هل يتزعزع أمننا المائي؟
كشف تقرير دولي متخصص في الشأن المائي الأردني عن أزمة مياه عذبة عميقة ومتعددة الأوجه تواجهها المملكة، محذرا من آثار “مزعزعة” لاستقرار الأمن المائي على السكان، إذا لم يتم اتخاذ تدابير تدخلية.
وتوقع التقرير الصادر عن الموقع الدولي المتخصص “New Security Beat”، مؤخرا، أن يعاني ما يتجاوز 90 % من السكان ذوي الدخل المنخفض في الأردن من “انعدام” الأمن المائي الحاد بحلول نهاية القرن، وسط حاجة المملكة لتنفيذ مجموعة طموحة ومليئة بمواجهة التحديات السياسية، من تدابير العرض والطلب المنسقة للتخفيف من تدهور الأمن المائي.
وأشار التقرير الذي تم نشره بالتوازي ونتائج أوراق بحثية أجرتها الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأميركية، أن تدهور الأمن المائي في الأردن، ناجم عن النمو الاجتماعي والاقتصادي، والاستغلال المفرط للمياه الجوفية، وتغير المناخ.
وانسجمت مخاوف التقرير ومؤشرات وزارة المياه والري حيال مواجهة المملكة للتحديات المائية المتمثلة في “شح الموارد لا مشكلة الإدارة”، مشيرة إلى أن تلك التحديات التي ستواجه التزويد المائي في حال عدم مواجهتها وخلق الحلول المناسبة لها، وفق أمين عام الوزارة محمد ارشيد.
وبخصوص استنزاف مناسيب المياه الجوفية، بين ارشيد أن الدراسات المائية أظهرت تأثير التغير المناخي المؤدي لانخفاض كميات الأمطار بنسبة 13.6 %، ما يعني انخفاض تغذية المياه الجوفية.
وأشار ارشيد إلى حقيقة التذبذب في كميات الهطول السنوي وارتفاع نسبة التبخر، وفق النماذج الرياضية والدراسات المائية، مؤكدا اتخاذ وزارة المياه حلول قيد العمل بها حاليا.
وأوضح أن العمل جار حاليا لمواجهة هذه المخاوف والتحديات، عبر معالجة الفاقد في كل المحافظات، ورفع كفاءة استخدام المياه، وإيجاد مصادر مياه جديدة، وتحلية المياه، وإحلال المياه المعالجة العادمة بدلا من المياه العذبة للاستخدامات الزراعية، والحصاد المائي وغيرها.
إلى ذلك، اعتبر التقرير الذي حمل عنوانه “تجنب الأزمات في مستقبل المياه الضعيف بالأردن”، أن مشروعي مياه الأردن والغذاء والطاقة والمياه للبيئات الحضرية المستدامة لتقييم الأمن المائي المستقبلي للأردن، يمثلان جهدا هائلا، إلا أنه حاسم للأردن وشركائه الدوليين في العقود المقبلة.
وأشار إلى تقليص الموارد المائية المتاحة، وسط عوامل تزايد عدد السكان وتضاؤل موارد المياه، وذلك عند الأخذ بالاعتبار ظروف السيناريو التي يشهد من خلالها الأردن نموا كبيرا في عدد السكان وانخفاض في توافر موارد المياه العذبة، ما أدى إلى انخفاض ملحوظ في استخدام الفرد من المياه.
وبين التقرير أنه حتى في ظل السيناريوهات المتفائلة بحلول العام 2100، يتم رصد انخفاض مستويات المياه الجوفية بنحو 60 % في المحافظات الشمالية المكتظة بالسكان، فيما انخفض متوسط تدفق المياه السطحية بنسبة 25 % بحلول نهاية القرن، مقارنة بالفترة 2016-2020.
وكشف عن مخاطر تراجع واسع النطاق للأمن المائي المنزلي في الأردن، حتى في ظل الظروف المستقبلية المواتية نسبيا، حيث يتحمل السكان ذوو الدخل المنخفض في البلاد أكثر الآثار السلبية، مبينا أن نسبة السكان المعرضين لخطر أمن المياه ترتفع من 16 % إلى 58 % للأسر ذات الدخل المتوسط، في حين تشهد الأسر ذات الدخل المنخفض مخاطر أكبر تتراوح نسبتها ما بين 52 % و91 %.
وفي هذا السياق، قال ارشيد إنه لا يمكن إنكار مواجهة أزمة عجز مائي سنويا في التزويد المائي، إلا أن إدارة المياه تمكنت من تجاوز هذه المعضلة والحفاظ على الأمن المائي المنزلي على أساس توزيع المياه على المناطق بمنهجية “علمية عادلة”.
وأكد أن التحدي المالي والنفقات المطلوبة، ما تزال الهم الأكبر، في الوقت الذي تتطلب فيه المشاريع تكاليف عالية جدا، ويتم تأمينها أحيانا عبر المنح والقروض من مختلف الجهات والمنظمات الدولية الداعمة.
ودعا التقرير، إلى ضرورة اتخاذ الأردن وشركائه الدوليين إجراءات صارمة، موضحا أن ذلك يستلزم تنفيذ جميع مشاريع المياه المخطط لها حاليا، بما فيها مشروع تحلية البحر الأحمر على نطاق واسع، والحد بشكل كبير من سرقة المياه والخسائر المادية، ورفع تعرفة المياه المنقولة بالأنابيب على مستويات استخدام المياه الأعلى، وإعادة تخصيص المياه من القطاع الزراعي إلى القطاع الحضري، ومعادلة توزيع إمدادات المياه بالأنابيب بين المستخدمين الحضريين.
وقال “لسوء الحظ، فإن الوضع في الأردن يمثل رمزا لأزمات المياه في جميع أنحاء العالم”، مشيرا لعوامل النمو السكاني السريع، وتكثيف استخدام المياه، والصدمات الديموغرافية المفاجئة (كأزمة اللاجئين السوريين)، وتغير المناخ، والمنافسة المائية العابرة للحدود، والتحديات المؤسسية، باعتبارها تهديدات خطيرة على أمن المياه العذبة.