مسؤول أمني كبير سابق يكشف ما يحدث في ليل عمان
كشف مدير الشرطة السياحية الأسبق العميد المتقاعد زهدي جانبك، عن جزء بسيط من مشكلة “الخاوات والإتاوات” وكيف يخرج الخارجون على القانون من السجون بسبب تقاطع المصالح.
وروى جانبك قصة حدثت معه إبان تسلمه إدارة الشرطة السياحية عام 2011 قائلا: “هكذا تتم الأمور في ليل عمان المظلم”، مؤكدا أن ماحدث معه ما زال مستمرا.
وأشار جانبك إلى عصابات تعمل بشكل منظم بفرض الخاوات على الاندية الليلية، حيث يسيطر على هذا القطاع 8 اشخاص يتقاسمون النفوذ على 108 منشآت سياحية ويصل معدل دخل كل منهم إلى 80 ألف دينار شهريا يأخذونها مقابل ضمان عدم تعرض الأندية الليلية التي تقع تحت حمايتهم إلى اعتداءات.
وتاليا قصة جانبك:
بدون مقدمات، اتصل بي مالك احد المطاعم السياحية (الأندية الليلية) وطلب مقابلتي عام 2011 وكنت وقتها مديرا للشرطة السياحية…
عند حضوره قدم لي دراسة مكتوبة حول النوادي الليلية في عمان أوضح من خلالها ان مقدار ما تدفعه هذه النوادي من خاوات يبلغ ثمانية ملايين دينار… وكان عدد المؤسسات التي تمارس عمل الأندية الليلية حينها 108 منشآت سياحية (المرخصة منها رسميا كبار او ملهى ليلي 68 منشأة)، والباقي يمارس عمل النادي الليلي بترخيص مطعم.
في لغة اهل الليل والخاوات، كان يطلق على الازعر الذي يحرس النادي الليلي لقب الباب، وكانت كلمة الباب تستعمل في ميزانية النادي لتغطية تكاليف المبلغ المدفوع خاوة (كلمة ترمز إلى مقدار المبلغ المدفوع خاوة للمحافظة على سلامة النادي) وكانت تكلفته من ثلاثة آلاف إلى عشرة آلاف دينار شهريا، حسب موقع وعمل النادي الليلي.
حرب النفوذ:
حصرت الدراسة المكتوبة التي قدمها ابو احمد عدد الفتوات (الزعران الكبار) الذين يسيطرون على هذا القطاع بـ 8 أشخاص رئيسيين يتقاسمون النفوذ على هذه الأندية… ومعدل دخل كل منهم 80 ألف دينار شهريا يأخذونها مقابل ضمان عدم تعرض الأندية الليلية التي تقع تحت حمايتهم إلى اعتداءات.
حرب الليل:
الاعتداءات التي تتعرض لها الأندية الليلية تتراوح بين إطلاق نار على النادي من الخارج. دخول النادي وتكسير محتوياته وإطلاق نار داخله، الاعتداء على بعض العاملات في النادي بسبب هروبها من نادي إلى آخر… الاعتداء على مدير النادي او مالكه (اعتداء خفيف)…
وكانت جميع هذه الاعتداءات تتم لفرض دفع الخاوة على المالك…
اما الاعتداءات الأخطر والحرب الحقيقية فكانت تلك التي تجري بين الزعران الكبار لفرض سيطرتهم على مناطقهم او إخراج منافسهم من المنطقة… وهذه الحرب ادت إلى ثلاث جرائم قتل… ومئات حالات الإصابة بعيارات نارية او جروح بمشرط او شفرة او سكين…
التنظيم والمصاريف:
هذه المبالغ الضخمة كان يتم صرفها لشراء أسلحة نارية وغيرها (مخدرات للصبيان)… شراء سيارات… دفع رواتب الزعران الصغار (اللي بداوموا فعلا على ابواب المحلات)… دفع رواتب لعائلات الزعران الذين يتم سجنهم لأنهم اعترفوا بجريمة لم يرتكبوها وإنما قام بها المعلم الكبير تبعه… مصاريف محاماة وكفالات… وفي أحوال قليلة شراء او بناء منزل للمعلم… شراء او انشاء نادي ليلي للمعلم…
وفي بعض الأحوال كان يتم تهديد مالك النادي الليلي وانتزاع ملكية النادي منه واجباره على التنازل عنه (بيع شراء صوري)…
بعد الاطلاع على هذه الدراسة، طلبت من هذا الشخص تقديم شكوى شخصية… فرفض لانه يخاف منهم على حياته وحياة عائلته وسلامة سيارته وبيته (خوفا من الحرق)….
لجأت إلى لجنة السياحة وطلبت إشراك الشرطة السياحية باللجنة الامنية واللجنة المشتركة للتفتيش على المنشآت السياحية ليلا ونهارا… ثم طلبت إلزام الأندية الليلية بتركيب كميرات مراقبة تغطي المداخل والمخارج وكافة المساحات الداخلية… وتم البدء بتنفيذ ذلك…
نتيجة لذلك حصلنا على ادلة مصورة (فيديو) لأربعة اعتداءات على الأندية الليلية قام بها احد الفتوات مع 17 ازعر من صبيانه…
قمت بتكليف رئيس قسم أمن الفنادق بتحديد هوية كل واحد منهم، ورصدهم، وتحديد ساعة الصفر للقبض عليهم جميعا… وتم ذلك في ليلة اسميناها “ليلة القبض على الـ 17″… كانت التعليمات التي أصدرتها لفرق المداهمة وإلقاء القبض تنص على استخدام القوة وحماية أفراد الفريق والمحافظة على سلامتهم.. و.. سحب جميع تسجيلات الكاميرات التي توثق عملية إلقاء القبض… وتم ذلك باستثناء موقع واحد (نادي واحد) كان لديه جهاز احتياط يسجل نسخة ثانية…
هذا النادي كان يملكه و/او يديره احد اقطاب المواقع الاعلامية… وفي ليلة المداهمة كان يسهر في النادي قريب لاحد كبار المسؤولين… فلجؤوا اليه لايصال فيديو عملية مداهمة النادي إلى مدير الأمن العام حينها لتقديم شكوى ضدي…
تم استدعائي من قبل مدير الأمن العام… فاخذت معي اشرطة الفيديو التي توثق عمليات الاعتداء التي قام بها الزعران على الأندية الليلية…
سألني الباشا: لماذا يقوم ضباط الشرطة السياحية بمهاجمة مطعم سياحي بهذا الشكل… قلت: هو ليس مطعم واحد… بل خمسة أندية ليلية التي داهمناها للقبض على زعران… واعطيته فيديو الاعتداء على الأندية.
ولدى مشاهدته قال: هذول الزعران لازم ينجابوا… قلت: تم ذلك باشا… قال: وينهم؟ قلت بنظارة مركز أمن الشميساني… نهض عن مقعده وقال تعال معي… ركبنا سيارته وتوجهنا إلى مركز أمن الشميساني… تم إحضار الموقوفين امامه واسمعهم ما لم يقله مالك في الخمر…
سألني: ماذا ستفعل بهم؟ قلت : محكمة أمن الدولة…. فاتصل فورا برئيس المحكمة واخذ لي موعدا معه… شرحت لرئيس المحكمة الموضوع، واعطيته نسخة من فيديو الاعتداءات… وتم توقيفهم…
وتم استدعاء صاحب النادي لتقديم شكوى وتم ذلك… استمر التوقيف لأكثر من شهرين… ثم جاءني المشتكي وابلغني بأنه سيسحب شكواه… هددته ان فعل ذلك فإنني ساغلق نواديه الليلية الثلاثة… وتحت ضغط مني أجلنا تنازله عن شكواه لمدة شهر… ثم جاءني مرة أخرى…
قال: سيقتلوني ويقتلوا أولادي.
قلت: لن يقل حكمهم عن خمس سنوات سجن.
قال: وبعدها؟
قلت: المحافظ وربط بكفالات.
قال : وبعدها؟
قلت انتهى موضوعهم…
قال: وتنتهي حياتي… ولن استفيد من كل هذه الأمور…. واكمل بأنه سيقوم بالتنازل عن شكواه والصلح معهم….
كان قد مر على توقيفهم ما يقارب 3 شهور وأكثر… وتم الصلح معهم وهم في السجن… شريطة ان يقوم المشتكي بدفع 30 الف دينار لكبيرهم مقابل مدة سجنهم (عطل وضرر)… ووافق على دفع المبلغ… وأخرج الزعران من السجن…
هكذا تتم الأمور في ليل عمان المظلم… وهذا الأمر ما زال مستمرا… ويمكنكم الرجوع إلى يوتيوب لمشاهدة عمليات الاعتداء وإطلاق النار على أشخاص وعلى أندية ليلية بعمان وآخرها كان بنهاية عام 2019….
هذا جزء بسيط من مشكلة الخاوات وتقاطع المصالح… وسأكتب لكم وجهة نظري بالحلول في الادراج المقبل.
نقلا عن الزميلة “عمون”