من قوائم الإرهاب إلى المشهد السياسي .. طموحات الجولاني الجديدة

د. عامر السبايلة

منذ سقوط دمشق، تحول اسم «أبو محمد الجولاني»، أو أحمد الشرع، إلى محور أساسي في المشهد السوري. بات الرجل الذي عُرف بقيادته لتنظيم جهادي متشدد يفرض نفسه كلاعب لا يمكن تجاوزه في تحديد ملامح مستقبل سوريا. على الرغم من ماضيه، يسعى الجولاني اليوم لإعادة صياغة صورته، مستغلاً الفراغ السياسي والاضطراب الدولي لتقديم نفسه كقائد براغماتي قادر على لعب دور محوري في إعادة تشكيل البلاد.

الجولاني لم يُضع الفرصة لإرسال رسائل متعددة المستويات، محاولاً طمأنة الأطراف الإقليمية والدولية على حد سواء. على الصعيد الإقليمي، أكد أن سوريا لن تكون منطلقاً لاستهداف الدول المجاورة أو لتصدير الثورات، وهي محاولة لتهدئة مخاوف طالما أثارت قلق المحيط العربي. عربياً، أبرز الجولاني النموذج التنموي الخليجي، وخاصة السعودي، كإطار يلهم خططه لإعادة بناء سوريا، في محاولة لجذب دعم خليجي قد يساهم في تخفيف العزلة المفروضة عليه. أما دولياً، فقد قدم نفسه كطرف يلتزم بوقف نشاط الجماعات الإرهابية داخل سوريا، داعياً إلى نموذج سياسي تعددي مقبول دولياً، في إطار سعيه لرفع هيئة تحرير الشام من قوائم الإرهاب وإلغاء العقوبات الدولية المفروضة على سوريا، وعلى رأسها قانون قيصر.

ورغم هذه التحركات، فإن الحفاظ على موقع هيئة تحرير الشام كلاعب رئيسي في المشهد السوري لا يزال يتطلب التغلب على تحديات معقدة. داخلياً، تواجه الهيئة صعوبات في إدارة تحالفاتها المحلية، خاصة مع تصاعد التوترات بين الفصائل المختلفة في ظل غياب رؤية توافقية لعملية الانتقال السياسي. خارجيًا، يشكل خطر تحول سوريا لقبلة للجهاديين بما فها تنظيم القاعدة، وصعود تنظيم داعش الذي يسعى لفرض نفسه من جديد كلاعب أساسي في الساحة السورية.

وسط هذه التحديات، قد تجد هيئة تحرير الشام نفسها مضطرة للعب دور أمني رئيسي في مواجهة تنظيم داعش، مما قد يجعلها شريكاً محتملاً للتحالف الدولي. هذه الديناميكية تتقاطع مع تحركات تركيا البلد الأكثر حضوراً في سوريا حالياً، حيث تستعد أنقرة لعمليات عسكرية جديدة تستهدف التنظيم، مع المساواة بينه وبين خطر الأكراد، وهي استراتيجية تهدف لشرعنة استهداف الطرفين معاً.

في الجانب الآخر، ورغم التطمينات التي قدمها الجولاني بأن سوريا لن تكون قاعدة لشن هجمات على إسرائيل، إلا أن تل أبيب تواصل رسم خرائط أمنية جديدة داخل سوريا، متجاهلة شكل وهوية النظام المستقبلي. هذه الاستراتيجية تشمل مناطق أمنية تعتبرها إسرائيل غير قابلة للتفاوض، وأخرى قد تستخدم كورقة مقايضة في صفقات سياسية مع الأطراف الحاكمة مستقبلاً.

روسيا بدورها تبدو الخاسر الأكبر في هذه التحولات. فمع تزايد الضغوط الدولية عليها للانسحاب من البحر الأبيض المتوسط، تسعى موسكو لتأمين موطء قدم جديد من خلال تفاهمات محتملة مع هيئة تحرير الشام. ومع ذلك، يبقى المحور الغربي أكثر قدرة على توجيه مستقبل سوريا، حيث إن قرار تأهيل الهيئة ورفع العقوبات لا يزال في يد الدول الغربية، مما قد يدفع روسيا للبحث عن خيارات جديدة في البحر المتوسط، ليبيا على سبيل المثال، ولكن تعذر هذه الخطوة مستقبلا قد يكون له انعكاسات في أماكن أخرى، فالرد التصعيدي الروسي قد يجد مناطق شمال أوروبا والبلطيق الأنسب للتصعيد والرد على الخسارة الكبيرة في المتوسط.

في هذا السياق المعقد، تتراكم التحديات التي تواجه سوريا. صعود تنظيم داعش مجدداً ودخول المنطقة في مواجهة متجددة مع التنظيم على الأرض السورية والعراقية، والانقسامات المحتملة بين الفصائل المسلحة واستمرار عمليات تهريب السلاح كلها عوامل تعزز حالة عدم الاستقرار وتفتح الباب لمرحلة طويلة من التهديدات الأمنية. هذه التحديات، إن لم تتم السيطرة عليها، قد تتجاوز الحدود الجغرافية لسوريا لتتحول إلى أزمة إقليمية أوسع، تسمح بعودة التنظيمات الجهادية والافراد، وعصابات تهريب السلاح مما قد يفتج المجال امام مرحلة طويلة وصعبة من التهديدات الأمنية.

بين التطمينات التي يقدمها الجولاني والخطوات التي يتخذها، يبقى المشهد السوري مفتوحاً على كافة الاحتمالات، مع صراع مستمر على رسم ملامح مستقبل دولة مزقتها الحرب، وجعلت من قادتها الجدد أطرافاً في لعبة دولية معقدة.

الرأي

زر الذهاب إلى الأعلى