وجها لوجه مع الضغوطات

ماهر أبو طير

ضغط التغيرات على حياة الناس، واذا كانت النصيحة المعتادة للناس هنا بمزيد من التقشف والتدبر فإنها نصيحة لا تصمد امام قلة السيولة اساسا في يدهم، فمن اين يتدبرون المال اصلا؟

خلال فترة قصيرة سنكون وجها لوجه مع ضغوطات أساسية صعبة وليست سهلة، تؤدي إلى زيادة الالتزامات الشهرية، من بينها ارتفاع سعر الوقود الذي سترفعه الحكومة مجددا نهاية الشهر الحالي، وهي التي أعلنت سابقا عن نيتها بالرفع المتدرج، وما يعنيه رفع الوقود من تأثير على قطاع النقل، وايصال السلع والبضائع والمنتجات، ثم ارتفاع الاسعار العالمي للمنتجات من الاغذية والأدوية وغير ذلك بسبب الغلاء العالمي، ومشاكل التوريد، والشحن، والظروف العالمية، يضاف الى ذلك اي التزامات بسبب مديونية الافراد، وسدادهم لأي اقساط تترتب عليهم لأي طرف كان.

هذا يعني في المحصلة رقما ماليا سوف يترتب بالإجمالي على كل فرد، شهريا، وربما يلمس الناس منذ هذه الايام، الفروقات في الانفاق، وعدم كفاية المال في ايديهم لسداد كل هذه الالتزامات، وهم الذين كانوا يعانون من العجز المالي قبل هذه الظروف المستجدة التي تعبر الأردن والعالم.

لا يوجد حل لدى الحكومة، ولا لدى غيرها، لأن الخزينة ذاتها مدينة، والعجوزات ترتفع، واللافت للانتباه هنا ان الارقام المالية لقطاعات محددة تقول انها تتطور وتنمو وتزيد مبيعاتها، في الوقت الذي زادت فيه تحصيلات الضريبة وهذه ارقام تتعلق بالوضع الاجمالي او الكلي، لكن على مستوى الافراد، هناك معاناة واسعة سوف تشتد خلال الفترة المقبلة، وبشكل متدرج سيلمسه الجميع.

هذه الحالة ليست حكرا على الأردن، وهذا الكلام ليس تبريرا للوضع القائم هنا، اذ مثلا ارتفع سعر كيلو الخبز في الضفة الغربية من خمسة وسبعين قرشا اردنيا الى دينار، والغلاء يجتاح كل شيء، من الخضار الى الفواكه، وسعر الدجاج وغير ذلك، والامر ينسحب على دول مختلفة، التي باتت تجاهر علنا بمشاكل التضخم كما في المانيا والولايات المتحددة، والمخاوف من عدم قدرة اقتصادات عالمية على الصمود امام هذه التغيرات الجارفة التي تعصف بالاقتصاد العالمي.

نحن على مستوى الافراد نبدو في حالة استسلام، لأن الحلول المتوفرة تكاد تكون معدومة، والخيارات قليلة جدا، بل ان حركة السيولة في الأردن على مستوى الاستدانة من فرد لفرد، سوف تنخفض جدا، بسبب التغييرات على قانون التنفيذ القضائي، الذي يمنع الحبس على اي دين دون الخمسة آلاف دينار، وهذا سيؤدي بالنتيجة الى حذر الافراد في علاقاتهم الشخصية او التجارية داخل الأردن، مما يعني اننا امام تحولات ايضا على مستوى الافراد، ومساعدتهم لبعضهم بعضا، في ظل حالة حذر وعدم يقين مما سيجري في العالم والمنطقة الشهور المقبلة.

توجيه النصح للناس بخفض النفقات، والتقشف، والتدبر بطريقة مختلفة، نصح لا يصل الى احد، لأننا امام نوعين من الناس، إما غالبية غير مقتدرة اصلا على تغطية نفقاتها حتى قبل هذه التحولات، وهي ستعاني اكثر الفترة المقبلة، وإما اقلية لديها سيولة لا تهتم كثيرا بهذه التغيرات، ووسطهما بقايا طبقة وسطى تعيش من وظائف عليا واستثمارات شخصية او حوالات مغتربين، وهذه ستكون مضطرة ان تغير نمطها الانفاقي خلال الشهور القليلة المقبلة، بسبب هذه التغيرات.

الكلفة الاجتماعية هي الاخطر في هذا الصدد، من تفشي الطلاق، والجريمة، والعنف الاجتماعي، وغير ذلك، وهذه الكلفة تم التحذير منها مرارا، لخطورتها على امن واستقرار الاردن الداخلي، وبدون حلول اطفائية لهذا الوضع، سندخل مرحلة جديدة يتغير فيها البلد بشكل جارف، وحساس، يؤثر على كل المستويات، فيما يمكن القول بكل وضوح، اننا امام تمدد لظاهرة الفقر، بشكل اسرع مما هو متوقع، وفقا للدراسات والاحصاءات التي يعدها الخبراء في هذا الصدد.

(الغد)

زر الذهاب إلى الأعلى