ليس حلا

جهاد المنسي

جاء توقيف نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين زكي بني ارشيد، ليفتح صفحة ملتبسة في طبيعة العلاقة بين الحكومة والجماعة، التي وجدت في المملكة منذ أربعينيات القرن الماضي، منصة انطلاق لها، ورعاية، كانت تتوتر أحيانا، وتتوافق أحايين أخرى.
التوقيف، بعيدا عن كل المبررات التي قيلت بشأنه، جاء ليفتح سلسلة توقعات مختلفة، حول مبرراته، وتوقيته، والهدف منه، والرسالة المراد توصيلها للجماعة، وربما لجهات أخرى، جراء ذلك.
الواضح أن اعتقال رجل، بحجم بني ارشيد، ليس صدفة، وغير عبثي، والقرار صدر بعد دراسة كما يبدو، خاصة أن الجميع يعرفون الرجل، وموقعه في الجماعة، ودوره فيها، وما يمكن ان يفتح الاعتقال من تصعيد متوقع، وما يتبعه من مواقف من الطرف الآخر.
الحكومة قالت وبررت كثيرا سبب الاعتقال، واستحضرت مواد قانونية، خالفها بني ارشيد في تصريحاته المختلفة، والتي اتهم فيها بأنه “يعكر صفو العلاقة مع دولة  صديقة”، بيد أن كل ذلك لا يخفي حقيقة، أنه يراد من هذا التوقيف توصيل رسالة أكثر من واضحة للجماعة، قد يكون ملخصها هو القول إن “اليوم بات مختلفا عن الأمس”، والجماعة أصبحت تحت النظر، ولا يمكن السكوت عن تصرفات، تعتبرها الحكومة، تؤثر على علاقاتها العربية والإقليمية، وعلى الدولة بشكل عام.
ما جرى أصبح واضحا وجليا، واليوم ليس أمس، وربما يوم غد مختلف أيضا، فمن يقول إن ما جرى ليلة الخميس ليس تصعيدا، مخطئ، ويبتعد عن تشخيص الواقع الجديد، وما يجري في المنطقة حولنا، والتطورات المختلفة في الإقليم، وما يمور به من اصطفافات فرضتها هذه التطورات، خاصة التقلبات التي جرت، سواء في مصر أو سورية والعراق، وحتى في دول الخليج العربي، التي شهدت حالة انقسام غير مسبوقة جراء ما جرى في الإقليم.
دعونا نتفق، كنا في الأردن نفخر بأن حرية القول والكلام لدينا مصونة، ونرى في أنفسنا مختلفين عن دول الجوار، في احترام حق الفرد في الكلام والكتابة، ولكن هذا لم يمنعنا من المطالبة بحريات أوسع وأشمل، وبالمزيد من الديمقراطية، باعتبار أن الحريات أساس بناء الدولة المدنية، وأن توسيع هامش الحرية المسؤولة، يأتي في المقام الأول، لأية دولة ديمقراطية، تسعى للإصلاح والحرية والديمقراطية والمواطنة.
ذلك لم يمنع وجود انتكاسات متفاوتة في المسيرة الديمقراطية، التي بدأت تأخذ وتيرة إيجابية منذ بدايات تسعينيات القرن الماضي، فكنا نشهد حالة مد إيجابية، وحالات شد في بعض المفاصل، ورغم كل ذلك، فقد حافظنا على وتيرة جيدة، في الحريات العامة واحترام حقوق الانسان. 
بطبيعة الحال، كان المجتمع المدني، أفرادا وأحزابا ونقابات، يأمل ويطالب بتعزيز الدولة المدنية والحريات العامة، والطرف الآخر كان يرى أن ما جرى ايجابي، ويستحق الثناء، ولكن التباين في وجهات النظر لم يدخِل الدولة (حكومة ومؤسسات، واحزابا) في عراك حاد، وتناطح سلبي، ولم نصل يوما حدّ لي الذراع الشديد، بين أطراف المعادلة، وحرص الجميع على عدم الوصول لذلك.
في هذه المرحلة الحساسة يتوجب على الجميع، وعلى كل الأطراف، الجلوس إلى طاولة حوار، أساسها الحفاظ على الأردن، القوي المنيع.

زر الذهاب إلى الأعلى