الدكتور”عمر الجراح” : رئيس جامعة دراسات عُليا يحِنّ لإمتحاناته المدرسيّة!


*توقيت ولادته “عام النكسة” يُحاكي حقيقة الشعب الذي يلدُ المبدعين والعلماء.. فلا يُقهر


*خلال دراسته في أمريكا كان يحنّ لقريته “المزار” وغاباتها،، ويصفها “بلدتي تفوق أوروبا الخضراء جمالاً “


*رفض كافة عروض العمل الخارجية،، ويُبرر” إن غادرنا بلدنا فمن سيبنيها؟!


*أسعد لحظاته حين يهبطُ أرض المطار عائداّ من أسفاره،، وعاطفيّته أسقطت دموعه على وقع أشعار “شوقي” الوطنية


*أجداده كما يُعرّفهم .. حرّاثو الأرض ممن آمنوا بأن إخصابها لا يكتمل إلا ببناء الإنسان عبر العلم والمعرفة


*الفلاحة أعظم أعماله .. ويفتخر “أنا فلاح حرثت أرضي وأكلت من زرعي وهذه أرقى ما احترفت من المهن”


*يُباهي بالطاقات البشرية في بلده .. ويقول” المعرفة والعلم سلاح شعبي الذي لا يُضاهى والفكرة البسيطة تساوي (100) برميل نفط”


*ينتمي لعائلة متفوقة أكاديمياً بفضل الله وتوفيقه ثمّ تحفيز والديه.. ووالده على وجه الخصوص


*كان الأول على طلبة المزار حتى الثانوية العامة وفي الجامعة ثبّت اسمه على لوحتيّ الشرف في الكلية والعمادة طيلة سنوات الدراسة


*في أمريكا أنهى الماجستير بعلامة كاملة وحصد المركز الأول على 250 ممتحنٍ لشهادة الدكتوراة


*فطنة والدته سرّ ثباته على نهج التقدم والرقي.. ولطالما حفّزته بالتحدي قائلة ” والله لو تعلمت لأصبحت رئيسة للوزراء”!


*زوجته وفية ومُساندة له إلى حدّ تخليها عن عملها مهندسة لتتفرغ لتربية الأبناء الذين ساروا خلفهُ في درب التفوق


 

كرم الإخبارية – خاص – بثينه السراحين


ولادتهُ عام النكسة 1967م تحمل دلالات عميقة، فالشعبُ الذي يلد العلماء والمبدعين لا يُقهر،، حتّى وإنْ راوَغهُ الأعادي بوَهم الإنتصار، فإنّ الأردنّ يرتدّ على العِدا مُنتصراً بهمّة مَنْ غرسوهُ في القلب والوجدان ،، وأوجعهم التّوق والحنين لترابه حتى وهُم في أكثر بلدان العالم عظمة ورفاهية،، وليجدهم منجذبين له، متطلعين ليوم الرجوع إليه، لمواصلة التفاني في حراسة جبهته السمراء،،، فلا يغبرٌّ وجهَهُ المُقمر بالبشارات والمسرّات.

 

“أوّل العشق”

 

ويستذكر رئيس جامعة عمان العربية الدكتور “عمر الجراح” حنينهُ لأولّ موطن للعشق وآخره، خلال استكماله لدراساته العُليا في الولايات المتحدة الأمريكية ” كان يُشعل ذاتي حنين وشوق دائمين للأهل،، ولغابات بلدتي (المزار) التي تفوق بسحرها (أوروبا) الخضراء، ولم تكُ تفارق مخيلتي غاباتها الفسيحة ،، وجلساتي الجميلة أيام الصبا رفقة الأصدقاء في منطقة (عراق الطبل) ذات الإطلالة الجبلية الساحرة، حيثُ تحوّطنا أشجار البلوط ،، وكنتُ – في غربتي عنها – أبسُمُ بعمق كلما تذكرتُ مرحي ولعبي في منطقة (المُستنبت) بين أشجار (اللزّاب)، ولطالما دبّت بي الروح مجددا – عبر أسلاك الهاتف – وأنا في أمريكا لأجيبَ السائلين من أهلي عن حالي قائلاُ بصدق: والله إنّ حارة من حواري المزار لهي عندي أجمل من أمريكا وكل الدنيا وما فيها”.

