نسبة البطالة ودلالاتها

بقلم: الدكتور محمد أبو حمور*

يشير التقرير الربعي الذي أصدرته دائرة الإحصاءات العامة الى بلوغ نسبة البطالة خلال الربع الثاني من العام الحالي 21.4%، وهي نفس النسبة التي تم تسجيلها خلال الربع الأول من العام، الا أنها تقل بنسبة 0.9% عن تلك التي سجلت خلال نفس الربع من العام الماضي، وهي لا زالت أعلى من نسبة البطالة التي سجلت عام 2019 ، أي قبل جائحة كورونا، والتي بلغت في حينه حوالي 19%.

ورغم أن أعداد الداخلين الجدد الى سوق العمل قد ساهمت في ارتفاع نسبة البطالة، الا أن ذلك يشير أيضاً الى أن التعافي التام من اثار الجائحة لا زال غير متحقق.

وتبين تفاصيل التقرير أن نسبة البطالة بين الذكور ارتفعت بنسبة 1.5%، وانخفضت للإناث بنسبة 3.7% مقارنة بالربع الأول من العام، الا أن ذلك لم يغير كثيراً في معدل المشاركة الاقتصادية للمرأة والتي قاربت 14%، وهي أقل من المعدل في الدول العربية والذي يبلغ 20%.

كما أن نسبة البطالة بين حملة الشهادة الجامعية لا زالت مرتفعة وتبلغ 25%، وهي تشير الى خلل في جانبين أولهما عدم تناسب تخصصات الخريجين مع فرص العمل المتوفرة أو نقص الكفاءة والخبرة المطلوبة لهذه الفرص، كما تشير أيضاً الى أن ما يولده الاقتصاد من فرص عمل لا زالت في اطار نمط محدد لا يرقى الى مستوى التأهيل العالي القادر على رفع مستوى الإنتاجية ضمن وظائف وفرص مستدامة تناسب التطورات التكنولوجية التي يشهدها العالم حالياً.

وهذا الامر يتطلب مزيداً من التفاصيل المتعلقة بطبيعة الشهادات والتخصصات التي تميز المتعطلين، ليتم العمل على الحد من تخريج مزيد من  التخصصات الراكدة وغير المطلوبة، مع السير قدماُ في رفع المستوى المهني لخريجي التخصصات المطلوبة وتزويدهم بالمهارات التي تتيح الاستفادة من فرص العمل المتاحة في مجالاتهم.

كما أن ذلك يمكن أن يشكل مقدمة لبذل مزيد من العناية بالاستثمارات الملائمة لعرض سوق العمل ومنحها الحوافز اللازمة التي تتيح الاستفادة من الطاقات الشبابية ودمجها في الدورة الاقتصادية لتحقيق مزيد من التنمية الاقتصادية والتكامل القطاعي.

وقد أولت رؤية التحديث الاقتصادي موضوع توليد وتوفير فرص العمل عناية خاصة، وبهدف يبلغ مئة ألف فرصة عمل سنوياً، ورغم عدم الوصول لهذا الهدف حتى الان، الا أن الاستمرار في تنظيم سوق العمل والتوصل لتفاصيل جانبي العرض والطلب ومعالجة الاختلالات وتصحيح أوضاع الاقتصاد غير الرسمي وتنظيمه، وتقييم عمل البرامج التشغيلية والصناديق التي توفر التمويل للمشاريع الصغيرة، ومواصلة تحسين البيئة الاستثمارية والسير قدماً في تنفيذ المشاريع الكبرى وتوثيق الصلات بين القطاعين العام والخاص وصولاً الى شراكة حقيقية كل ذلك يشكل مقدمة لتحقيق الأهداف وبناء قاعدة راسخة يمكن البناء عليها لتخفيض نسب البطالة وتوفير فرص عمل مستدامة.

خاصة وأن البطالة وارتفاع نسبتها يشكل تحدياً استراتيجياً ويتطلب التعامل معها وقتاً وجهداً وتفكيراُ بحلول مبتكرة تشمل مختلف الجوانب بما في ذلك مراجعة السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، والنجاح في هذه الجهود يشكل أساساً لمكافحة الفقر وتحسين مستوى معيشة المواطنين.

*وزير المالية الأسبق

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى