ما الذي يمنع أن يكون لدينا مركز وطني للدراسات الاستراتيجية ؟

حسين الرواشدة

تحتاج الفكرة، أولا، لمزيد من التوضيح : بلدنا يمر بأزمات داخلية، وأخرى خارجية، متكررة و عميقة ومفاجئة أحيانا، القرارات والإجراءات التي غالبا ما نتخذها تعتمد على ردود الفعل، و المعالجة «بالمياومة»، المراكز التي تباشر عملية إجراء الاستطلاعات، أو تقديم التقييمات، أو تقدير الموقف، تتعرض أحيانا للتشكيك، وبعضها غير موثوق به.

هذه الأسباب وغيرها، تستدعي التفكير بجدوى تأسيس مركز يُعنى بالبحث والدراسة، تشارك فيه كل إدارات الدولة، المدنية والعسكرية، ويستعين بخبراء من كافة المجالات، و يتولى تزويد الدولة بما تحتاجه، سواء فيما يتعلق بأزمات الحاضر، أو استشراف المستقبل.

يمكن أن يكون هذا المركز بمثابة «خزان تفكير» للمركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات، باعتبار الثاني حلقة وصل للتنسيق بين المؤسسات الوطنية، لتمكينها من مواجهة الأزمات (كما حدث في جائحة كورونا )، يمكن، أيضا، أن يتوسع دوره ليكون «رقيبا « محايدا على أداء الدولة بكافة إدارتها، أين أصابت وأين أخطأت، كأن يصدر، مثلا، تقريرا سنويا لتقييم هذا الأداء العام، يمكن، ثالثا، أن يؤسس لقاعدة بيانات وطنية، تشمل كافة القطاعات في الدولة، تستند إليها الادارة العامة وقت الأزمات.

أعرف أن هذه الفكرة طرحت قبل نحو عام، لكنها لم تنفذ وأودعت بالإدراج، أعرف، أيضا، أن لدى غيرنا من الدول مراكز (think tank) او بيوت خبرة، تساهم برسم الاستراتيجيات، وتقديم التوصيات عند الأزمات، وهي في بعض الأحيان تابعة لمؤسسات المجتمع أو لإدارات الدولة، ولها دور كبير في صياغة القرارات السياسية والاقتصادية وغيرها.

أعرف، ثالثا، أن دولا أخرى ذهبت بعيدا فأنشأت هيئة لـ» تشخيص مصلحة النظام « وحددت لها أدوارا محددة بموجب الدستور، ما يعني أن الدول تختار، باختلاف مصالحها واتجاهاتها السياسية، ما يلزم من مراكز للتفكير والاستشارة والرقابة، تساعد صانعي القرار عند اتخاذ القرارات، وتجسّر الفجوة بينهم وبين المجتمع، من خلال خبراء يتم اختيارهم على أساس الكفاءة، كل ذلك لضبط إيقاع حركة إدارة الدولة والمجتمع بالاتجاه الصحيح.

يكفي هنا أن نستدعي أكثر من مسألة لأجل الاقتناع بفكرة إنشاء هكذا مركز، الأولى تتعلق بمعرفة حقيقة أداء إدارات الدولة (النواب والاعيان والحكومة مثلا ) وحالة المجتمع، وفيما إذا كانت نتائج الاستطلاعات التي وصلتنا على مدى السنوات الماضية دقيقة أم لا، ثم ما الذي يجب أن نفعله لتجاوز ما أشارت إليه نتائجها من أخطاء وأزمات.

المسألة الثانية : لا يوجد لدينا قاعدة بيانات وطنية موحدة وجاهزة، نستند إليها عند أي أزمة تواجهنا، حصل ذلك في أزمة كورونا وتوزيع التصاريح، كما حدث في قطاعات أخرى كالصحة والتعليم والزراعة وغيرها، وفيما يتعلق بأبنائنا المغتربين بالخارج.. الخ.

اما المسألة الثالثة فهي أن عملية التحديث التي بدأناها على مساراتها الثلاثة تحتاج إلى مركز بحثي يشكل «عقل « الدولة لمعرفة اتجاهات العملية وسيرورتها، وما قد تواجه من معيقات، وما تحتاجه من تحصين و رقابة سياسية وتقدير موقف عام، باتجاه تمكينها وانجاحها.

بلدنا -استراتيجيا – على الاقل، اصبح بحاجة ملحة لجهد وطني مخلص، يتولاه اصحاب خبرة اكفاء، ليس فقط لمواجهة الأزمات التي تحاصرنا من كل اتجاه وإنما لضمان أن نصمد ونتقدم في مئويتنا الثانية، و نتحرر مما وقعنا فيه من أخطاء وخيبات، ثم لكي نرصف الطريق لبناء مستقبل يليق بالأردنيين، والأردن العزيز.

(الدستور)

زر الذهاب إلى الأعلى