وادي الصرار.. نهر يختصر جزءا من جهاد القدس
وادي الصرار -ويعرف أيضا بـ”نهر روبين”- هو أحد أودية السفوح الغربية لجبال فلسطين التاريخية والجارية بين منطقة القدس شرقا ومنطقة يافا غربا.
ويشكل نهر روبين المجرى الأدنى لهذا المورد المائي، في حين يشكل وادي الصرار مجراه الأوسط والأعلى، ولذا أعطي هذه التسمية المزدوجة لأهمية كل منهما في جغرافية فلسطين.
تصب مياهه في البحر الأبيض المتوسط، كما أنه يربط جبال القدس بالسهل الساحلي الفلسطيني.
الموقع
تقع بدايات وادي الصرار في المرتفعات الواقعة شمال مدينة القدس. وتتكون شعابه الأولى في منطقة قرى رافات وبير نبالا والرام وبيت حنينا، ثم تجتمع لتشكل مجرى الوادي الرئيس على بعد 2.5 كيلومتر شمال غرب القدس.
ويخرج الوادي بعد ذلك حافرا مجراه باتجاه الجنوب الغربي ضمن صخور كلسية-دولوميتية وحوارية كارستية (أي رسوبية)، ويتلقى رافدا يساريا هو وادي بتير، وآخر يمينيا هو وادي كسلا.
تقع بداية وادي الصرار على ارتفاع يتراوح بين 700 متر و750 مترا عن سطح البحر، وارتفاع بدايات روافده أقل من ذلك.
وبعد التقاء وادي كسلا بوادي الصرار قرب بلدتي عرطوف المهجرة منذ 1948 وصرعة، على مسافة 5 إلى 6 كيلومترات يتجه نحو الشمال الغربي لسفوح جبال القدس.
ويحفر الوادي مجراه في هذا الجزء ويصبح عريضا مفتوحا إلى أن يدخل أراضي السهل الساحلي الفلسطيني المنبسطة التي لا يزيد ارتفاعها على 100 متر عن سطح البحر.
نهر روبين-الصرار دائم الجريان على مدار السنة وينتهي في البحر الأبيض المتوسط على بعد 14 كيلومترا جنوب مدينة يافا قرب مستوطنة (بلماحيم) وشمال ميناء روبين.
ويخترق نهر روبين شريطا من الرمال والكثبان الساحلية تعرف برمال (وأحيانا بسهول البرنس)، وهكذا يكون قد قطع مسافة 16 كيلومترا كلها ذات جريان سيلي مؤقت تفيض فيها المياه عقب هطول الأمطار الشتوية.
ويكون انحدار الوادي شديدا في المناطق الجبلية الشرقية في جبال القدس وسفوحها الغربية، ومتوسطا عند سفوح الجبال وضعيفا في السهل الساحلي.
وأما مساحة حوض نهر روبين-الصرار فتقدر بنحو 7.5 كيلومترات مربعة في منطقة تتراوح حرارتها بين متوسط 16 درجة مئوية في فصل الصيف و18 درجة مئوية في فصل الشتاء.
وترتفع الأمطار السنوية في الشرق إلى 600 مليمتر وتنخفض إلى 500 مليمتر في الغرب والسهل الساحلي.
الكثافة السكانية
يعد حوض روبين -الصرار من البقاع المأهولة بالسكان بكثافات عالية، وترتفع الكثافة في الأجزاء الشرقية وفي منطقة القدس وضواحيها الغربية وتنخفض نسبيا في التلال القديمة لترتفع مرة أخرى في منطقة السهل الساحلي، وتكثر القرى والتجمعات السكانية المختلفة وتعد بالعشرات.
ويعمل سكان المنطقة في الزراعة، ولا سيما زراعة العنب والزيتون وتربية المواشي. وقد انتشرت أعداد كبيرة من المستوطنات الإسرائيلية في الأجزاء الغربية من الحوض حتى حدود الشريط الرملي.