جدليّة الحب والعشق التي تشكل حالة فريدة من نوعها في شخص الدكتور الجراح جعلت منهُ مشتعلٌ بحبّ العطاء لوطنه وأهله، شغوف بالعمل حدّ الإبداع والتألق،، وكلما خطى هذا الرجل خطوة عملية لا بدّ وأن يترك خلفه بصمة هي بمثابة ترجمة فعلية لهذا العشق الذي يلخصه بالقول ” أتيحت لي فرصة البقاء للعمل في أمريكا بعدما فرغت من دراستي للدكتوراة فيها بتفوّق، لكنني رفضت مجرد التفكير في الأمر، تماماً كما رفضت لاحقاً و تكراراً عروض عمل مغرية في الخارج،، ذلك أنّ (بلدنا إلها واجب علينا، وإذا تركناها إحنا مين بدّه يبنيها؟!!)، ولهذا لا غرابة من القول أنّ أسعد لحظة في حياتي هي تلك اللحظة التي أهبط بها أرض مطار بلدي في كل مرّة أسافر فيها لخارجه”.

 

“فلاح يأكل ممّا يزرع”

 

ويبدو أن السرّ في الرابط الوثيق بين الدكتور الجراح ووطنه هو طبيعة نشأته،، ” أنا فلاح أفخر بأنني حصدتّ الأرض و(رجدت) وأكلت ممّا زرعت، ولهذا أؤمن أنني مهما اعتليت في المناصب لن أفخر بشيء أكثر من عملي بالفلاحة يوماً ما،، هذا العمل الذي فتحت عيوني عليه،، لأشاهد أجدادي وأهلي يمارسونه بكل حبّ رفقة الأقارب،، إنّهم حراثو الأرض الذين كانوا أحرص الناس على تطوير ذواتهم عبر بناء الإنسان، لأنّ الخصب من وجهة نظرهم لا يكتمل بزراعة الأرض دون بناء الإنسان الذي سيواصل إخصابها كذلك بالعلم والمعرفة”.

 

” تحفيز الوالد على التعلم “

 

وكينونة الدكتور الجراح مجبولة بالعلم عبر جيناته الوراثيّة،، ” أشقاء والدتي متعلمين ومُبدعين، ما جعل مني وأشقائي نمتاز بالذكاء والتفوق العلمي”،، لكنّه بالمقابل لم يكن ليستطيع إكتسابه لولا إرادة والده ،، ويوضح ” كان والدي شغوف بالعلم، فهو من مواليد عام 1931م وممّن تلقوا تعليمهم البسيط في الكتاتيب (بالبيضة والحجر)، ولذلك كان لديه إصرار عجيب على دفعنا بإتجاه إستكمال تعليمنا أنا وأشقائي، وعلى سبيل المثال يحمل شقيقي (محمد) درجة الدكتوراة في هندسة الطيران من جامعة ستانفورد (فُضلى جامعات العالم)، ويعمل حالياً مدرّساً في الجامعة الأمريكية في الإمارات. في حين يحمل شقيقي (عامر) درجة الدكتوراة في الفيزياء النووية من ماليزيا. بينما حصل شقيقي (عمران) على درجة ماجستير نظم معلومات”.

