في الإنتخابات الرئاسية الفلسطينية القادمة… سقط المستقلّون سهواً

بقلم: د. رائد أبو بدوية

يبدو أنّ الإنقسام الفلسطيني المشؤوم  والمستمر منذ عام 2007م، قد وضع أقدامه على طريق الإندثار عبر مبشّرات عودة مظاهر سيادة النظام السياسي الفلسطيني لقواعده الأصيلة، قواعده الشعبية الإنتخابية، تلك القواعد التي – وبلا شك- لن تمنح شرعية لكل من تغنّى بالإنقسام الفلسطيني يوماً ما.   رغم ألم الماضي، إلا أن الأمل ماضٍ فينا نحو عودةٍ للصفوف الوطنية القادرة – والقادرة جداً – على تقليم مخالب هذا الإحتلال البغيض.

برغم ذاك الألم البعيد وهذا الأمل القريب، ما زالت تخرج من هناك وهناك عقبات سياسية وقانونية وغيرها، منها ما هو من صناعة غيرنا ومنها ما هو ممّا فعلت أيدينا، منها ما قصدته الإرادات ومنها ما سهت عنه.  ورغم الجهود المبذولة المباركة من كل الأطراف الفلسطينية في حوار القاهرة لتذليل كثيرٍ من العقبات، إلّا أنّه يبدو – ويبدو واضحاً – أنّ هناك جهوداً أخرى مطلوبة من كافة الأطياف حتى تذلّل ما تبقّى وما سيظهر من عقبات إلى حين إتمام العرس الإنتخابي الفلسطيني والذي طالما انتظره الشعب الفلسطيني بكثير من الّصبر.

والحديث يدور هنا عن التعديل الذي أصدرته الرئاسة الفلسطينية بتاريخ 11\1\2021 ونُشر في العدد الممتاز رقم (23) لمجلّة الوقائع الفلسطينية، قرار بقانون رقم (1) لسنة 2021م والذي ينطوي على تعديل قرار بقانون رقم (1) لسنة 2007م بشأن الإنتخابات العامة.

فقد جاء هذا المرسوم بتعديلاتٍ تستحق الوقوف عليها، لا وبل تستحق التفنيد والتمحيص القانوني لغايات الوقوف على مشاربها، وذلك خشية أن تصبح لاحقا عقبة جادّة أمام الأمل الذي رسمته حوارات القاهرة وأكملت رسْمه مراسيم إجراء الإنتخابات الفلسطينية العامة قريبا.

فبعيداً عن التعديلات التي قد لا يثور جدلاً بشأنها، فإن التّعديل الأولى بالوقوف عليه هو التعديل على الفقرة 5 من المادة 39 من القانون الأصلي؛ حيث أن النّص القديم يشترط على مرشّح الرئاسة ان:

 ” يرفق مع طلب الترشّح  … كتاب من ممثل القائمة أو الحزب إذا كان مرشحاً عن قائمة أو حزب …” ، في حين أن النّص الجديد أسقط عبارة ” إذا كان مرشحاً عن قائمة أو حزب”.

ويثور التساؤل هنا، هل كان المقصود من هذا النّص حرمان الأفراد المستقلّين من الترشّح لإنتخابات الرئاسة اذا لم يكونوا مرشّحين نيابة عن قائمة إنتخابية أو حزب؟؟؟

لعلّ الإجابة عن هذا التساؤل غامضة بقدر غموض نوايا واضع هذا النّص، فلا هو عرّف لنا ما المقصود بالقائمة التي يتحدث عنها،  ولا المقصود بالحزب الذي يبغي.

 فمصطلح “القائمة” الذي أورده الصّائغ هنا، لا يمكن لنا الوقوف على تفسيره إلّا من خلال التعريفات التي أوردها المرسوم الأصلي في المادة الأولى منه وبشكل صريح، والتي أكّدت أن المقصود بالقائمة هي ” القائمة الانتخابية”.

وعليه يكون الصّائغ قد افترض انتخابات عامة تشريعية ورئاسية متزامنة، كما افترض أيضا إشتراط كتاب تفويض من القائمة الانتخابية لأيّ فرد يرغب بالترشّح للرئاسة نيابة عن هذه القائمة. وهو ما يعني سقوطاً مدوياً لهذا النص في الانتخابات الفلسطينية القادمة والتي أعلن عن إجرائها بالتتالي؛ حيث ستجري الانتخابات الرئاسية بعد الانتهاء من التشريعية. فلا يتصور – والحالة كذلك –  وجوداً لأية “قائمة انتخابية” أثناء إجراء الإنتخابات الرئاسية؛ فهذه القوائم

 – وعند إجراء الإنتخابات الرئاسية – تكون قد انتهى وجودها، إما بالفوز (وتصبح حينئذ كتل برلمانية أو أعضاءً في التشريعي)، أو بالفشل وعدم الفوز بأيّ مقعد من مقاعد المجلس التشريعي.

أمّا مصطلح “الحزب” الذي ورد في التعديل، فلا بد الوقوف أمامه بحذر شديد؛ فلا وجود لأي تعريف لمصطلح “حزب” في المرسوم الجديد أو المرسوم الأصلي، ولا أظن أن الصّائغ – ومَنْ ورائه – أرادوا بنا العودة الى تعريف قانون الأحزاب السياسية الأردني  رقم 15 لسنة 1955 النّافذ في الضفة الغربية دون غزة، والذي لا أظنّهم يعلمون بوجوده. ولا أظنّهم أرادوا بنا العودة الى مواثيق منظمة التحرير الفلسطينية وتعريفها للأحزاب الفلسطينية كونها ليست جزءاً من الهرمية التشريعية النّافذة أمام المحاكم الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة، ومنها محكمة الإنتخابات المشكّلة حديثاً.

لكن يبقى التخوّف ماثلاً ممّا أسمته لجنة الإنتخابات المركزية الفلسطينية ب “الهيئات الحزبية المعتمدة لدى اللجنة”، فلن يتمكن المستقل وقتها من الترشح لانتخابات الرئاسة الفلسطينية إلّا إذا ترشّح نيابة عن إحداها وكتاب تفويضٍ منها.

والأمر لكم …

*كلية الدراسات العليا – الجامعة العربية الامريكة

رام الله

زر الذهاب إلى الأعلى