محللون: بغض أميركا للأسد لا يعني رحيله

 فيما يرى مراقبون تحولات، غير معلنة بعد في الإعلام، في الوجهة الأميركية، نحو عملية سياسية في سورية، يفيد محللون أن من ضمن هذه التحولات التي يجري “طبخها في الكواليس حاليا”، أن “أميركا لم تعد تشترط تنحي الرئيس السوري بشار الأسد كبداية للعملية السياسية، رغم أنها ليست سعيدة بوجوده”.
وفي الوقت، الذي أثار فيه تصريح جلالة الملك عبدالله الثاني، بأن “عملية دعم الوصول إلى حل سياسي في سورية، ماضية في طريقها”، فضول مراقبين، وجعلهم يتساءلون إن كان هناك عملية “جارية خلف الكواليس حاليا”، للدفع باتجاه حل سياسي لهذه الأزمة، لم يتفاجأ محللون، واعتبروا أن التوجه الواضح الآن يصب باتجاه ما أشار إليه الملك.  
وكانت تصريحات الملك هذه، جاءت بعيد قمة جمعته بالرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض الجمعة الماضي، وقال فيها ان الأردن واميركا “ملتزمان، وعلى مدى طويل، في دعم الوصول إلى حل سياسي شامل للأزمة السورية، والعملية ماضية في طريقها”، مضيفا انه والرئيس اوباما “خصصا جزءا من نقاشاتهما حول كيفية التقدم في هذا المجال”.
من جانبه، ونقلا عن مصادر أميركية التقاها مؤخرا، أكد الكاتب والمحلل السياسي عريب الرنتاوي لـ”الغد”، أن الوجهة الأميركية تتجه نحو دفع عملية سياسية في سورية، وانهم لم يعودوا “يشترطون تنحي الأسد، كبداية للعملية، رغم انهم ليسوا سعداء به، ولكنهم حاولوا لأربع سنوات بلا فائدة”.
وزاد الرنتاوي أن الأميركان أصبحت لديهم قناعة، بأن الاصرار على هذا المطلب، قد يفضي لانهيار الدولة السورية، وسيمكّن “داعش” وجبهة النصرة من السيطرة على سورية، بما أن الثقة بالمعارضة المعتدلة مهزوزة للغاية. واستشهد، في هذا السياق، بما قاله رئيس الائتلاف الوطني السوري هادي البحرة، قبل أيام، من أن “تدريب المعارضة المعتدلة تأجل لغاية آذار (مارس) المقبل”.
وبرأي الرنتاوي، فان “الأميركان قد انتبهوا حديثا لخطأ استبعاد ايران عن مؤتمر جنيف 2″، وبالتالي فان “اي عملية سياسية قادمة ستقوم اميركا باشراك ايران وروسيا فيها”، كما ان “الادارة الأميركية تنتظر الآن بشكل جدي، مصير المباحثات مع ايران”.
وكما يوجد “تفاهم روسي أميركي حول ترتيب لقاءات بين المعارضة السورية المختلفة، ولقاءات أخرى بين المعارضة والنظام”، ما يشي، بتغييرات في الموقف الأميركي، ويشي بأن “الوجهة الدولية تتجه نحو الحل السياسي، ونحو جمع كل الأطراف، سواء على المستوى الاقليمي، من خلال تركيا ومصر وايران والسعودية، او على المستوى العالمي عبر اميركا والصين وروسيا”.
ورغم تأكيد مدير مركز القدس للدراسات الرنتاوي، على وجود تعقيدات حول هذا الأمر، لأن بعض حلفاء اميركا، مثل اسرائيل وتركيا “غير راضين” عن مثل هذه التوجهات، إلا أن “الوجهة تتجه نحو عملية سياسية، لعدم وجود ارتياح اميركي، لأداء الرياض وأنقرة بخصوص الأزمة السورية، كما يوجد اهتمام اميركي عالي الوتيرة بانجاز الاتفاق مع ايران حول البرنامج النووي”. 
وحول النية لتسليح وتدريب المعارضة السورية، يرى الرنتاوي انه، حتى مع وجود تلك النية، ولو انهم “سلحوا المعارضة فسيكون ذلك بغرض محاربة “داعش” ولتحسين شروط اي اتفاق مع النظام، وليس لإسقاطه، فالأميركان واضحون في هذا الشأن، في أن أولويتهم الكبرى الآن هي داعش”.
وكان جلالة الملك، أكد في مقابلة أجراها معه الإعلامي الأميركي تشارلي روز، وبثتها شبكة “بي بي أس” اول من امس، ان “الحل لن يكون سريعا في سورية، وأي شخص يعتقد أنه سيكون كذلك لا يعلم طبيعة الوضع”. 
