معاول الهدم في فلسطين!!
د.عقل صلاح*
يتعين القول في البداية أن هناك العديد من القصص التي حدثت في العالم تحاكي ما يحدث في فلسطين، سنتناول قصتان تلخصان طرق هدم الأوطان. القصة الأولى، من كتاب عبقرية الفشل للشهيد خالد الحسن عقل الثورة الفلسطينية, هذه القصة لها دلالات ومعاني سياسية وأمنية عميقة, ومفادها أن المخابرات الفرنسية تأكدت أن أحد المسؤولين الكبار يعمل لصالح دولة أجنبيية, لاحقته لجمع الأدلة التي تثبت إدانته, الا أنها فشلت في الوصول إلى أي خيط يؤدي إلى إدانته, إلا أنها كانت متأكدة من ارتباط هذا المسؤول بجهات خارجية ولكنها غير قادرة على الايقاع به. فطلبه الجنرال شارل ديغول صباحًا إلى قصر الإليزيه, وطلب من سكرتيرته أن تبقيه في حالة انتظار حتى المساء حتى يحرق أعصابه ويغرق في وساوس التخمين.
وعندما علم بانهيار أعصاب المسؤول طلبه إلى مكتبه مستغلًا هيبة الرئاسة، وبادره بسؤال مباشر مع من تتعاون؟ فرد بارتباك مع الدولة كذا، كيف تتصل بهم؟ لا يوجد اتصال، كيف يدفعون لك؟ في بنوك دولية، ماهي الخدمات التي تقدمها لهم؟ أعمل على تعطيل المشاريع العملاقة وأعزز الفساد وأحبط المبادرين وأستبعد النزهاء وأثبت المرتشين.
أما القصة الثانية، فهي بعد انهيار الإتحاد السوفييتي كرمت المخابرات الأمريكية عميلها الروسي وكان يشغل منصب وزير الخدمة المدنية في موسكو وسأله ضابط في المخابرات الروسية وقال له أنا كنت مسؤولًا عن مراقبتك ولم أجد لك علاقه مع أمريكا ولا تواصل ولا مراسلة فماذا عملت لهم؟ قال: كنت أعين كل خريج في غير تخصصه وأشجع على ترقية الأغبياء وأحول دون صعود الكفاءات حتى بقي في رأس الدولة العجائز القدامى والأغبياء الجدد, عندما يوكل الأمر إلى غير أهله يكون الإنهيار حتميًا.
أليس ما تحدثنا عنه في القصتين السابقتين يحدث في فلسطين؟ فإسرائيل تدمر في فلسطين والممارسات من قبل بعض المسؤولين الذين يعملون لخدمة أقربائهم وأبنائهم، أليست سببًا في تدمير المواطن والوطن؟. لو تم اسقاط الحالتين على الواقع الفلسطيني كم من مسؤول وكم من هيئة ومؤسسة سواء كانت حكومية وغير حكومية يجب محاسبتها قانونيًا وثوريًا من أجل تنظيف الساحة الفلسطينية من هذه الأمراض الخبيثة؟
مثال من وحي الواقع على المؤسسات التي يجب أن تكون أساس لبناء المواطن والوطن عندما يتقدم موظف لوظيفة تم الإعلان عنها – مع الأخذ بعين الاعتبار أن الاعلانات فقط لذر الرماد في العيون – وبتقدير امتياز ولديه العديد من الخبرات وأسير محرر ولديه العديد من البحوث العلمية المحكمة، ورغم ذلك يتم تعيين شخص آخر لاتتوفر به أدنى الشروط اللهم أنه يمتلك واسطة كبيرة وينتمي للحزب الحاكم-غزة أو الضفة- أو أنه ابن مسؤول أو قريب مسؤول متنفذ. ففي الضفة الغربية أبناء فتح عايشين –وظائف ومنح وترقيات وتعيينات وامتيازات وغيرها- وفي القطاع المحكوم من قبل حماس أبناء حماس عايشين والبقية من الشعب في شطري الوطن لهم رب العالمين.
أما بخصوص المنح والوظائف فعندما تجد ابن مسؤول كبير حصل على معدل في الثانوية العامة على حافة الرسوب ويدرس بمنحة وعندما يتخرج مباشرة يتبوأ وظيفة مرموقة وحساسة، بينما ابن المواطن الذي لايمتلك الواسطة والذي حصل على معدل ممتاز لم يحصل على منحة ولا وظيفة.
ومن هذا يتضح، أن الوساطة للكسالى وذوي النفوذ، أما الكفاءات فهي مهمشة فهذا الواقع يرفض الكفاءة ويقبل الكسلان المهمل. فكل ذلك يصب في تطفيش الكفاءات وهجرتها مما ينعكس على مدارسنا ومؤسساتنا التي ستخلوا من الكوادر المتميزة. فالكفاءة والإبداع هي أساس قوة المجتمعات، والمجتمع الأقوى هو الذي تكثر الكفاءات بين مواطنيه، فالمجتمعات المتقدمة تعمل على تشجيع واحترام الكفاءة والتشجيع للطاقات والقدرات المتفوقة، وإن تكريم المبدعين يرفع درجة الطموح والتطلع نحو التقدم والإبداع لدى أبناء المجتمع، لذلك تبدع المجتمعات المتقدمة في تقدير الكفوئين من أبنائها، ورصد الجوائز التشجيعية لهم.
أما بخصوص المعلمين والتعليم فقد لخص الحال المعلم محمد حمدان على موقعه للتواصل الاجتماعي” أنا معلم أشعر أن التعليم أصبح جسدًا من غير روح أصبحنا أدوات في ماكنة ميتة من غير حياة أو رسالة أو حتى هدف سامي ولم يعد هدفنا إرضاء الضمير ليس لأننا لا ضمير لنا ولكننا لم نعد نعرف مكانه في خضم هذه العملية”.
ومن المهم في هذا السياق، أن نتعلم من القصص ونعمل على تصحيح السياسات العامة وبناء النظم الإدارية على الأسس الوطنية والعلمية والكفاءة والرجل المناسب في المكان المناسب غير ذلك سيكون مستقبل قضيتنا الضياع، وقد يكون في وسعنا اليوم القيام بعملية الإصلاح قبل فوات الأوان فنحن تحت احتلال وخطورة وضعنا تزداد بظل الاستهداف الإسرائيلي المسعور لكل مؤسساتنا فلا يمكن أن تكون المؤسسات الرسمية وغير الرسمية معاول هدم تساعد الاحتلال لهدم مستقبلنا وصمودنا، فكل السوكيات والممارسات السلبية لبعض المسؤولين لها تأثير كبير على الشباب مما سيدفعهم للكفر بكل ما هو قائم.
*كاتب وباحث فلسطيني مختص بالحركات الأيديولوجية.