 

“الأوّل في الثانوية العامة”

ويصف الدكتور الجراح شغفه بالعلم قائلاً ” طيلة حياتي كنتُ مُحبّاً له، وكنت أجد متعة غير عادية خلال رحلة ذهابي للمدرسة في صغري، وربما من أكثر الأشياء التي كانت تسعدني في الحياة هو خضوعي للإختبارات المدرسيّة، التي أحنّ إليها حتى اللحظة لشدّة ما وجدتّ فيها من لذة تُحاكي إحساس الإنسان بإثبات ذاته ووجوده وتميزه، ولهذا لا غرابة إذا ما ذكرت أنني كنتُ منذ الصف الأول الإبتدائي أحصد المرتبة الأولى من بين كافة أقراني، كما أنني كنتُ الأول في إمتحان الثانوية العامة على كافة ممتحنيها في مدرسة المزار الثانوية وبمعدل (92,6%)، وبهذا نجحت بدراسة التخصص الذي حلمتُ به منذ طفولتي وهو هندسة الكهرباء في جامعة العلوم والتكنلوجيا، حيث كان إسمي يدوّن كل عام على لوحة الشرف في عمادتها وفي الكلية، وأذكر أن الملك الراحل الحسين بن طلال زارنا آنذاك وألتقى بنا كأوائل في الجامعة، والتي سلمني شهادة تخرجي منها سمو الأمير حسن بن طلال، ممّن سلم المتفوقين جوائز كذلك، وقد كنت من بينهم كوني حصدتّ المرتبة الأولى في تخصصي على كافة طلبة دفعتي”.

 

” المعرفة ثروة الأردنيين”

 

وإيماناَ منه بأنّ “عصرنا هو عصر المعرفة وبأنّ شعبنا قويّ بسلاح العلم، فهي ثروته التي لا تُضاهى بشيء، والفكرة البسيطة أفضل من (100) برميل نفط، وبأنّه إذا ما أمتلكت الإقتصاد المعرفي ملكت الدنيا، في حين لو امتلكت كل ثروات الدنيا ولا يوجد لديك معرفة أو إبداع فإنك بلا فائدة تُرجى”،، إيماناً منه بكلّ ذلك واصل الدكتور الجراح سعيهُ الحثيث نحو المزيد من العلم والمعرفة، عقب حصوله على البكالوريوس، من خلال إبتعاثه لجامعة (أوهايو ستيت) في الولايات المتحدة الأمريكية، وليستكمل دراسة الماجستير خلال عام واحد فقط، كان يفترض أن يعود بعده للوطن، لولا اجتهاده الذي مكنه من الحصول على بعثة من جهة أخرى،، يحدثنا عنها ” جامعتي في الأردن ابتعثني للماجستير فقط، غير أنّ حصولي على الماجستير بعلامة كاملة حفز المشرف عليّ في أمريكا لجهة تقديم عرض لي، حيث قال (سأخضعك لإمتحان شامل وإن نجحت به سنمنحك فرصة دراسة الدكتوراة على نفقة جامعتنا)، وبعد أسبوعين فقط من هذا العرض خضعت للإمتحان الذي كان عادة ما يتطلب من المتقدم إليه شهوراً من الإستعداد، غير أنني وبحمد الله حصلت على الدرجة الأولى من بين (250) متقدم له، وهذا ما عرفته من المُشرف على الإمتحان وهو رئيس كلية هندسة الكهرباء في جامعة أوهايو ستيت ممّن اتصل بي ليبشرّني بنتيجتي قائلاً : أنا فخور جداً بك”.

 

“فطنة الوالدة وراء إرتقائه”

 

وعن سرّ مقدرته على التميز والتفوّق في دراسته خلال غُربته وهو مَنْ لا يحتمل البُعد لحظة عن الأهل والوطن يخبرنا الدكتور الجراح ” والدتي الحاجة عائشة الجراح هي أغلى البشر على قلبي وفيها يكمن سرّ ثباتي على نهج تطوير ذاتي، فهي من حفزتني منذ الصغر على الإرتقاء في درجات العلم والعمل عبر جملة كانت تردّدها بلهجتها القروية الجميلة (والله لو قريت لكنت صرت رئيسة وزراء)، أي أنها لو إمتلكت سلاح العلم المقرون بذكائها لكانت إرتقت لأعلى المراتب ووصلت لرئاسة الوزراء،، وهذه الجُملة لم تكن في حقيقتها ومعناها الأعمق سوى محاولة ذكية منها على تحفيزي وأشقائي نحو التقدّم وعدم التوقف عند محطة معينة، ودائماً أقول أنّ والدتي هي من زرعت في نفسي منذ طفولتي المبكرة حبّ المعرفة، وهذا يُضاف كما أسلفت لدور الوالد الذي واصل متابعتنا الحثيثة إلى حين أستكملنا تعليمنا، وأحمدُ الله على إطالته في عُمريهما حتى اليوم، حيث أنعم عليّ برؤيتهما يومياً لأستمدّ المزيد من الطاقة على الحياة وحب العمل والإجتهاد به”.

