مسيرة الجناح العسكري لحركة حماس وصولًا للسابع من أكتوبر

د. عقل صلاح*
تهدف هذه المقالة لتسليط الضوء على مسيرة الجناح العسكري لحركة حماس الذي قاد العمل التراكمي والتصنيع العسكري للصواريخ وقذائف الياسين والعبوات الناسفة، وعمل على إعداد المقاتل النخبوي الذي تفوق على أقوى الجيوش في المنطقة، حيث استطاع مفاجأة الجميع في السابع من أكتوبر، الذي أصبح تاريخًا في الكفاح الوطني من أجل التحرر من الاحتلال والدفاع عن القدس الشريف بظل استمرار الانتهاكات اليومية للمسجد الأقصى. وهو الجهاز الذي أخذ على عاتقه تحرير الأسرى وبالتحديد المؤبدات، واستطاع بالفعل الإفراج عن نصفهم في المرحلة الأولى من الصفقة. يتكون الجناح العسكري للحركة من جهازين رئيسيين وهما جهاز الأمن وكتائب عز الدين القسام، إلا أن الرواية الإسرائيلية بينت بأنه يتكون من ثلاثة أجهزة وهم المخابرات ومهمتها جمع المعلومات عن العملاء، وجهاز مسؤول عن المنتهكين للتعاليم الإسلامية، وكتائب القسام. لقد أسس الشيخ الشهيد أحمد ياسين الجهاز الأمني للحركة عام 1986، وأطلق عليه منظمة الجهاد والدعوة “مجد”. ومن ثم تحول عام 1989إلى جهاز استخباراتي، ومن أبرز المهمات التي يقوم بها تحصين الحركة من الاختراق، ومواجهة الاحتلال، والتحقيق مع العملاء وتأديبهم أو تصفيتهم.
وهنا لابد من التأكيد على أن هذا الجهاز له الفضل في حماية الجبهة الداخلية، وتجفيف مجاري المعلومات التجسسية للاحتلال، فقد بينت لجنة التحقيق في أحداث السابع من أكتوبر والعديد من قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن الآلاف من كتائب القسام نفذت السابع من أكتوبر ولم يوجد من بينهم عميل واحد ينقل معلومة للاحتلال، هذا نتاج عمل شاق من قبل حماس وأجهزتها الأمنية التي عملت على مدار عقود لمحاربة ظاهرة العملاء، بإعدام كل من يثبت تورطه، فقد شكلت رادعًا لهم. وقاد جهاز مجد حربًا قاسية من حروب العقول مع المخابرات الإسرائيلية، مما شكل هزيمة فادحة للاحتلال ما قبل وأثناء وبعد السابع من أكتوبر واستطاع جهاز الظل الاحتفاظ في الرهائن الإسرائيليين سنة ونصف ومازال في قبضته العديد من الرتب العسكرية العالية والجنود وضباط المخابرات، يصل عددهم إلى 59 بين قتيل وحي دون وصول معلومات للشاباك الإسرائيلي عن مكان حجزهم، على الرغم من التفوق العسكري والتكنولوجي والدعم الغربي في عملية التجسس، باستخدام جميع أنواع الطائرات وأجهزة التجسس البريطانية والفرنسية والألمانية والأمريكية وغيرها، بالإضافة إلى فرقة النيل الأمريكية المتخصصة في إنقاذ الرهائن، على مدار أكثر من 670 يوم من الحرب وهذا بحد ذاته نصرًا للمقاومة.
وفي هذا الإطار أفادت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية نقلاً عن جهاز “الموساد” الذي اعترف للمرة الأولى بفشله في توقّع هجوم 7 أكتوبر 2023، وعلى نفس المنوال يعترف جهاز الشاباك بفشله بتجنيد وتفعيل عملاء بشريين جدد، والعملية السرية-عملية زرع أجهزة تجسس وتنصت- التي جرت عام 2018 وكشفتها حماس في خانيونس تسببت بأضرار كبيرة للبنية الاستخباراتية العسكرية الإسرائيلية. وفي نفس الصدد أعلن الجيش الإسرائيلي تحمله مسؤوليته الفشل في السابع من أكتوبر على لسان هيرتسي هاليفي رئيس الأركان ألـ23 الذي قدم استقالته في 6 آذار/مارس 2025، على خلفية فشل الجيش الإسرائيلي في مهمة الدفاع عن إسرائيل السابع من أكتوبر.
أما كتائب القسام فقد تم إنشاؤها عام 1991 ولها قيادة وبنية تحتية مستقلة، إلا أنها تنفذ سياسات قادة الحركة وليس سياساتها الخاصة. وعدد عناصر الكتائب أكثر من أربعين ألفًا، يعتمد قادة الكتائب على مبدأ السرية في التنظيم والتجنيد والعمل. أما بخصوص قدرات المقاومة المشارِكة في معركة الطوفان فهي خمسة ألوية تابعة لكتائب الشهيد عز الدين القسام؛ لواء الشمال، لواء شمال غزة، لواء الوسطى، لواء خان يونس، لواء رفح، بواقع 25 كتيبة مناطقية، مع تشكيلات الدعم القتالي المكونة بشكل رئيسي من مجاميع هندسية، ومضادات للدروع، وسلاح المدفعية.
ولا مناص من تناول بدايات العمل المسلح للحركة التي لم تشكل أي تهديد لإسرائيل حتى سنة 1994، ولكن في عام 1994 كان هناك تحولًا كبيرًا في عمل حماس العسكري، حيث استخدمت الحركة أسلوب العمليات الاستشهادية. وتوالت العمليات الاستشهادية للحركة، إدراكًا منها بأن المزيد من العمليات سيؤدي لزيادة الدعم الشعبي لها، فحماس تعتمد على الدعم الشعبي من أجل استمرار وجودها.
وبعد توقيع أوسلو، رفضت حماس الالتزام ببنوده، واستمرت بعملياتها العسكرية والاستشهادية، فأصبحت مستهدفة من قبل أجهزة السلطة الأمنية، فكان يتم اعتقال مؤيدي وأنصار الحركة بعد أي عملية تتبناها الحركة، مما دفع الحركة لوقف عملياتها الاستشهادية تجنبًا للصدام مع السلطة. ولكن بعد إقدام إسرائيل على اغتيال المهندس يحيى عياش سنة 1996 قامت حماس بتنفيذ العديد من عمليات الثأر المقدس التي هزت إسرائيل والذي قادها القائد الأسير حسن سلامة.
ومنذ عام 1994 وحتى نهاية عام 1997 ازداد عدد العمليات الاستشهادية التي قامت بها الحركة وصاحب ذلك ارتفاع في مستوى الأداء لهذه العمليات، ومع اندلاع انتفاضة الأقصى ضاعفت من عملها العسكري، مما أدى إلى زيادة استهدافها من قبل الاحتلال. وبالرغم من حجم الاستهداف الإسرائيلي للكتائب، واعتقال واستشهاد عدد كبير من قادة الحركة، إلا أنها استمرت بالعمليات الاستشهادية والعسكرية لغاية عام 2005، عندما انسحبت إسرائيل من القطاع، ولكنها لم تتوقف نهائيًا عن عملها المقاوم.
فعملت الحركة على بناء المقاومة بالتركيز على بناء الإنسان المقاوم إيمانيًا، وتربويًا، ونفسيًا، وفكريًا، من خلال اعتماد البناء الذاتي للمقاومة المسلحة تجنيدًا، وتدريبًا، وتسليحًا، ومناورةً.
مما لا شك فيه، أن هناك العديد من العوامل التي حفزت حماس على نهج المقاومة، فالثورة الإيرانية التي أسقطت النظام السياسي الموالي للإدارة الأمريكية، وظهور حزب الله خلال الثمانينيات قد عززا من هيكل الفرص السياسية لحماس. فقد بين تقرير إسرائيلي بأن إيران وحزب الله هم أقوى حليفين لحماس، فقد تم تدريب عناصر كتائب عز الدين القسام في سوريا على يد خبراء إيرانيين وخبراء من حزب الله. والانتفاضة الأولى عام 1987مثلت أبرز العوامل التي زادت من فرص الحركة السياسية، فحماس كانت من أكثر التنظيمات المستفيدة من اندلاعها. بالإضافة إلى انتفاضة الأقصى عام 2000، التي فتحت المجال للحركة للعمل العسكري بلا معيقات فلسطينية، ويعد انسحاب الاحتلال من غزة عام 2005 من أهم عوامل زيادة شعبية حماس، والذي أثبت أن لغة المقاومة التي تبنتها حماس هي اللغة الوحيدة التي يفهمها العدو الإسرائيلي، وأخيرًا السيطرة على القطاع وتشكيل حكومة حماس فتح نافذة الفرص لكتائب القسام لبناء قواعدها العسكرية المتينة دون أي تدخل أو إعاقة لعملهم.
وتأسيسًا على ذلك، لقد تطورت كتائب القسام تنظيميًا، حيث بدأت الكتائب باستخدام أسلحة بدائية مثل الحجر والسكين، ومن ثم بدأت باستخدام العبوات الناسفة وتلاها العمليات الاستشهادية وصنعت الأحزمة الناسفة، والصواريخ بأنواعها المختلفة، ومنها الصواريخ الموجهة المضادة للدروع مثل كورنيت وكونكورسوفوتيكس وساغر وصواريخ مضادة للطائرات مثل سام. كما قامت بتطوير الصواريخ لتصل إلى جميع مناطق الداخل المحتل، كما استطاعت تصنيع طائرة من دون طيار “أبابيل” في 14تموز/يوليو 2014. أما بخصوص تجنيد عناصر الكتائب، فالأساليب تتنوع وتتغير وفقًا للظروف، ولشخصية الجندي المراد تجنيده والمهام المطلوبة منه. وتعتمد الكتائب عددًا من الإستراتيجيات القتالية، منها ضرب العدو في نقاط ضعفه، والمقاومة والحرب غير التقليدية، والإعداد، والإستراتيجية الإعلامية، واستراتيجية الاستخبارات الحربية، وأهمها حرب الأنفاق.
وتعتمد الكتائب على عدد من الإستراتيجيات القتالية ومنها، صواريخ بعيدة المدى، يصل مداها ما بين 75 إلى 160 كيلومتراً، وقصيرة المدى مثل صواريخ الكتيوشا، وصواريخ القسام، وقذائف الهاون، وفرقة الضفادع البشرية، والإعلام العسكري، والفرق البرية، والطائرات المسيرة وهي استطلاعية وهجومية وانتحارية، والطائرات الشراعية وفرقة التصنيع. وتستخدم الكتائب عددًا من الأساليب القتالية مثل سرعة المناورة والتخفي والتمويه، ونصب الكمائن المحكمة، واستخدام الأسلحة بأنواعها المختلفة وتحديدًا القنص المتكرر، وعمليات الإنزال خلف خطوط العدو، والاعتماد على حرب العصابات، وصولا للعبور في السابع من أكتوبر.
وفي هذا السياق لابد من تسليط الضوء على أبرز أسلحة المقاومة بدائية الصنع التي دمرت دبابات الميركافا، وآليات العدو في الميدان، ومن أبرزها، قذيفة الياسين 105، يطلق عليها صائدة الميركافا، وتُحمل على الكتف وتُطلق من مدفع آر بي جي. وعبوة شواظ، عبوة ناسفة مضادة للدبابات والعربات والأفراد، لها قدرة تدميرية عالية. وعبوة العمل الفدائي، تُلْصَق على الآليات العسكرية، وتحتاج هذه العملية إلى تضحية من المقاوم. وقنبلة التاندوم، نسخة مطوّرة من قذيقة الـ آر بي جي- 29 الروسية.
يقول الخبير العسكري الروسي ليونيد إيفاشوف، إن تدمير الـميركافا فخر الصناعة الإسرائيلية باستخدام قذائف الياسين أمر يقلب موازين القوى العسكرية، ويثير تساؤلات بخصوص قدرات هذه القذائف البدائية، والتي لا تزيد تكلفة صنعها عن 500 دولار لتدمر دبابة قيمتها حوالي 6 ملايين دولار.
واستنادًا إلى كل ما سبق، ننطلق من قاعدة أساسية مفادها أن جميع التحقيقات الإسرائيلية التي تم إجراؤها من قبل الجيش والموساد والشباك تؤكد على الفشل الإسرائيلي الذريع في منع السابع من أكتوبر، وعدم القدرة على تحقيق أهداف الحرب، والاستقالات الكبيرة للعديد من القادة العسكريين والأمنيين وجميع الكتابات لكبار القادة والكتاب الإسرائيليين تؤكد هزيمة إسرائيل قبل وأثناء وبعد الحرب؛ وهذا معناه الوحيد هو النصر الحمساوي. وهذا ما يؤكده لواء احتياط في جيش الاحتلال، إسحق بريك إذا جدّد نتنياهو الحرب في غزة، ستلحق الكارثة بإسرائيل على كافة الأصعدة الداخلية والخارجية، ثمّة شيء واحد واضح تماما: لن نتمكن من هزيمة حماس هذه المرة أيضًا، لكن الضرر الذي سيلحق بنا سيكون أكبر بعشرات المرات من الضرر الذي ألحقته حرب “السيوف الحديدية” الدليل على ذلك أن الجيش لم ينجح خلال سنة وربع من القتال في تدمير حماس أو تفجير مدينة الأنفاق، إذا تجددت الحرب ضد حماس، سيتكبد الجيش خسائر كبيرة، ستفقد إسرائيل بشكل كامل شرعيتها في العالم.
*كاتب وباحث فلسطيني مختص بالحركات الأيديولوجية.