بيت النار بيت المجوس

موفق محادين

ماذا عن بيت النار أو بيت المجوس، الذي يقاربه بعضهم على نحو بسيط أو بإسقاطات سياسية غالبا لا يدرك كنهها:

-1- من المفهوم أن بيت النار أو بيت المجوس شديد الصلة بديانات فارسية قديمة هي الزرادشتية والمجوسية ثم المانوية.

وعلى خلاف ما هو شائع، فإن الزرادشتية لا تعترف بإلهين بل بإله واحد، هو أهورا مزدا، دون أن توازيه قوة الشر “أهريمان” ويعني أهورامزدا باللغة الإله الخالق الواحد الأحد، كما تؤدي الزرادشتية مع الوضوء بالماء عدة صلوات “ركوعا وسجودا” بين مطلع الشمس ومغربها.

-2- أما حكاية النار فهي أشبه بالشفيع أو الطوطم أو الوسيط مع الخالق، أهورا مزدا.

وحيث تظهر النار للعيان عند العامة والبسطاء، فإن مغزاها العميق عند “العارفين” والكهنة يكمن في بعدها غير المرئي وهو ما ترمز له من طاقة يسارية في الوجود.

ويشار هنا إلى أن المصريين في عهد أمنحوتب الرابع المعروف بأخناتون قد سبقوا الفرس في استكناه هذه الدلالة للنار بوصفها التعبير “المقدس” عن التجلي للإله الأعظم وصورته المتعينة، الشمس.

وبهذا، لا تقتصر النار ودلالتها على الفرس القدامى والمجوس، فهي حاضرة عند كل الشعوب والجماعات القديمة المتحضرة، كما عند المصريين والرومان، وكما عند اليونان ولا سيما في مرحلة الفلسفة الكبرى.

ويشار هنا إلى جدل العلاقة الوثيقة بين النار والعقل، إذ يشتركان في خصائص عديدة في الحياة والطبيعة على حد سواء.

فهما رمز للمعرفة والخصب والقوة، الأول، العقل، بدلالته المعرفية، سواء كان عقلا كليا ومفارقا أو محايثا “اللوغوس والنوس” أو كان عقلا بالقوة أو بالفعل.

وكذلك النار، التي أصبحت مبدأ فاعلا كما يقول الرواقيون، بالإضافة لما تنطوي عليه من دلالات تطهرية.

بالعودة إلى بيت النار، أو بيت المجوس الذي يربطه بعضهم بالفرس أيضا، فتعود فكرته إلى صعوبة إشعال النار عند الجماعات القروية القديمة مما استدعى وجود بيت مركزي للنار في كل قرية أو بلدة يشرف عليه خادم زرادشتي، وذلك لغايات توزيع النار على الفلاحين عبر مشاعل خاصة “توازي علب الكبريت أو القداحات”.

فكان الفلاحون يتوافدون على البيت للحصول على مشعل لأغراض الطهي أو الدفء أو الدفاع عن النفس… إلخ.

زر الذهاب إلى الأعلى