 

“زوجة وفية وداعمة”

 

ولزوجة الدكتور الجراح دور هام كذلك فيما وصل إليه اليوم، وهي من اختارت التخلي عن حقها في العمل بُعيد إستكمالها لدراسة الهندسة المدنيّة لتتفرّغ لتربية الأبناء وتدبير شؤون المنزل ولتُوفّر أفضل المناخات الإبداعية لزوجها،، عنها يقول زوجها ” قُبيل مغادرتي لأمريكا بنيّة إستكمال دراساتي العليا خطبت قريبتي (زوجتي الحالية) نجاح الجراح، ممن جذبني إليها حُسن خلقها وفطنتها الشديدة، وقد مر على زواجنا الآن عشرون عاما من المودة والرحمة والعشرة الطيبة، أنجبنا خلالها أربعة من الأبناء هُم (معاذ) طالب طب/ جامعة العلوم والتكنلوجيا، (أنس) صف أول ثانوي، (حمزة) صف سابع، (بِشر) صف خامس. غير أنّ الله لم يحقق أمنيتنا بأن يرزقنا بنتاً، وحقيقة أقول أنّ المنزل بلا بنت مُفزع ومُوحش، كونها تعتبر مصدر الحنان والإلهام لوالدها تحديداً”.

 

” عاطفيّ تُبكيه أشعار شوقي”

 

ويجد الدكتور الجراح أنّ للوطن حُصّتهُ الكبرى في تحفيزه لجهة التفوّق،، ويفسّر” أنا إنسان عاطفي جدا، فتّحت عيناي على قراءة الأدب والشعر، وتحديداً ما يتعلق منه بعلاقة الإنسان بوطنه، وكنت متأثراً بشدة بأشعار أمير الشعراء أحمد شوقي وأذكر أنني بكيتُ غير مرّة وأنا أقرأ دمشق من منظوره الشعري،، فأحمد شوقي الذي قال (وطني لو شغلت بالخلد عنه شاغلتني إليه في الخلد نفسي) علمني كيف يكون الوطن هو سرّ النعيم وبفقدانه – لا قدر الله – نؤول لجحيم محققّ، هذا الوطن الذي بتّ اليوم أعاني حالة قلق وخوف شديدين عليه لأسباب تتعلق بالأوضاع الإقتصادية الصعبة التي نُعانيها وبالفساد الذي يتسبّبهُ أشخاص يقاوِمون الإصلاح خدمةً لفرديّتهم، ناهيك عن واقع المحيط العربي المُلتهب والأوضاع السياسية المضطربة فيها”.

 

“تراجع المنظومة التربوية”

 

ومن منظوره كأكاديمي وخبير تربوي يقودُ اليوم صرحاً علمياً كبيراً يحدّد الدكتور الجراح عوامل سلبية أخرى تُضاف لما ذكره أعلاه، وهي تؤثر بقوة لجهة إحداث خلل في البُنية المجتمعية وسلم الأمن الإجتماعي،، ويقول ” أصل البلاء فينا سببه تراجع المنظومة التربوية والتعليمية في مدارسنا، فالتعليم لدينا بات بحاجة ماسة لإصلاح جذري، بما يعيدهُ لألقه السابق، فتجربتنا في هذا المجال كانت قدوة يُحتذى بها من قبل الأشقاء العرب، وهذا حتى مُنتصف تسعينيّات القرن الماضي، إلا أننا بدأنا نستشعر تراجعاً تربوياً سببهُ الرئيس فشل في مدخلات التعليم والتي تسفر عن ضعف في المخرجات”.

 

“التلقين أصل البلاء”

 

وما يعنيه الدكتور الجراح هنا يتمثل بضرورة إحداث تغيير شامل في قنوات التعليم التي انتهجت وسيلة الحفظ والتقلين عوضاً عن زراعة مهارات المُلاحظة والبحث والتواصل في عقول الطلبة، وهذا النهج أدى لفرز طبيعي لظاهرة العنف الجامعي وفق إستنتاجه. مفسراً” نحنُ نعاني من عادات وتقاليد سيئة تتمثل بإغفالنا لقانون الثواب والعقاب نتيجة طبيعة تركيبة مجتمعنا العشائرية، ففي حين يصل الطالب إلى سنّ الثامنة عشرة دون أن يكون قد مرّ في قنوات التربية والتعليم السليمة في المدرسة، فإنّهُ من الطبيعي أن تجدهُ مؤهلاً للإنخراط في ظواهر العنف الجامعي، ممّن يعتبر في حقيقته عنفاً مجتمعيّاً، فالجامعة نواة مجتمعية، وعلى سبيل المثال فإنّ جامعة مثل اليرموك تقع في شمال المملكة ويُمثل أهل الشمال نحو ثلت عدد طلبتها؛ فإنه يبدو طبيعيّاً أن تجد نسبة منهم يدخلون في مُنعرجات وحساسيات عشائريّة تولد العنف لاحقاً، وهذا كله ببساطة سببهُ التربية غير السليمة في المنزل والمدرسة، فالجيل الحالي يفتقد لثقافة الإختلاف وتقبّل الرأي الآخر، ومن هنا تنبع المشكلة”.

 

“التكنلوجيا جزء من الحلّ”

وليست العشائرية والثغرات التربوية وحدها المؤدّية للعنف الجامعي وفقاً للدكتور الجراح، ممّن يُضيف إليها عوامل أخرى كغياب التواصل بين الإدارات الجامعية والطلبة، وعدم توفر الأنشطة اللامنهجية في الجامعات، وتغييب الإرشاد الإجتماعي والأكاديمي والنفسي، وعدم تفعيل الأنظمة والتعليمات. في حين يرى أن المخرج من هذا المأزق لا بدّ من أن يراعي معالجة المشكلة من جذورها وتحديداً منذ ما قبل المدرسة (في المرحلة التمهيدية)، والتي يبدأ فيها تشكيل وعي الإنسان وأنماط سلوكه لبقية حياته، والتي يصعب تعديلها كلما تقدم في العمر.

ولمُعالجة المأزق التربوي يقترح الدكتور الجراح ” توظيف وإستغلال التكنلوجيا في التعليم، وهذا ما عمل به الدكتور خالد طوقان، وكانت خطوة تُحسب له، غير أنه وللأسف من جاء بعده نسف الأمر برمته. ويحضرني هنا بأسى ونحن نتحدث عن واقع التعليم في بلدنا أن المؤشرات الدولية كانت تؤكد تصدّر الأردن للمرتبة الأولى عربياً في قطاع التربية والتعليم، وتمركزه في مرتبة ملحوظة عالمياً. غير أنّ السنوات الأخيرة بدأت تسجّل تراجعاً كبيراً لأسباب تتعلق بطبيعة الأداء في هذا القطاع والذي بدأ يتخذ شكل الإستعراض دون التركيز على جوهر المشكلة ومحاولة معالجتها بشكل جذري”.

