“الدعم أصبح بلا معنى”!

لا يمكن فهم السلوك الحكومي ومثله سلوك القطاع الخاص تجاه الأردنيين بعد هبوط اسعار النفط عالميا الا في سياق مصلحة الحكومة والشركات بعيدا عن مدى انعكاس هذا الهبوط السعري على واقع معيشة الأردنيين لا سيما الفقراء منهم.
الحكومة ارتأت ان دعم المشتقات النفطية اليوم “اصبح بلا معنى” وهذه العبارة تنطوي على خداع يمكن تفنيده، ففي الوقت الذي تحقق فيه وفرا للموازنة بحجم 180 مليون دينار بسبب انخفاض اسعار البترول الى 80 دولارا للبرميل فان اي انخفاض بمقدار 5 دولارات سيعني توفير 20 مليون دينار سنويا للموازنة، وفي المقابل يقول محافظ البنك المركزي الدكتور زياد فريز ان الحكومة خسرت 100 مليون دينار بسبب هبوط الاسعار الى 80 دولارا وذلك من الضريبة التي كانت تفرضها على البنزين اوكتان بصنفيه 90 و95. وبالمجمل فإن الوفر-  وفقا للارقام الحكومية – يشكل ضعف ما فقدته الخزينة من ضرائب على البنزين، فالمسألة رابحة بالنسبة للحكومة ومرشحة لمزيد من الارباح باعتبار ان سعر النفط في انخفاض على مستوى عالمي.
ويتمحور الخداع باشكال مختلفة من جهة القطاعين العام والخاص، فالحكومة تربح من الانخفاض بينما دعم المشتقات النفطية في الموازنة يبلغ 210 ملايين دينار فقط، فاذا الغي هذا الدعم فالى اين سيذهب هذا المبلغ؟ واهم من ذلك علينا ان نجيب، هل انخفض سعر اسطوانة الغاز التي يستخدمها جل الاردنيين في تدفئة بيوتهم خلال فصل الشتاء حتى تقول الحكومة “ان الدعم اصبح بلا معنى”؟  حتى النسبة التي انخفضت على اسعار المشتقات النفطية مؤخرا جاءت بما يتراوح بين 5 % واقل من 7 % وهذا يعني ان الهبوط المتدرج على اسعار النفط لم ينعكس فعليا في اسعار المشتقات لدينا، وظلت آلية تسعير المحروقات وفقا للنقل والتخزين والسعر العالمي سرا يصعب التنبؤ بتفاصيله، لكن تلك التفاصيل تأتي حتما على حساب المواطن الذي فقد كل قدراته في التكيف مع غلاء الاسعار.
 وفي المحصلة لم تتكبد الحكومة أي خسائر تذكر حتى تلغي الدعم، وهي كذلك مستفيدة من انخفاض الاسعار عالميا، فلماذا “تنتقم” من المستهلك الذي لم يلحظ تغييرا جذريا رغم تدني الاسعار في بورصة النفط العالمية، واذا نظرنا الى فصل الشتاء بعين أخرى فإن توقيت الغاء الدعم اليوم يأتي سلبيا على مئات الالاف من الاسر التي لا تملك الكثير في مواجهة البرد والفقر.
ومثل الحكومة ايضا، يقف القطاع الخاص موقفا سلبيا من هبوط اسعار النفط  على مستوى عالمي، فسلة واسعة من اسعار السلع والخدمات سجلت ارتفاعات قياسية في الفترة السابقة عندما كسر سعر برميل النفط حاجز 100 دولار صعودا، وتسابق رجال الاعمال والصناعيين والمستوردين الى رفع اسعار منتجاتهم بدعوى ارتفاع كلفة الطاقة على سلعهم ومنتجاتهم، وحتى اليوم ما تزال هذه السلع على حالها السعرية المرتفعة، ولم يتغير في اسعارها شيء بالاتجاه الهبوطي بعد انخفاض اسعار النفط ، فاين المنطق – بل وحتى الاخلاق – في ان يبقي القطاع الخاص على اسعار سلع وخدمات مرتفعة بدعوى ارتفاع اسعار النفط قبل عام، وعندما يفقد سعر البترول عالميا ما يقارب 40 % من اسعاره السابقة خلال نصف عام لا تتغير الاسعار محليا وتبقى مرتفعة بالنسبة للمستهلك الاردني، اي معادلة تلك؟!
الصوت القادم من الكرك  قبل ايام بخصوص انتقاد الفاعليات الحزبية والشعبية هناك لقرار وقف الدعم النقدي للمحروقات جدير بأن نستمع اليه، فأصحاب الدخول المتدنية وكذلك الفقراء لم يشهدوا تحولات نوعية في الاسعار من حولهم حتى تنحاز الحكومة الى مقولة إن “الدعم أصبح بلا معنى”، وفي النتيجة تتصرف الحكومة ومثلها الشركات على نحو مصلحي ضيق لا مكان فيه لمصلحة المواطن.

زر الذهاب إلى الأعلى