غزة تتحول إلى هيروشيما ولكن روحها بقيت حية: لا تكرروا جريمتكم في الضفة

جدعون ليفي
نحن بحاجة إلى تفاؤل كبير كي لا نفقد ماء الوجه إزاء الاتفاق ونفسد الاحتفال، ولكن الأمر ممكن، لأن فيه جوانب مشرقة؛ فهو ليس اتفاق سلام بين “إسرائيل” وغزة، الذي كان سيكون أفضل بكثير، بل اتفاق فرضته الولايات المتحدة على “إسرائيل”، لكن من الواضح منذ فترة طويلة أن الاتفاق القسري وحده هو الكفيل بإحداث التغيير في “إسرائيل”. ها هو يحدث. بادرة أمل لاستمرار سياسة الإكراه الأمريكية التي لن يتحرك أي شيء بدونها.
كثيرون تم إنقاذهم من الموت في نهاية الأسبوع الماضي، وخوف وجوع ومرض ومعاناة أكثر من مليوني شخص ربما تصل بالتدريج إلى النهاية. هذه الليلة، سينامون للمرة الأولى بدون خوف من قصف فوق رؤوسهم المكشوفة، وستعاد الحرية للمئات؛ الـ 20 مخطوفاً إسرائيلياً الأحياء، والـ 250 سجيناً مؤبداً فلسطينياً، والـ 1800 غزي معتقل، معظمهم أبرياء. نعم، دفعة واحدة. فالمعتقلون الفلسطينيون لهم عائلات أمضت أشهراً وسنين من الخوف وعدم اليقين إزاء مصيرهم. لا أحد من الـ 1800 معتقل من غزة الذين سيحررون سيتم تقديمه للمحاكمة. هم أيضاً مخطوفون. ومن الأفضل عدم المقارنة بين ظروف الاعتقال لدينا ولديهم. هي ظروف كانت مخيفة في الطرفين. لذلك، تحريرهم سبب للفرح، فرحنا جميعاً. جميع المخطوفين وكل العائلات.
أخيراً، وجد رئيس أمريكي تجرأ على استخدام رافعة عظيمة ليملي على “إسرائيل” خطواتها
هذا الاتفاق يعيد النظام إلى العلاقات بين الولايات المتحدة و”إسرائيل”. “إسرائيل” دولة مرعية، والولايات المتحدة هي الدولة العظمى الراعية. في السنوات الأخيرة، تم طمس هذه التعابير حتى أصبحت غير واضحة، وأحياناً كان يبدو -لا سيما في فترة الرئيس براك أوباما والرئيس بايدن- أن “إسرائيل” هي الدولة العظمى، والولايات المتحدة مرعية لها. أخيراً، وجد رئيس أمريكي تجرأ على استخدام رافعة عظيمة ليملي على “إسرائيل” خطواتها. الخطوات التي أملاها ترامب جيدة “لإسرائيل” رغم أن قلائل يعترفون بذلك.
وقف الحرب جيد لغزة، لكنه جيد “لإسرائيل” أيضاً. ليس هذا هو الوقت المناسب لإحصاء كل الأضرار المصيرية لهذه الحرب على “إسرائيل”، وبعض هذه الأضرار غير قابلة للإصلاح. العالم لن ينسى الإبادة الجماعية بسرعة، وستمر أجيال إلى أن تنسى غزة. وقف الحرب الآن هو أقل الشرور بالنسبة “لإسرائيل” التي ضلت الطريق. في الأشهر الأخيرة، كانت على شفا إبادة أخلاقية واستراتيجية. العم دونالد أعادها إلى حجمها، وربما يضعها على طريق أخرى.
كان يمكن “لإسرائيل” أن تتجنب هذه الحرب، التي أضرت بها، لكن نهايتها كان يمكن أيضاً أن تقوم بها بشكل مختلف. مفاوضات مباشرة مع حماس وبادرات حسن نية ربما كانت ستغير اللعبة. الانسحاب من كل القطاع وإطلاق سراح جميع السجناء كانت ستشير إلى بداية جديدة. ولكن “إسرائيل” اختارت كالعادة، التصرف بشكل مختلف، تنفيذ ما يفرض عليها فقط.
تنهي حماس هذه الحرب وهي واقفة على أرجلها. هي متعبة، نازفة، مصدومة، يعوزها كل شيء، ومع ذلك ما زالت واقفة على أرجلها. غزة أصبحت هيروشيما، لكن روحها ما زالت حية. تم إبعاد القضية الفلسطينية كلياً عن جدول الأعمال الدولي – بعد لحظة، السلام مع سوريا كان سيحول الفلسطينيين إلى الهنود الحمر في المنطقة – وجاءت الحرب ووضعتها على رأس القائمة. أصبح العالم يحبهم ويتعاطف معهم. سكان غزة الذين دفعوا ثمناً لا يمكن وصفه، لا شيء يعزيهم. ربما ينساهم العالم مرة أخرى، لكنهم أصبحوا في قمة العالم ولو للحظة.
هذه لحظة يجب استغلالها لتغيير المزاج هنا: هذا هو الوقت المناسب كي يفتح الإسرائيليون عيونهم ويشاهدون مع اقترفته أيديهم. ربما لا أحد يبكي على الحليب الذي سكب، لكن على الدماء التي سفكت نعم. هذا هو الوقت المناسب لفتح غزة أمام وسائل الإعلام والقول للإسرائيليين: انظروا، هذا ما فعلناه. هذا هو الوقت المناسب للتعلم بأن الاعتماد على القوة العسكرية فقط يؤدي إلى الدمار. هذا هو الوقت المناسب للفهم بأننا نعدّ لغزة أخرى في الضفة. هذا هو الوقت المناسب للنظر مباشرة والقول: أخطأنا، تعدينا وأجرمنا.
هآرتس 5/10/2025