 

“مواطنة صادقة وفاعلة”

وإنسجاماً مع نهجه الإصلاحي ومطالبه النهضويّة التربويّة التي تناول بعضها أعلاه، جاءت السيرة العملية للدكتور عمر الجراح لتؤكد على نحو قطعي بأنه يجسّد نموذجاً خالصاً للمواطنة الصادقة التي ترجمها بالأفعال وبالعطاءات التي لا تتوقف عند حد، ويتضح ذلك منذ إستلامه لأوّل وظيفة فور إستكماله دراساته العُليا من أمريكا عائداً إليها مليئاً بالشوق والنوايا الحسنة لجهة خدمة وطنه الذي عشقه لدرجة أنه رفض مجرد التفكير في عروض العمل المغرية التي تلقاها هناك، مؤثِراً صعود السلم من أولى درجاته في وطنه، وليتسلم عام 1996م وظيفة عضو هيئة تدريس في قسم الهندسة الكهربائية في جامعة العلوم والتكنلوجيا، وسرعان ما قام بكتابة مقترح لإنشاء قسم هندسة حاسوب في الجامعة تمّ تكليفه بتأسيسه وإدارته، واللافت أنه كان القسم الأول من نوعه على مستوى الجامعات الأردنية قاطبة. بل إنّ المثير للإعجاب هو أنّ الدكتور الجراح أسّس لهذا القسم وهو لا يزال في مقتبل الثلاثينات من عمره، حيث بثّت فيه روح الشباب والتطوير والتحديث طاقة مذهلة على تدعيم القسم بمُختبرات حديثة وإعداد خطط دراسيّة مُحكمة تمّ تنفيذها عبر توظيف كادر تعلميمي جديد متمكّن من تنفيذ مخططات أخرى وضعها مؤسّس القسم لجهة الإنفتاح على الشركات ذات العلاقة والإفادة منها في تدريب الطلبة ومنحهم الخبرات اللازمة قبل التخرّج والإنطلاق لسوق العمل.

 

 

“إلتقاط إشارات الملك”

وفي العام 1999م، يقول الدكتور الجراح، أسسنا أول أكاديمية سيسكو للشبكات في الشرق الأوسط، وكنت معنياً آنذاك بصقل مهارات الطالب لجهة إعداده للإندماج في سوق العمل حالَ تخرّجه. وبعد هذه الخطوة إلتقطنا الإشارات من جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين فيما يخصّ إهتمامه بتكنلوجيا المعلومات، ولنعمد في ضوء هذه الرؤية إلى إنشاء أوّل كلية لتكنلوجيا الحاسوب والمعلومات في الأردن، وكنت أنا العميد المؤسس لها، ولأصبح حينها أصغر عميد كلية في الأردنّ ( في سنّ الثالثة والثلاثين).

 

“السّبق التعليمي الإلكتروني”

ويتابع ” أذكر أنني كنتُ أدير هذه الكلية من خلال جهاز حاسوبي، لتنفيذ مخطط آخر هو الأول من نوعه أردنيا، ألا وهو (الإمتحانات الإلكترونية). وكما قمنا حينها بإعتماد منظومة التعليم الإلكتروني ولنكون الأوائل على مستوى الشرق الأوسط في إعتماد هذا النهج التعليمي. ناهيك عن أنّنا قمنا آنذاك بتشكيل مجلس إستشاري للكلية من القطاع الخاص، وكنّا نجتمع دورياً لإكتساب المهارات منهم لجهة إفادة الطلبة، وعليه؛ ابتعثنا نحو (45) طالباً لأفضل جامعات العالم لدراسة تخصص تكنلوجيا المعلومات. وهذا بالإضافة لإنجازنا للعديد من الإتفاقيات مع شركة مايكروسوفت وأوراكل لجهة الإفادة من خبراتهم في صقل مهارات الطلبة.

وإبداعات الدكتور الجراح ومنجزاته آنذاك نالت حصتها من التقدير من خلال حصاده لجائزة الحسين للإبداع والتميز الأكاديمي عام 2003م، وذلك عن برامج علوم الحاسوب،،  حيث يعلق على منجزه الذي يعتبره الأهم على صعيد مسيرته العملية ” بذلتُ جهداً أثناء التحضير لها فاق مجهودي خلال الإعداد لرسالة الدكتوراة، ولتُقرّر وكالة الجودة البريطانية (المخوّلة بتقييم جودة البرامج الأكاديمية المتنافسة على الجائزة) منحنا معيار التميز؛ ولنتصدّر بذلك المرتبة الأولى على مستوى الأردن”.

 

“حوسبة التسجيل”

وأثناء عمله عميداً لكلية تكنلوجيا الحاسوب والمعلومات في جامعة العلوم والتكنلوجيا حقق الدكتور الجراح خطوات مهنية مذهلة على صعيد تسخير التكنلوجيا لجهة خدمة الطلبة، حيث إبتكر وسيلة (حوسبة التسجيل) والتي تتيح للطالب إمكانية الوصول لأنظمة التسجيل وإتمام عملية إختياره للمواد وتسجيلها دون الحاجة للدخول في مشاقّ العمليّة التقليدية المُتّبعة في السابق للتسجيل. كما عمد الدكتور الجراح في تلك الفترة إلى توفير نظام (الحُزم) للطلبة الجُّدد الذين عادة ما يواجهونَ مصاعب ومشاقّ جمّة في إتمام عملية التسجيل، واللافت أن حوسبة التسجيل ونظام الحُزم كانت جامعة العلوم والتكنلوجيا الأولى التي تعتمد مثل هذه الآليات المتطورة، وهو الشيء الذي يُسجّل للدكتور الجراح ممّن تم تعيينه لاحقاً (عام 2004م) مساعداً لرئيس الجامعة و مديراً لمركز الحاسوب والمعلومات فيها، وليُحقق من خلال عمله هذا نقلة نوعية في منظومة التعليم المعتمدة وآليات إدارة الجامعة.

 

“حوسبة الجامعة”

ومن بين ما حققه آنذاك كما يوضح ” وضع خطة إستراتيجية لحوسبة الجامعة تم تنفيذها خلال شهور ثلاثة، ومن ثم بدأنا بإنشاء أكبر حرم لاسلكي في الشرق الأوسط، كما أطلقنا مبادرة حاسوب لكل طالب، وأصبح التسجيل ممكناً للطالب من أي مكان في العالم، ناهيك عن أننا طورنا البنية التحتية الحاسوبية في الجامعة، وعملنا على زيادة عوامل الأمن والحماية داخل الشبكة، وكما استحدثنا نظاماً للتخزين من خلال الإنترنت، وعملنا على حوسبة الإرشاد الأكاديمي، وتوحيد نظام الدخول للخدمات المُقدّمة للطلبة عبر الإنترنت”.

وتزامن عمل الدكتور الجراح في جامعة العلوم والتكنلوجيا مع اعتماده مستشاراً لمدير مستشفى الملك المؤسّس عبدالله الجامعي لشؤون الحوسبة، حيث عمل في حينه على إستكمال حوسبة نظام المعلومات الصحي للمستشفى. ولاحقاً تمّ تكليفه برئاسة لجنة جودة التعليم العالي في وزارة التعليم العالي، ومن ثمّ مستشاراً لوزيرها الدكتور خالد طوقان عام 2006م، حيث أشرف على وضع وتنفيذ خطة إستراتيجية لتوظيف التعليم الإلكتروني في التعليم العالي، في ذات الوقت الذي واصل خلاله عمله ببراعة وتفان في جامعة العلوم والتكنلوجيا، والتي تم ترقيته نائبا لرئيسها الدكتور وجيه عويس عام 2010م، وكان هذا أقل تقدير لمُنجزاته الكبيرة خلال السنوات السابقة وللصيت الحسن الذي جلبه للجامعة من خلال فوزه عام 2008م بجائزة الرواد والمبدعين العرب، وذلك عن براعته في تحويل حرم الجامعة لحرم رقمي.

 

“بوستر خاص للملك”

وينقل لنا الدكتور الجراح صورة مشرقة عن عمله نائباً لرئيس الجامعة،،، فيقول ” في تلك الفترة عملنا على تعزيز الريادة والإبداع في الجامعة من خلال التركيز على المشاريع الإبداعية، والتي اطلع عليها جلالة الملك عبدالله الثاني لدى زيارته للجامعة، حيث تشرفت بإعداد بوستر خاص له هو عبارة عن خارطة طريق عنوانها (الأردن الأذكى يبدأ من جامعة العلوم والتكنلوجيا الأذكى)، وبناء عليه قرر سيدنا إنشاء مركز لدعم المشاريع الإبداعية في الجامعة بكلفة (3,5) مليون دينار، وكانت هذه أفضل جائزة حصلت عليها في حياتي”.

عقب ذلك قاد الدكتور الجراح مبادرة النانو تكنلوجي في الجامعة، وأشرف على إنشاء مركز لها، قبل أن يعمل على تشكيل لجنة لحرم جامعي أذكى كان الهدف منها توفير إستهلاك الطاقة الكهربائية والمياة فيها. ومن ثم قاد مبادرة الحوسبة السحابيّة والخدمات الإبداعيّة بالتعاون مع شركة IBM، وكما أطلق مشروع تزويد الجامعة بالطاقة الكهربائية من خلال الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى توليه مسؤولية البحث العلمي والدراسات العليا الهندسية، وتكنلوجيا المعلومات.

“منجزات كثيرة في مدة قصيرة”

وكان من الطبيعيّ أن تلفت مُنجزات الدكتور الجراح السابق ذكرها الأنظار إليه لجهة جذبه في موقع آخر وبمنصب رئيس جامعة هذه المرة، حيث تولى أمر جامعة عمان العربية صيف العام الحالي 2014م، وليُحقق في مدة زمنية قياسية منجزات يُشار إليها بالبنان ومن بينها : تحقيق متطلبات الإعتماد العام، إعداد الخطة الإستراتيجية للجامعة للأعوام 2014م – 2017م، قبول 220 طالب جديد وهو من أكبر الأعداد في الجامعات الخاصة في ضوء نتائج الثانوية هذا العام، تسويق الجامعة وفق خطة تسويق في الصحف والمواقع الإلكترونية ووسائل الإتصال الإجتماعي والمشاركة في المعارض، إبراز الجامعة في المجتمع المحلي ولدى المؤسسات الخاصة والعامة والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية والنقابات والسفارات، استحداث ثمان تخصصات جديدة (خمسة برامج بكالوريوس وثلاثة ماجستير)، إعادة هيكلة كليات ودوائر الجامعة بما يحقق متطلبات القوانين والأنظمة والحاكميّة الرشيدة، إقرار تعليمات الهيئة التدريسية وإمتحانات المستوى والإنتهاء من إعداد نظام العاملين ونظام اللوازم والعطاءات، تفعيل مركز الإستشارات وتوقيع إتفاقيات تدريب ودبلوم مهني، جرد موجودات ومستودعات الجامعة وإعتماد إجراءات المشتريات، تنظيم وضبط المراسلات ونظام الديوان في الجامعة وتدريب رؤساء الدواوين والسكرتيرات، وضع وتنفيذ برنامج لبناء قدرات أعضاء هيئة التدريس، وضع خطة ودليل للجودة في العمليات التعليمية والإدارية”.

وأما أبرز الخطط المستقبلية التي يتطلع رئيس جامعة عمان العربية الدكتور عمر الجراح لتنفيذها فهي: توظيف التعلم الإلكتروني والإمتحانات الإلكترونية في خدمة العملية التعليمية، استكمال إنجاز الأنظمة والتعليمات في الجامعة، الحصول على شهادة الجودة في الإدارة والبرامج الأكاديمية، فتح كلية هندسة وعلوم طبية وزراعة – بناء مبنى إضافي، إستثمار المنطقة على الشارع العام وبناء مسجد، التوسع والتميز في برامج البكالوريوس والماجستير، فتح برامج الدكتوراة، تعزيز البحث العلمي في الجامعة، عقد إتفاقيات مع جامعات ومراكز بحثية عالمية، حوسبة الجامعة وبناء وتعزيز البنية التحتية المعلوماتية، إستغلال الطاقة الشمسية في تخفيض فاتورة الكهرباء، بناء بيئة جامعية جاذبة ذكية تتوفر فيها كافة المرافق التعليمية والتقنية والترفيهية.

 

 

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى