حرب استقلال الطاقة

جمانة غنيمات

ربما كان الأولى بالشخصيات الأردنية التي وقعت على عريضة رُفعت لجلالة الملك، وتطالب بوقف العمل بالمشروع النووي فورا وقبل فوات الأوان، إنقاذا للبلاد والعباد من شرور هذا المشروع برأيهم، أن يصروا أيضا على عدم استيراد الغاز الإسرائيلي، تجنبا لمخاطره الجيوسياسية التي ترهن حاضر البلد ومستقبله بالعدو المحتل.
لكن الظاهر أن هذه الشخصيات الثلاثمائة، لا ترى خطرا إلا في المشروع النووي الوطني، الذي يعطي الأمل بأن يصبح الأردن يوما بلدا مستقلا في مصادر طاقته، وبالتالي تحقيق استقراره الاقتصادي شرطاً رئيساً للتنمية الحقيقية الشاملة.
أياً يكن، تبقى فكرة إنشاء المفاعلات النووية خلافية في العالم أجمع؛ فمقابل من يؤمن بها، ثمة من يخالفها، ولكل أسبابه المنطقية والمعقولة.
عند الحديث عن البرنامج النووي، يتشعب الحديث إلى إنشاء المفاعلات واليورانيوم المستخدم في تشغيلها. والخلاف حول المفاعل النووي مهم وضروري، لفرض مزيد من معايير السلامة في تطبيق المشروع. ومن ثم، يبقى الاختلاف صحيا، طالما ابتعد عن التخندق والاتهام والتخوين، والتزم حدود المصلحة الوطنية الأردنية. لكن، وصل الخلاف، مثلاً، في الحالة الأردنية، حد التشكيك بكميات اليورانيوم في المملكة، بعكس ما تثبته الدراسات والمسوحات. إذ يتمسك المناوئون للمشروع بنتائج شركة “أريفا” الفرنسية التي قلصت التقديرات بهذا الخصوص، رافضين كل نتائج جديدة تفند ما توصلت له الشركة الفرنسية.
هيئة الطاقة الذرية فعلت ما عليها، فقدمت إجاباتها عن الأسئلة الحساسة التي يمضي المعارضون في طرحها لقتل المضي بالفكرة.
من هذه الأسئلة مصادر المياه التي يحتاجها المشروع، والتي تقدر بحوالي 40 مليون متر مكعب. وقد أكدت الهيئة أن وزارة المياه قادرة على توفيرها من مياه الصرف الصحي التي يتوفر منها الآن، بحسب الأرقام الرسمية، 130 مليون متر مكعب، فيما يتوقع أن تزداد الكميات بحلول العام 2020 إلى نحو 200 مليون متر مكعب.
أما بشأن سؤال التخلص من النفايات النووية، فإنه سيُصار إلى تصديرها إلى روسيا، وفقاً لما تتضمنه الاتفاقية الموقعة بين الطرفين بالأحرف الأولى، والموجودة حالياً لدى مجلس الوزراء لإقرارها.
وحتى لا يشكك البعض بالمعلومة، وللتوضيح فقط، فقد وافقت روسيا على هذا الخيار للاستفادة من النفايات النووية في إنتاج الوقود النووي. فهذه النفايات مادة استراتيجية، تصنف كوقود نووي يستخدم لأغراض عسكرية، بحيث يتم استخلاص المادة القابلة للانشطار منها، ويعاد تصنيعها وقودا نوويا يحرق في نفس المفاعل.
أما السؤال الأهم، فيرتبط بالحصول على التمويل الضخم للمشروع. وقد وافق الروس على تمويل 49 % من قيمة المشروع، فيما يسعى الأردن إلى استقطاب الصين لنفس الغاية، بعد أن تراجعت دول عربية عن وعودها بهذا الخصوص. 
في الأردن ليس لدينا نفط أو غاز، لكننا نمتلك اليورانيوم الذي يؤهل الأردن لأن يكون مصدرا لهذه المادة الاستراتيجية لدول المنطقة، إن لم يكن للعالم خلال العشرين سنة المقبلة، لاسيما وأن هيئة الطاقة الذرية بدأت تدرج في كتبها الرسمية معلومات حول اليورانيوم الأردني، واحتياطاته.
وقد خاض رئيس الهيئة د.خالد طوقان، والمؤمنون بالمشروع، معارك لم تتوقف، وتعرضوا لهجوم متكرر لا يتوقف. وبصراحة، فإنني لا أجد منفعة شخصية لأي منهم لخوض مثل هذه المعارك، إلا الإيمان بالفكرة، وتحقيقا لمصلحة وطنية.
الوقوف بوجه الأردن في سعيه لأن يصبح بلدا يحقق أمنه الطاقوي، هو أمر يصب حتماً، وبافتراض كل حسن النوايا، في مشروع إبقاء دول المنطقة ضعيفة معتمدة على غيرها، مع كل التبعات الخطيرة لذلك. كما أنه يخدم مخطط تقسيم المنطقة إلى “كانتونات” طائفية عشائرية متحاربة. 
الوقوف في وجه الغاز الإسرائيلي، وتأييد المشروع النووي الوطني، يشكلان حرب استقلال الطاقة، وخلاص الأردن من التبعية للغير.

زر الذهاب إلى الأعلى