مختصون: إزدحام الانتاج الدرامي العربي الرمضاني وتراجع تنافسية المُنتَج الاردني

اجمع معنيون في شؤون الدراما التلفزيونية على ان شاشات التلفزة العربية وفضائياتها شهدت إزدحاما عربيا للانتاج الدرامي التلفزيوني في موسمه الرمضاني الحالي، في ظل حضور خجول للإنتاج الدرامي التلفزيوني الاردني على الصعيد المحلي وتراجع تنافسيته على الفضائيات عربيا.

وعزوا تراجع تنافسية الدراما الاردنية إلى سيادة نمطية التفكير في الكتابة والانتاج ومحدودية الميزانيات وتراجع الاهتمام بالانتاج الدرامي الأردني.

وقال المخرج السينمائي وعضو هيئة التدريس في قسم صناعة الأفلام في جامعة اليرموك الدكتور طارق حداد إن الأعمال الدرامية العربية الرمضانية تنوعت في موضوعاتها وتفاوتت في المستوى من جيد الى رديء جداً ومن موضوعات مهمة الى موضوعات استهلاكية تستند إلى إثارة الغرائز والرغبة في الضحاك. ورأى ان ثمة موضوعات لا تصلح للإنتاج الدرامي التلفزيوني لأنها غير ذات أهمية مُلحة لطرحها، ومشكلة طرحها غير المُلح سيترك أثره السلبي على الشارع العربي على حساب هموم وقضايا السواد الاعظم من المجتمعات العربية. وأوضح أن صناعة المسلسلات الدرامية لا تستند إلى موضوع بل إلى صراع وبالتالي فإن الأعمال الدرامية الناجحة رمضانياُ كانت تستند إلى صراع لشخصية درامية تسعى إلى حق لها او تسعى لإنقاذ شخص اخر أو تسعى لنفوذ ما.

وأشار إلى مقال كتبه قبل 15 عاماً وكان بعنوان “الدراما الأردنية بين هلالين” ورأى فيه أن حصر عروض المسلسلات التلفزيونية الأردنية والعربية بين هلالي شهر رمضان وعيد الفطر، فكرة عقيمة ومُضنية للمُشاهد وللمُنتجين والممُثلين ولا يرى لها فائدة على الإطلاق.

وبين أن هذا الزخم الكبير في العروض لن يمنح الكُتاب والنُقاد والأكاديميين أي فُرصة لكي يقيموا ويقوموا ما قدمته الدراما عربياً.

وحول ملامسة الدراما العربية لشجون وهموم وقضايا السواد الاعظم من المجتمعات العربية التي تعيش في ظل آفاق مسدودة على المستويات كافة، قال انه يُمكن الإجابة عليه من زاوية أخرى وهي قدرة المُنتجين على إنتاج ما يروق لهم من موضوعات في ظل وجود رقابات مُتنوعة ومتعددة، وبالتالي فثمة قيود على صانع المُحتوى قد لا تمكنه من صناعة مسلسل عربي قضيته مُلحة ومُهمة. وأشاد حداد بعدد من الاعمال الرمضانية العربية التي عرضت على الفضائيات ومنها مُسلسلي “للموت” و”2020″ للمخرج اللبناني فيليب أسمر ومُسلسل لعبة نيوتن إخراج المصري تامر محسن.

وأعتبر أن هذه الاعمال حققت نجاحا ملحوظا لعدة أسباب منها أن قصص هذه المسلسلات بعلاقات الشخصيات وصراعاتهم، وقدرة كاتب النص على إتقانه في حبكة الفيلم لتشويق المُشاهد، وفكر الكاتب والمنتج والمخرج لإنتاج عمل مُتقن، وفهم المُخرج لأهمية علاقة العاطفة أو الإحساس العام لدراما المسلسل.

وتابع حداد “أما الأعمال الأخرى والتي تابعت بعضها لم ترق لمُستوى النص الجيد بسبب أخطاء في فهم الإخراج وكتابة النصوص، فلا وضوح للمكان الذي تقع فيه الأحداث ولا حتى زمن وقوعها ولا توجد خصوصية واضحة للغة؛ أي بلا هوية، وديكورات غير حقيقية ومبالغ في ضخامتها والوانها، والاهتمام بالتكوين والوان الصورة والابهار البصري على حساب دراما العمل.

وحول الدراما الرمضانية الاردنية رأى حداد أن حضورها كماً ونوعاً كان وللأسف خجول جداً وقال إن اللوم في ذلك لا يقع على الفريق الفني في التصوير والمونتاج ولا حتى على فريق التمثيل، بل على المُنتجين والمؤسسات المعنية بالإنتاجات التلفزيونية”.

وفيما يتعلق بما يقدم على بعض الشاشات المحلية من كوميديا، استغرب وجود بعض الاعمال الكوميدية الهابطة التي اعتمدت على النكات التي لا ترقى لمستوى الإضحاك المبني على موقف تتعرض له الشخصية بل إضحاك مجاني مبني على مفردات تخدش القيم الاخلاقية المجتمعية ولا ترتقي بالذائقة.

وحول غياب أي عمل درامي في ظل مئوية الدولة الاردنية، يعاين التطور الثقافي والاجتماعي والمراحل الزمنية والتحولات التي عاشها المجتمع الأردني على امتداد مئة دعا المؤسسات الرسمية المعنية أن تضع أولوية للمشروع الوطني الفني عموماً وعلى رأسه دور وأثر الدراما السينمائية والتليفزيونية إيجاباً على الهوية الوطنية للمجتمع الأردني وعلى الأثر الاقتصادي الإيجابي الذي ستجنيه سياحياً وثقافياً من خلال الدراما التلفزيونية والأفلام الدرامية.

ومن جهته قال الفنان انور خليل “أطل علينا شهر رمضان المبارك بالكثير من المسلسلات الرمضانية التي غزت الفضائيات والمنصات الإلكترونية، وكان معظمها بعيدا عن الواقع بالاعتماد على اسلوب العنف والثأر والتهريب أو أعمال تقدم حكايا من الملفات الأمنية والمخابراتية والتي تتناول الأرهاب.

وأضاف إن ثمة إستثناءات قليلة قدمت أعمالا ذات محتوى فني ولامست قضايا وهموم المجتمعات العربية ومنها الاعمال المصرية “لعبة نيوتن”، و”خلي بالك من زيزي” و”نجيب زاهي زركش” فيما لا زلت الدراما السورية ترواح أعمال الحارة الدمشقية، لافتا إلى تراجع تنافسية الدراما الأردنية عن الدراما العربية.

وقال “نحن متأخرون كثيرا في هذا المجال بعد أن كنا في ثمانينيات القرن الماضي ننافس الدراما المصرية، عازيا ذلك التراجع الكبير إلى عدم إيمان المؤسسات الرسمية بدور الدراما والفن وعدم دعمه وخاصة أن السوق العربي لا يتعامل مع الأردن إلا من خلال المسلسل البدوي والذي قل الطلب عليه لعدم طرح موضوعات كما في السابق بالاضافة إلى ضعف الإنتاج. ودعا إلى تأسيس شركة إنتاج وطنية تنتج أعمالا ضمن استراتيجية معينة لعودة العمل الأردني للمنافسة.

وفي ظل الاحتفالات بمناسبة مئوية تأسيس الدولة أعرب عن أمله بأن ينتج عمل درامي يتحدث عن مراحل التحولات الثقافية والاجتماعية التي عايشها المجتمع الأردني.

وقال الناقد الفني والصحافي الزميل صالح اسعد إن دورة الدراما التلفزيونية الرمضانية لهذا العام شهدت كثرة الاعمال رغم ظروف جائحة كورونا اذ انها بلغت نحو 70 عملا، ولوحظ العودة الى مسلسلات ذات الـ15 حلقة ومنها “بين السماء والارض”، مشيرا إلى دخول تداعيات الكورونا في سياقات قصص عدد من الاعمال الدرامية التلفزيونية واثرها على الاسرة، مستدركا أن هذا التداخل اعتمد على الاثارة والخيال دون سياقات علمية منطقية.

وأضاف أسعد إن ثمة اعمالا درامية رمضانية عربية كانت تحمل رسائل موجهة ذات طابع سياسي واخرى اشتهرت باجزائها إلا انها ابتعدت في جزئها الذي عرض اخيرا عن المضمون وبقيت رهينة اسم العمل، لافتا إلى كثرة الاعمال التي تتناول قضايا عصابات الاجرام المنظم وتجارة المخدرات. وأشار الى اعمال عربية اقتربت من قضايا وهموم الشباب العربي ولاسيما البحث عن مآلات وفرص حياة افضل خارج اوطانهم في ظل انسداد الافاق في مجتمعاتهم العربية وذلك من خلال الحصول على جنسية دولة اجنبية مثل مسلسل “لعبة نيوتن”، معتبرا أن هذا الطرح يعد طرحا جديدا تتناوله الدراما العربية.

ولفت إلى أن معظم الاعمال الدرامية الرمضانية العربية ابتعدت عن قضايا العرب المركزية ومنها القدس وفلسطين.

وقال إن ان كاتب السيناريو في السابق كان يأخذ وقته في كتابه العمل ويشتغل عليه لمدة عام أما الان فكتابة الاعمال في وقت قصير بحيث اصبح العمل الرمضاني عملا عاديا يفقد الكثير من تميزه ولم يعد ذلك الجهد المبذول كالسابق.

ولفت إلى ان بعض الاعمال اخذت منحى أنسنة المجرم ومنحه جرعة كبيرة من التعاطف، ولغياب الاعمال التاريخية، وكذلك الاعمال الكوميدية باستثناء بعض الاعمال الخليجية علاوة على محدودية الاعمال البدوية والتي لم تلق متابعة جماهيرية واسعة.

اما على صعيد الاعمال الدرامية الاردنية راى اسعد ان رغم إنتاج نحو ثمانية اعمال عرضت في الدورة الرمضانية الحالية إلا أن ثمة مشكلة ما زالت قائمة قبل جائحة كورونا. وفي هذا الصدد عزا ذلك لنمطية تفكير الجهات التي تتحكم بالانتاج، بالاضافة لمحدودية الميزانيات والمجاملات والرقابة على النصوص.

ولفت لافتقاد الدراما التلفزيونية الاردنية لما يطلق عليه نجم شاشة عربي يستطيع ان يسوق الانتاج لدى الفضائيات، في الوقت الذي لا يتم إستقطاب نجوم أردنيين حققوا نجومية عربية كبيرة على الساحة العربية ويعملون خارج ساحة الانتاج الاردني ومنهم صبا مبارك واياد نصار ومنذر رياحنة وميس حمدان وغيرهم الكثير، بالاضافة لمخرجين اردنيين استطاعوا ان يحققوا حضورا عربيا لافتا وشهرة عريضة ومنهم محمد عزيزية ومحمد لطفي واياد الخزوز.

وأشار إلى أن ازمة الدراما التلفزيونية الاردنية قديمة متجددة بحسب اسعد الذي راى انها تعود لاول عمل درامي تلفزيوني اردني عام 1968 لانه باستثناء التلفزيون الاردني الذي تقيده محدودية ميزانية الإنتاج. ورأى انه للخروج من هذه المتاهة هو العودة للاسلوب الذي كان متبعا في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي من خلال اشراك نجوم عرب بالاعمال التلفزيونية الاردنية، خصوصا اولئك الذين هم في بداية سلم النجومية ما يسهم في تسويقها عربيا، علاوة على النجوم الاردنيين العاملين خارج الاردن.

وأشار الى ان عودة نهوض الدراما اللبنانية بعد غياب عن الساحة العربية لاكثر من ثلاثة عقود، وحتى المصرية في السنوات الاخيرة هو دليل على الاستفادة من نجومية العديد من الممثلين والكتاب والمخرجين العرب ومنهم السوريين واحتضانهم في اعمال تلفزيونية مصرية ولبنانية تحقق الان حضورا عربيا واسعا مع مراعاة الممثل المناسب للدور المناسب.(بترا – مجدي التل)

زر الذهاب إلى الأعلى