لنواجه التنمّر قبل أن يواجه أبناءنا

د. هيفاء ابوغزالة

لفت انتباهي حديث طفلة صغيرة سجلت لوحدها كلمات اعلامية عن التنمر. فكانت تروي ببراءة كيف يتعرض زملاؤها للتنمّر داخل المدرسة؛ طفل يُسخر منه لأنه يضع جهازاً لتقويم أسنانه، وآخر يُستهزأ به لأنه يرتدي نظارة طبية، وطفلة يثقل قلبها الألم لأن وزنها أصبح مادة للضحك. وطفل آخر يتأتأ بالكلام ، هذه المشاهد، رغم بساطتها في نظر البعض، تترك ندوباً عميقة في نفوس أبنائنا وتسرق منهم براءة الطفولة وثقتهم بأنفسهم، وتجعل المدرسة التي يفترض أن تكون بيت العلم والأمان مكاناً يثير الخوف والقلق.

التنمّر في مدارسنا ليس مجرد سلوك عابر أو مزحة ثقيلة، بل هو ظاهرة تهدد قيم الاحترام والتسامح التي نريد غرسها في الأجيال القادمة، ويمتد أثرها ليتحول إلى عزلة اجتماعية وضعف أكاديمي وربما أمراض نفسية ترافق الطفل سنوات طويلة. ولعل الخطورة الأكبر أن التنمّر إن تُرك دون مواجهة يتحول إلى ثقافة صامتة يعتادها الأطفال حتى يكبروا بها، فيعيدون إنتاجها في المجتمع.

مواجهته تبدأ من البيت، حين نزرع في أطفالنا الثقة بأن الاختلاف جمال، وأن كل إنسان له قيمة وكرامة مهما اختلف شكله أو قدراته. وتستمر في المدرسة، عندما يتحول المعلم والإدارة إلى خط دفاع أول، يراقبون ويعالجون ويؤسسون لثقافة “لا للتنمّر”، عبر أنشطة تربوية وحملات توعية وعقوبات رادعة. لكن الأهم أن نصنع بيئة مدرسية إيجابية، يكون فيها الطلاب أنفسهم جزءاً من الحل: يدعمون بعضهم، ويحمون زميلهم المختلف عنهم، ويجعلون من التنوع قوة لا نقطة ضعف.

إن حماية أطفالنا من التنمّر مسؤولية مشتركة بين الأسرة والمدرسة والمجتمع، وإذا أردنا أن نخفيه فعلينا ألا نتجاهله، بل نواجهه بالشجاعة والحكمة حتى نعيد للمدرسة دورها الحقيقي كفضاء للتعلم والاحترام، ونمنح أبناءنا الفرصة ليكبروا بسلام وأمان وثقة بأنفسهم وبمن حولهم.

زر الذهاب إلى الأعلى