“قلبي فلسطيني”.. مارادونا الذي أزعج رؤساء أميركا

الكاتب: زهراء ديراني

إنه دييغو مارادونا، أسطورة كرة القدم التي لن تتكرر، الرقم الصعب في ملاعب المستديرة، والفتى الذهبي الذي خرج من أحياء بيونس آيرس الفقيرة، ليدخل عالم النجومية من أوسع أبوابها. إنه مارادونا، اللاعب الذي أبهر العالم بحركاته الساحرة، وخطف أنفاس الجماهير بأهدافه، وأشعل الحماسة في المدرجات.

مارادونا، اسم محفور في ذاكرة أجيال بأكمالها، فحتى وإن لم تكن من عشاق هذه اللعبة، لا يمكن أن يمر اسمه من دون أن تتذكر هدفه الذي هز شباك الإنكليز وكسر كبريائهم وأقصى منتخبهم من ربع كأس العالم عام 1986، أو أن تستعيد من أرشيف ذاكرتك صورته الشهيرة في مراوغة لاعبي بلجيكا في النصف النهائي، أو أن تسترجع مشهد صراخه أمام عدسات الكاميرا بعد هدف اليونان عام 1994.

دييغو.. والعداء لأميركا

شجاعة مارادونا لم تنحصر داخل المستطيل الأخضر، أهداف كثيرة سجلها النجم الأرجنتيني في مرمى السياسة. مواقف جريئة ولاذعة أطلقها ضد الولايات المتحدة، كان معاديا لسياستها في العالم، ومعارضا لها بشكل علني. عام 2005 احتج مارادونا على حضور الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش في قمة الأميركيتين في “مار ديل بلاتا” بالأرجنتين، ارتدى قميصاً يحمل عبارة “توقف بوش”، ووصفه بالقاتل والسفاح.

العداء لسياسات واشنطن لم يقتصر على هذا الحدث، ففي عام 2007 قال مارادونا في إحدى المقابلات التلفزيونية إنه يكره كل ما يأتي من الولايات المتحدة، اشتدت مواقفه المعارضة تجاهها وأصبحت أكثر حدة بعد وصول الرئيس دونالد ترامب إلى الحكم، انتقد سياسته تجاه دول أميركا اللاتينية، ووصفه بالدمية. عام 2018 توجه إلى ترامب بعد فوز فريقه في إحدى المناسبات بالقول: “أهدي الفوز لمادورو وفنزويلا، التي تعاني بسبب أميركا، هي تعتقد أنها شرطية العالم، لأن لديها أكبر قنبلة، تعتقد أنها تستطيع دهسنا، لكن ذلك لن يحدث، لن يستطيع الطاغية الذي عين رئيساً أن يشترينا”.

مواقف مارادونا ضد رؤوسا البيت الأبيض جعلته شخصا مكروها لدى السلطات الأميركية، ففي عام 2018 منعته الأخيرة من الدخول إلى أراضيها، ورفضت منحه التأشيرة، بسبب تصريحاته ضد ترامب، ويعد هذا الرفض تكرارا لما حدث عام 2013.

مارادونا.. الصديق المخلص

حتما هي صدفة، أن تتزامن وفاة مارادونا مع ذكرى رحيل الزعيم الكوبي فيديل كاسترو، لكن المؤكد أن العلاقة الوطيدة بين الرجلين كانت أعمق من أن تسرد تفاصيلها في بضعة أسطر، فاللاعب الصلب، أبكاه رحيل كاسترو، نعاه يومذاك، ووصفه بالأب العظيم.

دفع مارادونا ثمنا باهظا لصداقته مع كاسترو، وتأييده لهوغو تشافيز، ومساندته لمادورو، وإعجابه بتشي غيفارا الذي طبع صورته وشما على يده، لكنه ظل ثابتا على مواقفه، حتى بعد رحيل الزعيمين الكوبي والفنزويلي. ففي عام 2017 أعلن مارادونا عن دعمه للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في الانتخابات، قائلا: ” نحن جنود نيكولاس، جئت مع عائلتي لنقف إلى جانبه”.

الأسطورة..” قلبي فلسطيني”

عام 2011 وبعد انتهائه من التدريبات مع نادي الوصل الإماراتي، خرج مارادونا من الملعب، وكان بانتظاره عدد من المشجعين من بينهم شبان فلسطينيون، فاقترب أحدهم من مارادونا حاملاً الكوفية الفلسطينية وقال له “هذه لك”، ارتسمت على شفتيّ مارادونا ابتسامة عفوية، ثم عانق الشاب وهتف باللهجة الإسبانية: “تحيا فلسطين”.

بعده بعام كشف مارادونا عن رغبته في زيارة فلسطين ودعمه المطلق لقضية شعبها قائلا: “افتخر بالدعوة التي وجهت إلي لزيارة فلسطين، فأنا الداعم الأول لقضيتها العادلة. الشعب الفلسطيني شعب عظيم ويجب علينا جميعا الوقوف إلى جانبهم. أحبهم كمحبتي لحفيدي، وسأستمر في دعمهم وسأزورهم قريبا، وليغضب من يغضب”.

ومن أبرز مواقفه تجاه القضية كانت عند لقائه مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في مونديال روسيا عام 2018، فقال له: “أنا فلسطيني، وقلبي فلسطيني”.

دييغو.. ومحمود درويش

رحل مارادونا، تاركا خلفه إرثا لا حدود له، وأثرا لا يملأه أحد، خانته دقات قلبه، فتوقف، وغادر ملعب الحياة، لكن اسم عاشق كرة القدم الذي ترك بصمته في أشهر ملاعبها سيبقى خالدا في الذاكرة، ولعل الوحيد القادر على وصف الفراغ الذي سيخلفه غياب دييغو مارادونا هو الشاعر الفلسطيني محمود درويش.. وبأبيات قصيدته نختم..

“ماذا نفعل بعدما عاد مارادونا إلى أهله في الأرجنتين؟

مع من سنسهر، بعدما اعتدنا أن نعلّق طمأنينة القلب، وخوفه، على قدميه المعجزتين؟

وإلى من نأنس ونتحمّس بعدما أدمناه شهراً تحوّلنا خلاله من مشاهدين إلى عشّاق؟

ولمن سنرفع صراخ الحماسة والمتعة ودبابيس الدم، بعدما وجدنا فيه بطلنا المنشود.

وأجّج فينا عطش الحاجة إلى: بطل.. بطل نصفق له، ندعو له بالنصر، نعلّق له تميمة، ونخاف عليه وعلى أملنا فيه من الانكسار؟”

زر الذهاب إلى الأعلى