المواقع الأثرية
تغطي أرض الحوض شبكة كثيفة من طرق السيارات والدروب الواصلة بين التجمعات السكانية، كما أن خطوط السكك الحديدية تمر في الحوض باتجاهات مختلفة، لأن السكك الحديدية كانت تعتمد في ذلك الوقت على مصادر المياه. وقرر العديد من المسّاحين الذين خططوا لأول خط سكك حديدية في الشرق الأوسط خط يافا-القدس استخدام وادي الصرار طريقا رئيسيا للخط.
وفي حين أن خط السكة الحديدية العالي السرعة من تل أبيب إلى القدس مصمم لتجنب طريق الوادي وتقصير الخط، فقد تم تجديد خط السكة الحديدية القديم على طول الوادي، ولا يزال قيد الاستخدام.
ويربط هذا الخط بين تل أبيب والقدس، ويعمل في اتجاه غربي شرقي بين تل أبيب، ومطار بن غوريون الدولي واللد والرملة وبيت شيمش، وهي مدينة إسرائيلية تعني بيت الشمس.
وأصبح خط السكك الحديدية يستخدم بشكل رئيسي من لدن السياح، لكونه يمر على مناطق غنية بمناظر خلابة، وتوجد على طول مساره عدة خزانات مياه صغيرة.
محطة الصرار والحرب العالمية الأولى
ولمحطة وادي الصرار ذكر في الحرب العالمية الأولى، وخلاصة ذلك أن الجنرال البريطاني إدموند ألنبي وضع نصب عينيه في تقدمه نحو القدس ضرورة الاستيلاء على محطة وادي الصرار لأنها ملتقى الخطوط الحديدية المؤدية إلى القدس ويافا وبئر السبع وغزة.
تقدمت الجيوش البريطانية يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني 1917 فاحتلت خط المسمية-قطرة، ثم استمرت في تقدمها بالتعاون مع سلاح المدرعات تمكنت من الاستيلاء على المحطة يوم 14 نوفمبر/تشرين الثاني بعد معارك شديدة اشتبكت فيها مع العثمانيين.
معركة وادي الصرار
معركة وادي الصرار جرت في أوائل شهر أبريل/نيسان عام 1948، وشارك فيها مجاهدون من أهالي قرية بيت محسير، وكذا في عدد من المعارك خارج قريتهم.
وتقول بعض الروايات إن الشهيد حسن سلامة قرر مهاجمة قافلة كبيرة لليهود كانت متجهة إلى غرب القدس، التي كانت قوات المجاهدين بقيادة عبد القادر الحسيني قد فرضت فيها طوقا على قوة يهودية أخرى بلغ تعدادها 100 ألف، وقطعت عنهم الماء.
وقد أوشكت هذه القوات اليهودية الموجودة في القدس على الاستسلام لولا تدخل القوات البريطانية وبعض المنظمات الصهيونية.
وعندما وصلت القافلة إلى الموقع أطبقت عليها قوات الشهيد حسن سلامة وأوقعت بها خسائر فادحة، واستولت على كمية كبيرة من السيارات المحملة بالمؤن والإمدادات، وعلى كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر.
وفي أبريل/نيسان 1948 هاجمت قوات الاحتلال قرية دير محيسن واحتلتها، ولما كانت هذه القرية واقعة ضمن القطاع الغربي من المنطقة الوسطى الممتد من يافا إلى وادي الصرار، فقد أرسل الشيخ حسن سلامة مجموعة من نحو 70 مقاتلا، فدارت معركة طاحنة استطاع خلالها أهالي بيت محسير استرجاع قرية دير محيسن، وإعادة السيطرة على طريق باب الواد أمام القوافل المتجهة إلى القدس.
محمية وادي الصرار الطبيعية
تمتد محمية وادي الصرار الطبيعية، التي أعلن عنها لأول مرة عام 1965، ومنذ ذلك الحين تم توسيعها، على أكثر من 11 ألف دونم (الدونم يعادل ألف متر مربع) من محمية مغارة الشموع.
ومغارة الشموع كهف يقع في القدس على المنحدرات الغربية لجبال فلسطين في منطقة قرية بيت سوريك الطبيعية، بالقرب من بيت شميش إلى “موشاف” (مصطلح عبري يشير إلى قرية زراعية تُكَوِنُ فيه الأسر وحدات اقتصادية تدير قطعة الأرض بشكل خاص بها).
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية