لماذا لا يمكن إتمام المصالحة الفلسطينية؟
د. عقل صلاح*
لقد اتخذت حركة حماس قرارها الصعب في الولوج بالتفاهم مع تيار محمد دحلان وهي مدركة أن دحلان بمقدوره تحريك الملف الراكد وهو تخفيف شدة الحصار عن القطاع أو تحفيز الرئيس عباس لقبول المصالحة مع حماس، ومن ثم حدث اللقاء التاريخي بين دحلان والقائد الحمساوي يحيي السنوار المتنفذ في صنع القرار وهو الذي استطاع الاقتراب من العدو اللدود لحماس والتي كانت قيادة حماس لاتتجرأ على الاقتراب منه. وكأن حماس تقول للرئيس عباس إن عدوك هو صديقي واذا لم تتراجع عن كل العقوبات بحق القطاع سوف نعقد الصلح مع خصمك اللدود، مما شكل ورقة ضغط على حركة فتح التي وجدت نفسها في الزاوية بعد الدعم والرعاية المصرية للتقارب الحمساوي الدحلاني.
ولكن قيادة حماس في الخارج التي تعيش في دائرة الولاءات -القطرية الإخوانية التركية- تعترض على التقارب مع دحلان، وقيادة حماس في الضفة الغربية تقف نفس الموقف. وكانت ردة فعلهم واضحة من خلال اجتماعهم مع الرئيس عباس ورئيس الوزراء رامي الحمد الله في خضم الحرب المعلنة من قبل الرئيس على حماس في القطاع.
فحماس في القطاع التي تحظى بمركز اتخاذ القرار ووجود القوة العسكرية لكتائب القسام التي تقف خلف السنوار فتحت المجال لفرصة جديدة لإلتقاء المصالح مابين حماس والتيار الدحلاني وقيادة جهاز المخابرات المصري الذي يريد تحقيق انجاز في الساحة السيناوية باستخدام قوة حماس لردع السلفية الجهادية في القطاع ومحاصرتها في سيناء. فإلتقاء المصالح فرض التقارب، فحماس تبحث عن مخرج للخروج من عنق زجاجة الحصار ومصر التي تريد توجيه ضربات لداعش من أجل تحجيمها، ودحلان الذي يريد أن يكون له موطئ قدم في فلسطين.
على ضوء ذلك حاولت المخابرات المصرية طرق باب الرئاسة الفلسطينية من جديد من أجل المصالحة الشاملة مقتنعة بأن الرئيس عباس لن يقبل بالمصالحة مع دحلان تحت أي ظرف. فعرضت بناء على التردد الحمساوي في الغوص في بحر التقارب النهائي مع دحلان فطلبت المخابرات المصرية بالمصالحة الثلاثية – فتحاوي فتحاوي وفتحاوي حمساوي- وهذا ما يرفضه الرئيس عباس، وسيكون المعيق الأول من معيقات إتمام المصالحة مما يساعد حماس لحسم موقفها للتقارب النهائي مع دحلان.
أما المعيق الثاني فيتعلق بسلاح المقاومة، فكما هو معروف أن حماس استمدت شعبيتها وتفوقها على حركة فتح من خلال عملياتها العسكرية، ودورها البارز في مقاومة الاحتلال. ففي حال تخلت حماس عن المقاومة وسلاحها فستصبح شبيهة بحركة فتح وبرنامجها هو نفس برنامج فتح، ومن المستحيل أن تقدم حماس عليه وهذا ما أكده القائد الحمساوي موسى أبو مرزوق في تصريح له في 22أيلول/سبتمبر الجاري بأن سلاح المقاومة ليس مطروح على طاولة الحوار، ومعنى ذلك أن الموقف الأمريكي والإسرائيلي سيكون في هذا الملف حاسم ومعطل، إضافة إلى أن الرئيس عباس ليس الرئيس اللبناني ميشال عون الذي سيدافع عن سلاح المقاومة
ويتمثل المعيق الثالث في الجنود والمعتقلين الإسرائليين لدى كتائب القسام، حيث سيشترط العالم والبعض العربي وإسرائيل بأن يتم تسليم الجنود سواء أحياء أو أموات من أجل إحياء انفراجة في حصار غزة والمصالحة، وهذا الملف بالنسبة لحماس مصيري ولايمكن لها أن تساوم عليه فهو العامل الأساسي الذي تعول عليه حماس في رفع شعبيتها وزيادة فرصها في التفوق على الخصم والفوز في أي انتخابات قادمة.
وينصرف المعيق الرابع الذي لايقل أهمية عن سابقيه في الأنفاق التي أوجعت الاحتلال والتي ستؤلمه في أي حرب قادمة، وإسرائيل تخطط ليلًا ونهارًا للخلاص من كابوس الأنفاق فسوف تطالب إسرائيل مدعومة من أمريكا والبعض العربي بأن تسلم حماس خريطة الأنفاق التي تصل المستوطنات الإسرائيلية. وهذا يعني لحماس خيانة للمقاومة وشلالات الدماء التي سالت من أجل صناعة شبكة الأنفاق التي تعول عليها حماس، فهي أهم استراتيجية عسكرية في التفوق وحسم نتيجة أي حرب قادمة.
والمعيق الخامس والأخير والذي يتعلق في الجانب الإداري الوظيفي، فحماس تريد بقاء تواجدها التنظيمي والسيطرة الخفية على المؤسسات- المدنية والأمنية- من خلال موظفيها الإداريين والأجهزة الأمنية. فحماس لايمكن لها التنازل عن ملف الموظفين وتسكينهم على الهيكليات الرسمية، وهذا يشكل عائق أمام السلطة في رام الله من الجانب الإداري والمالي والمعنوي وستواجه مشكلة بأنها تخلصت من أبناء فتح من خلال التقاعد الإجباري المبكر ليحل محلهم أبناء حماس وهذا لايمكن أن يستقيم عند حركة فتح.
كل العوامل سابقة الذكر تقف سدًا منيعًا أمام تحقيق المصالحة، بالإضافة للعديد من العوامل التي يمكن تذليلها أو إحداث اختراق بها، ولكن حتى لو حدثت المصالحة التقاربية الاضطرارية فلن تعمر وسوف تصدم بكل الملفات المرحلة وبالمطالب الإسرائيلية والأمريكية والعربية الجديدة التي ستورط الحكومة الفلسطينية في ملفات أمنية خطيرة مما سيعود الصدام مرة ثانية مع حركة حماس التي لن تترد في السيطرة على القطاع مرة ثانية خلال ساعتين. ومن هذه الملفات مخازن الصواريخ والسلاح والجنود والأنفاق والتنسيق الأمني وغيرها الكثير. ولهذا كله لايمكن اتمام المصالحة الفلسطينية-الفلسطينية الشاملة فستكون هناك مصالحة مجزوءة مع التيار الاصلاحي والذي سيكون له نصيب كبير في اللجنة الإدارية الجديدة التي ستشكل هذه المرة بمشاركة دحلان وبعض التنظيمات الفلسطينية.
فالمصالحة الشاملة تتطلب وجود قيادة فلسطينية مستقلة القرار، تدافع عن نهج المقاومة وسلاحها وحمايتها، واعتبار القطاع محرر وتشكيلات المقاومة وفي مقدمتهم كتائب القسام هم جيش احتياط وطني. وفي الوقت الحاضر هذا غير ممكن في فلسطين بعكس لبنان، فندما طلبت أمريكا من الرئيس اللبناني عون عدم خوض معركة جرود عرسال رفض الرئيس اللبناني عون هذا المطلب وقامت المقاومة والجيش بتحرير جرود عرسال وهذا غير متوفر في القيادة الفلسطينية الحالية التي لاتستطيع مواجة أمريكا وإسرائيل وغيرها.
كاتب وباحث فلسطيني مختص بالحركات الأيديولوجية.