مفردات على “السوشال ميديا” “تشوه” الحروف العربية
تغريد سعادة
“ما بئدر أحكي، بحدر فيلم، بنتزر الرد، بسير، زوء”، كلمات يتلعثم القارئ في تهجئتها مع كثرة تواجدها وانتشارها عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي يرتادها الملايين في الأردن، ليراها الكثيرون أنها إسقاطة كبيرة وضربة قاضية للغة العربية، وللهجة العامية أيضاً.
ومع مرور الوقت وزيادة استخدام “السوشال ميديا” وبخاصة “فيسبوك”، وإقبال الناس على الكتابة باللهجة العامية، بقي هنالك من يكتب الكلمات بطريقة “مستفزة” ويصعب قراءتها. وتشير الدراسات إلى أن موقع “فيسبوك” “هو أكثر المواقع شعبيةً، ويستخدمه أكثر من مليار شخص بنشاط وهو الأكثر شعبية في جميع القارات.
كلمات باتت مستفزة للغالبية العظمى من متابعي مواقع التواصل في الأردن، كونها لا تمت بطبيعة الحال إلى اللهجة الأردنية العامية، “حرف القاف لا يلفظ (ء) في اللهجة الأردنية، ولا حرف الصاد يلفظ (سين)”، وغيرها من الحروف الأخرى، التي قد يواجه مستخدموها هجوماً من الآخرين، سواء عن ممازحة أو هجوم حقيقي، يرى فيه البعض إلغاء لتفاصيل اللهجة المحكية في الأردن.
“تصيبني حالة من التوتر والانزعاج ورغبة في التواصل مع الشخص الذي يكتب بهذه الطريقة البشعة للكمات”، تقول أروى بسام، التي ترى في هذه الطريقة نوعاً من التلوث البصري الذي يكسر كل قواعد اللغة والكلام.
وتقول أروى، إن المنطقة التي تعيش فيها، لا أحد من محيطها يتكلم باللهجة “المدنية” كونها تعيش في قرية، واللهجة المدنية لفئات معينة، ولكن لا يعني ذلك أن تُكتب الكلمة بذات طريقة الكلام، ويمكن أن تُكتب “بقول وليس بئول، أو ذوق وليس زوء”. وتعلق زهراء الور ببعض الكلمات كذلك التي لا ترى أبداً أنها منطقية، على حد تعبيرها، مثل كلمات “تيب بدل طيب، أسلاً بدل أصلاً، وكلمة عاتي بدل عادي”، وتتساءل زهراء عن الحاجة إلى كتابة مثل هذه الكلمات التي تغير المعنى تماماً، بل إن بعض القارئين لها لا يستطيعون بالفعل معرفة الكملة ومعناها.
عدا عن صعوبة اللفظ على الشخص، ترى زهراء أن الشخص الذي يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي عليه أن يعي أن الكثيرين من أصدقائه من خلفيات ثقافية متعددة، ومنهم من لا يستطيع معرفة معنى الكلمة التي تكتب بهذه الطريقة، وقد تؤثر في فهم معناها والمصطلح، عدا عن السخرية التي قد يتعرض لها فيما بعد، نتيجة الكتابة بطريقة غير منطقية.
الاستشاري والمدرب التربوي الدكتور عايش النوايسة، يرى أن اللغة العربية تعد من أكثر اللغات على الإطلاق في قدرتها على استيعاب المعاني الطارئة نظراً لما تتمتع به من جزالة ألفاظها وقوتها وهي الوعاء الأساسي الذي يحتوي على العلوم، والتكنولوجيا، والثقافة، والتاريخ، والحضارة، والهوية، والمشاعر. وتقف جميع اللغات عاجزة أمام هذه القوة في جزالة الألفاظ، لكن أكثر ما عانت منه اللغة، شيوع اللحن ودخول الألفاظ الغريبة عليها حتى أصبحت تمثل نوعين؛ لغة محفوظة ولغة محكية على صورة لهجات مختلفة أخلت بصورة اللغة وغيرت من شكلها ومضمونها.
وعدا عن ذلك، يوضح النوايسة أن هنالك ظاهرة غريبة وهي دخول لهجة تشوه من اللغة وعلى صورة ألفاظ ركيكة غيرت من شكل الحرف وكتابته ومعناه فأصبحت “إذاً… إزا، بقدر أصبحت بئدر..الخ”، والمشكلة أنها أصبحت تدل لدى البعض على أنها من أشكال الرقي والتقدم في المجتمع واختلطت معها ألفاظ بلغات أخرى تحكى بالعربية شوهت من صورة اللغة.
