 100% يكفي لسماع مقطوعة خفيفة لعمر خيرت.
واقع جبان يجبرك على التواطىء مع كافة أشكال البلاهة التي تصادفك، واقع يثير فيك كل ما هو بذيء ويحفز الغدد اللعابية لتنتج أفضل ما لديها، واقع يستنزف سنوات العمر من أجل بعض النقود التي تستدعي تقديم كل هذه التنازلات للحصول عليها.
أنا لا أنتمي لهذا الواقع…أنا مجبر على ذلك..