للأكاديمي نهاد خنفر.. رواية “المعصرة” ترصد تفاصيل أوضاع الفلسطينيين في الثلاثينيات

رواية المعصرة

المؤلف: د. نهاد خنفر

صدر مؤخرا عن دار الشامل للنشر والتوزيع/فلسطين-نابلس الطبعة الاولى من رواية المعصرة لمؤلفها الاكاديمي الفلسطيني الدكتور نهاد خنفر، وقد حظيت الرواية باحتفاء وإشادة أدبية وشعبية لافتة، وحازت على اهتمام النقاد الفلسطينيين الذين اشادوا بالرواية واسلوبها السردي. وتقع الرواية في حوالي الخمسمائة صفحة من القطع المتوسط، حيث ان الرواية عبارة عن رصد لتفاصيل الحياة الاجتماعية والسياسية الوطنية خلال فترة الثلاثينات من القرن العشرين.

في قرية برقة- نابلس تبدأ حبكة الرواية وشخصيتها الرئيسية. بحيث تشمل تحقيبا زمنيا متسلسلا، يمر بمرحلة الثلاثينات وخصوصا الثورة الفلسطينية الكبرى، تتغذى الحبكة الرئيسية من خلال حبكات فرعية قوامها عدد من قادة الثورة المحليين بما فيها من الم وفرح وعلاقات اجتماعية ندر التطرق اليها في اعمال روائية أو درامية فلسطينية سابقة.

تعرج الرواية في بعض احداثها على عبد الرحيم محمود كشاعر ومثقف وقائد ثوري، ابراهيم طوقان، ابو خالد (محمد صالح الحمد) سيلة الظهر، وابو جلدة والعرميط وغيرهم ضمن الحقب الزمنية الاساسية التي تتناولها الرواية.

كل الخطوط والحبكات الروائية الرئيسية والفرعية مبنية على شخصية اسماعيل راصدة تفاصيل حياته التي بدأت باليتم المبكر وقصة كفاحه الطويلة التي صقلته حتى تحول الى بطل شعبي يلعب ادوارا رئيسية على المستوى الاجتماعي والوطني.

لا يغيب عن الرواية التطرق الى دور المرأة الفلسطينية واسهاماتها في اطوار الحياة الاجتماعية والنضالية الفلسطينية منذ البدايات الاولى للاحداث التي قامت عليها الرواية، وكذلك الامر في تناول النسيج الاجتماعي الفلسطيني من خلال الانسجام الاجتماعي والوطني بين المكونات الاجتماعية والدينية، من خلال بعض الحبكات الفرعية المرتبطة بمدينة نابلس والشمال الفلسطيني عموما.

تتمحور فكرة الرواية على حالة اليتم وتحدياتها والخروج منها حتى الوصول الى هزيمتها والصعود بالسلم الاجتماعي الى اعلى درجاته.

الحزن والحب والثورة باسقاطاتها الاجتماعية والسياسية تحتل كثيرا من أجزاء الرواية وفصولها.

تقدم الرواية سردا سلسا يصور احداث وشخصيات حقيقية تنتمي لتلك الفترة في قالب سردي روائي مشوق. تتاسس الحبكة الرئيسية على القدر المحزن الذي حاصر اسماعيل في دائرة اليتم والجور الاجتماعي الذي كرس مأساته حتى قبل ان يبلغ السنتين من عمره. تتصاعد حبكة الرواية بوتيرة اجتماعية تحاكي التقاليد المحافظة في المجتمع الفلسطيني والتي افضت الى اجبار ام اسماعيل على الزواج من عمه الذي يسومهما سوء العذاب.

تضيق سبل الحياة باسماعيل، فيتحول السخط عنده الى قرار الهرب من القرية تحت جنح الظلام، وينتهي به عاملا في معصرة زيتون في القرية المجاورة، بحيث تكون حياته هناك فصلا جديدا من الاستغلال واللؤم من قبل مالك المعصرة ليعمل بالسخرة. تجربة اسماعيل وصبره وخبرته لفتت انتباه بعض الثوار الذين تعرف عليهم اثناء العمل بالمعصرة ابان الثلاثينات، وانتهى بالانضمام اليهم وانخرط في القتال ضد الاحتلال البريطاني.

الدوائر والحركة الاجتماعية لاسماعيل تشكل محاور دائمة الهبوط والتصاعد مدعومة بحبكات فرعية تتحرك تصاعديا مع نمو شخصيته وتقدمها في مجال القيادة والعمل الثوري واحتكاكه ثم صداقته مع القادة الكبار في فترة الثلاثينات “عبد الرحيم محمود، عبد الرحيم الحاج محمد، ابراهيم طوقان، عبد القادر الحسيني” وغيرهم وما يرتبط بذلك من احداث.

لا تهمل الرواية الجوانب التي حكمت العلاقات السياسية الداخلية على الصعيد الوطني في تلك الفترة مرورا بالنكبة وما فيها من تفاصيل غنية بالكاد ذكرت باعمال روائية او درامية سابقة.

يتم تطوير شخصية اسماعيل بمكتنزاتها الاجتماعية/الوطنية في حياته، زواجه، علاقاته الواسعة والرغبة في الانتصار على كل الظروف والعقبات للوصول الى مراحل متقدمة في التراتبية الاجتماعية والوطنية.

هناك تركيز درامي على العلاقة الفلسطينية العربية وجذورها في الثلاثينات وخصوصا مع بعض دول الخليج العربي والبصمات التي تركها الفلسطينيون في الكويت والبحرين، وخصوصا في مجال المعلمين الذين كان لهم الاسهام الكبير في تطوير التعليم في تلك الدول، وكذلك حركة الطلاب العرب الذين درسوا في المدارس والكليات الفلسطينية على ايدي الاساتذة الفلسطينيين.

تسلط الرواية في بعض تفاصيلها الضوء على المقاتلين العرب الذين ساهموا في الثورة ضد الاستعمار البريطاني قبل 48 مثل السوريين والسعوديين والكويتيين وغيرهم.

الخط العاطفي كان له نصيب هام في التوظيف الروائي والذي ارتكز على قصة الحب التي جمعت اسماعيل وزُهرة (ابنة صاحب المعصرة) وتخللها تفاصيل تضفي على الرواية مسحة ناعمة على تجاعيد الحياة وتعقيداتها في ذلك الوقت. هناك اصوات متعددة في خطاب الرواية يستعرض الكاتب من خلالها تفاصيل اساسية في التطورات الاجتماعية وتعقيداتها، بالاضافة الى الخط العاطفي، وبعض الفكاهة والتناقضات السياسية والاجتماعية على امتداد الرواية. وكذلك ابراز شخصية الثائر/المقاتل المثقف الذي يتم اظهاره بتقنية روائية سلسة تجعله جزءاً من تطور الاحداث التي لا اقحام فيها ولا شبهة ادعاء.

تصلح الرواية لأن تكون مسلسلا دراميا شيقا قد يشكل اضافة نوعية للدراما الفلسطينية والعربية التي تغطي تلك الفترة التاريخية التي قلت الاعمال التلفزيونية التي تناولتها.

فهي ترصد الوضع الفلسطيني في الثلاثينيات من زوايا مختلفة قد تشكل عنصرا دراميا يساهم في تسويق الرواية الفلسطينية ويسلط الضوء على مجموعة من الاحداث والشخصيات التي لم تأخذ حقها في الاعمال الدرامية او الادبية سابقا.

يذكر ان رواية المعصرة هي العمل الروائي الثاني للمؤلف بعد رواية فتاة من بابل التي صدر منها طبعتين حتى الان.

زر الذهاب إلى الأعلى