كثيرة هي الكلمات التي يراها سامر حمد تبعث على الضحك والرفض في ذات الوقت، تُكتب بطريقة غير منطقية أبداً، وأكثر الكلمات التي مرت عليه عبر مواقع التواصل كانت كلمة “سرسور بدل كلمة صرصور!!”، ويتساءل لماذا يلجأ الناس إلى الكتابة بهذه الطريقة التي “دمرت اللغة واللهجة في ذات الوقت”، على حد تعبيره.
بيد أن سامر يعتقد أن أكثر الأشخاص الذين يلجؤون إلى الكتابة بتلك الطريقة هم في الغالبية العظمى من “الفتيات”، ويلجأن للكتابة بهذه الطريقة بهدف المحافظة على طريقة كلامهن وتعريف الآخرين بلهجتهن، إلا أن ذلك “غير منطقي أبداً ومرفوض تماماً وقد يُعرض الشخص للتعليق أو التنمر فيما بعد”، على حد قوله.
أخصائي علم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع، يبين أن الإنسان الذي يكون دائماً على طبيعته في الحديث والكلام، ومنها طريقة كتابته للهجة على السوشال ميديا، يعتقد أن الآخرين سيتقبلونه كما هو ولا يفكر في طريقة تغيير نفسه مهما كان موضع إقامته أو عمله وتواجده، ودائما عندما تتحقق الأسباب الكامنة وراء تفكير الإنسان يكتشف مجموعة من الأحكام المُسبقة لديه والتي يتخوف فيها من نظرة الآخرين عنه وهذا خطأ فادح.
وينوه جريبيع إلى أنه و”للأسف” فإن قناعة بعض المجتمعات ارتبطت بأن التمدن والتحضر بتغيير اللهجة، على سبيل المثال، أو اللباس، ولكن، وبلا شك فإن ظاهرة تغيير الكلمات وكتابتها بالطريقة “الركيكة” هذه، تعد سلبية وتعني بكل صراحة “ضعف التقدير للذات والشخصية”.
وبحسب النوايسة، فإن الخطورة الكبيرة تكمن في وصول هذه الألفاظ المكتوبة بهذه الشكل إلى المؤسسات التربوية والتعليمية وممارستها من قبل البعض ما يؤثر على اللغة بشكل كبير، والأخطر كذلك ما أصبح يتعلمه الأطفال من مقاطع الفيديو على وسائل التواصل مثل “يويتوب” و”تيك توك” وغيرهما، فظهرت ألفاظ غريبة على اللغة وطارئة عليها شوهت من صورتها ومهدت الطريق للهجة ركيكة وضعيفة. لذا “واجب على المؤسسات التربوية والإعلامية المحافظة على اللغة الفصحى وعدم السماح بالحديث بغيرها في القطاعات التعليمية والإعلامية والإخبارية”، على حد تعبير النوايسة.
ومع ذلك، فإن جريبيع يرى أن ما نراه ظاهرة قديمة جديدة ومرتبطة بالإنسان ومستوى تفكيره، وكيف يطمح إلى تغييرها، وعادةً تبرز عند الأشخاص الذين ينتقلون من مكان إلى آخر، مع التأكيد أنه لكل منطقة جغرافية أو طبقة اجتماعية مصطلحات ولهجة ومفردات، هي التي قد تحددها.
ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي “السوشال ميديا” برزت هذه الظاهرة أكثر من خلال الكتابة بتغيير الحروف، والتي يعتقد مستخدمها أنه بهذه الطريقة يعد قريبا من الحداثة ويعبر أنه من طبقة اجتماعية معينة.
والمراجع التاريخية تبين أن الأردن جغرافياً وبتكوينه ينقسم إلى لهجات عدة، وهي “اللهجة الشمالية التي يتحدث بها أهالي المناطق من عمان وصولاً إلى شمال البلاد مع وجود اختلافات في أسلوب النطق، واللهجة الجنوبية لمناطق الجنوب، واللهجة البدوية، واللهجة العقباوية، وهي خليط بين المصري والحجازي والغزاوي، ولم تتأثر باللهجات الأردنية كثيراً، واللهجة الهجينة هي لهجة متأثرة بشكل أساسي باللهجة الشمالية، وأصبحت واسعة الانتشار ويتحدث بها معظم الأردنيين”.الغد