في كردستان

شاركت قبل أیام في ملتقى إقلیمي حول مسائل الأمن والسیادة في المنطقة في اربیل عاصمة كردستان العراق. كان الملتقى باكورة نشاطات مركز دراسات وأبحاث نشأ حدیثا ویتبع مؤسسة إعلامیة كبرى (روداو) قریبة من الحزب الدیمقراطي الكردستاني والرئیس مسعود برزاني.

وتوزعت محاور البحث على جلسات من بینھا واحدة عن تركیا وأخرى عن ایران. لكن مداخلات الضیوف من الطرفین لم تكن مریحة ولم تساھم في إغناء الحوار ولم تتزحزح عن الخطاب الرسمي لكلا البلدین القائم على الإنكار، وحجر الزاویة في الخطاب التركي إنكار المسألة الكردیة داخل تركیا واعتبار حزب العمال الكردستاني تنظیما ارھابیا مماثلا لداعش.

بالمقابل تحدث جنرال امیركي سابق كان یقود القوات الغربیة الحلیفة للولایات المتحدة في العراق برؤیة نقدیة متحررة، وعندما طلب احد الحضور منھ ان یسمي خطأ رئیسا للاحتلال الأمیركي في العراق قال بلا تردد إنھ حل الجیش العراقي.

المناخ الآن في كردستان أكثر استرخاء مما كان علیھ قبل اشھر حین شاركنا في السلیمانیة في ملتقى حول ”حق تقریر المصیر“، وذلك قبل ثلاثة اسابیع فقط على الاستفتاء على استقلال الاقلیم وكان التوتر شدیدا وأجواء حرب محتملة مع بغداد تخیم على الأجواء، فأربیل تصر وبغداد ترفض وتھدد. وقد سمع الأكراد منا نصائح ورجاء بعدم اجراء الاستفتاء لكنھم كانوا یقولون إنھا مسألة مبدئیة أن یعبر الشعب عن رأیھ بالاستقلال في دولة كردیة ولن یعني ذلك مباشرة تنفیذ الانفصال من طرف واحد. وأول أمس فقط أسر لنا الصدیق الملا بختیار (الاتحاد الوطني الكردستاني) الذي نظم لقاء السلیمانیة أن رأیھم في اللقاءات الداخلیة الكردیة كان عدم اجراء الاستفتاء رغم موافقتھم المبدئیة علیھ وأنھ قصد من ملتقى السلیمانیة اسماع صوت المعارضة من أصدقاء الكرد العراقیین والعرب. وكما ھو معروف فقد سجل الكرد خسارة الكثیر من المكتسبات بسبب الاستفتاء منھا خسارة السیطرة على كركوك ومناطق متنازع علیھا بین الأقلیم وبغداد كانت البشمركة قد حررتھا من داعش.

لا یعترف الأكراد بأن الاستفتاء كان خسارة صافیة ویعتبرون أنھ وثّق للتاریخ موقف الشعب الكردي المنحاز لحق تقریر المصیر لكن یرتبط تحقیقھ بظروف جیوسیاسیة غیر قائمة في الحقبة الحالیة وإلى أمد غیر معروف. والواقع ان ھذا الموضوع الذي أثار توترا مع دول الجوار واقترب من نشوب حرب مع بغداد أصبح وراء ظھرھم وھناك سیاسة براغماتیة معقدة في التعامل مع قوس الجوار التركي الإیراني السوري وثمة مناطق تتكثف فیھا التناقضات والمصالح والمطامح وتتجاور أقلیات ومیلیشیات محلیة ترتبط بقوى أكبر. والمھم على المستوى الوطني أن الانتخابات العراقیة التي جرت اعطت توازنات جدیدة وكذلك الانتخابات الكردیة وأدخلت الجمیع في مرحلة جدیدة تخللتھا مفاوضات معقدة لتقاسم المناصب ولتشكیل الحكومتین المركزیة في بغداد والمحلیة للأقلیم مع كل ما تخللھما من مناورات وتقلبات في التحالفات التي خلطت الكثیر من الأوراق واخترقت عرضیا القوى الشیعیة والسنیة والكردیة. وقد تحسنت العلاقة مع بغداد وخصوصا في ظل رئاسة عادل عبد المھدي وصدر القرار ونحن ھناك باستئناف دفع رواتب الموظفین المعطلة منذ عامین وھو ما یساھم في انعاش الوضع الاقتصادي.

الرسالة التي حملناھا كانت تشجیع الكرد على الاقتراب ولعب دور داعم لاقتراب العراق الشرقي العربي والأردن في القلب منھ كمصلحة أكیدة للطرفین في مواجھة التدخلات الثقیلة الایرانیة والتركیة. والقنصلیة الأردنیة في اربیل تنشط بصورة فعالة ھناك، وكان القنصل العام الأردني في اربیل ھیثم ابو الفول قد استضافنا مع اصدقاء عراقیین على العشاء في بیتھ وحضر افتتاح الملتقى وأفرحنا بمتابعتھ الحثیثة والعلاقات الحمیمة والاحترام الذي یحظى بھ مع مختلف المستویات ھناك.

الغد

زر الذهاب إلى الأعلى