وتابع جلالته انه “لكي تفهم الأمر، فإن تعقيدات الوضع في سورية تشتمل على قضيتين، أولاهما أن هناك فعليا حربين، ما يعقد النقاش حول سورية. فهناك الحرب من أجل تغيير النظام في سورية في غربها، وهناك الحرب ضد “داعش” في شرقها. وعليه، لا بد من حل المشكلتين في آن واحد. وهذا جزء من المشكلة”.
وردا على سؤال حول تعقيدات المشهد السوري، قال جلالته انه “في نهاية المطاف لا بد من حل سياسي، وان ما يحاول العديد منا التوصل له هو كيفية دفع المعارضة المعتدلة، بعد تعريف ما هي المعارضة المعتدلة، إلى طاولة الحوار مع النظام، لإيجاد حل سياسي، وأنا منذ عامين قد توصلت لقناعة مفادها أنه كلما ازداد دعم المعارضة، تأتي أطراف أخرى وتدعم النظام بالزخم نفسه، وإذا ما استمر هذا الحال، فإن سورية سوف تتحول إلى دولة غير مستقرة بالمطلق، ولا يستفيد من الفوضى العارمة إلا المتطرفون”. 
وحول الدور الروسي، قال جلالته “ان كنا نريد أن نخرج سورية إلى النور، فإن الطريقة الوحيدة لفعل ذلك هي من خلال إيجاد حل سياسي. والمشكلة التي تقع في قلب كل هذا هي مستقبل النظام في سورية. لذا كيف يمكننا تجاوز هذه المعضلة؟ ومن وجهة نظري، فإن الروس يلعبون دورا مهما، لأنهم في نهاية المطاف من سيلعب دور الضامن والحامي لمستقبل وسلامة العلويين الذين يعدون جزءا مهما من ديناميات الواقع السوري. وأعتقد أننا إن سلكنا طريق المسار السياسي، فإن الروس قد يشاركون ويساعدونا على تحقيق حل سياسي”.
وتعقيبا على هذا، قدّر الكاتب والباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية الدكتور محمد أبو رمان أن “العملية القائمة حاليا معقدة ومتوقفة، ولا يوجد آفاق حقيقية منظورة إلى الآن لاستئناف “جنيف 2″، والوصول إلى صفقة لشركاء إقليميين ودوليين، وما زال هناك تباين كبير في موقف أميركا وروسيا على الأقل، بشكل معلن، حول مصير الأسد”.
واعتبر أبو رمان في حديثه لـ”الغد” أمس، أن الملك ربما يتحدث عن تصورات جديدة، قد ترى النور قريبا، واضح انه يتحدث عن أهمية العمل السياسي، الذي يقوم برأي جلالته، على محاور أساسية.
ويوضح أبو رمان هذه المحاور بقوله “أولها هو مفهوم الصفقة بين المعارضة المعتدلة والنظام السوري، بعد تعريف كلمة معتدلة، واقناع المعارضة السورية بأهمية الجلوس على طاولة المفاوضات، للوصول الى حلول انتقالية، وهذا يعني استبعاد نظرية القضاء، وانهيار النظام وأعتقد أن هذا ما بدأت تتحدث عنه بعض مراكز التفكير، في واشنطن مؤخراً، وهو ما تحدث عنه الملك في مقابلته عندما قرر أن الأولوية في الصراع هي لداعش”.
أما المحور الثاني فهو “الدور الروسي وأهميته، وواضح أن الملك لديه تصور كامل، وكشف فقط عن بعض أجزائه، وتحدث عن موضوع مهم وهو أهمية الروس كضامن لسلامة وأمن الطائفة العلوية في سورية، وهذا يستبطن جوانب أخرى لهذا التصور، ولهذا الحل الذي لايزال يتم إعداده”.
ما يتحدث عنه الملك هو “ليس ما توقفت عنده جنيف 2، بل هو مبني على تحولات حديثة في سورية والعراق، وتحديدا بروز “داعش” والحديث عن حرب عالمية ثالثة ضد الإرهاب”. ويلتقط الملك في هذا الأمر التحول غير المعلن في الموقف الأميركي تجاه النظام السوري وإيران.
وقد أشارت منظمات اميركية، وتقرير صدر مؤخرا عن مؤسسة راند الأميركية، إلى هذا التحول، وهو التقرير الذي قرر بوضوح ان سيناريو بقاء الأسد افضل من سيناريو انهيار نظامه.
وختم أبو رمان بقوله “برأيي اليوم هناك أمور غير معلنة، تجري، وتحولات غير واضحة للإعلام، لكنها مرتبطة بما يجري على أرض الواقع، ومن المؤشرات عليها رسالة أوباما لخامنئي، واستقالة وزير الدفاع الأميركي تشك هيغل، لأنه يرى أن الضربات الجوية تقوّي الأسد ضد المعارضة وكان مع إزالة الأسد”.

زر الذهاب إلى الأعلى