غابة من السيناريوهات المحتملة وراء كارثة «الشموسة»

خلّفت حوادث الاختناق التي أودت بحياة عدد من المواطنين في محافظات أردنية مختلفة حالة من الحزن والصدمة، وأشاعت شعورًا واسعًا بالخوف داخل المجتمع، مع تزايد التحذيرات الرسمية من استخدام المدفأة المعروفة شعبيًا باسم «الشموسة». ومع توالي الضحايا خلال فترة زمنية قصيرة، لم يعد القلق محصورًا في عائلات المتوفين، بل امتد إلى آلاف البيوت التي باتت تتساءل عمّا إذا كانت وسائل التدفئة التي تستخدمها آمنة بالفعل.
وفي محاولة لفهم ما جرى، يتجه التقييم المهني إلى قراءة أعمق، تتجاوز توصيف الحوادث، نحو تفكيك «غابة من السيناريوهات الفنية» التي قد تقف خلف هذه الكارثة الصامتة.
ويضع خبراء السلامة هذا السيناريو في صدارة التفسير، حيث يؤدي أي خلل في توازن الهواء والوقود داخل المدفأة إلى احتراق غير كامل، ينتج عنه غاز أول أكسيد الكربون. ويُعد هذا الغاز من أخطر الملوثات المنزلية، لكونه عديم اللون والرائحة، ويتسلل إلى الرئتين دون أن يترك أي مؤشرات إنذارية.
في الاستخدام اليومي، تُشغّل المدافئ غالبًا داخل غرف مغلقة أو سيئة التهوية، خصوصًا في ساعات الليل. هذا الواقع، وفق مختصين، يسرّع من انخفاض نسبة الأكسجين في المكان، ويضاعف سرعة تراكم الغازات السامة، ما يجعل دقائق قليلة كافية لوقوع الاختناق.
وتشير تقييمات فنية أولية إلى أن بعض هذه المدافئ تفتقر إلى أنظمة أمان أساسية، مثل حساسات نقص الأكسجين أو آليات الإيقاف التلقائي عند ارتفاع الانبعاثات. وفي حال غياب هذه الأنظمة، لا يتوقف الجهاز عن العمل حتى في أخطر ظروف التشغيل، ما يرفع مستوى المخاطرة إلى حدّ قاتل.
ومن السيناريوهات الأقل تداولًا والأكثر خطورة، ما يُعرف بالانطفاء الجزئي للشعلة. ففي هذه الحالة، تستمر عملية ضخ الغاز رغم ضعف الاشتعال، ما يؤدي إلى تراكم سريع لأول أكسيد الكربون بدل احتراق الوقود بشكل سليم، وهو وضع يصعب على المستخدم ملاحظته بالعين المجردة.
ومع تكرار الحوادث في ظروف متقاربة، يبرز سيناريو العيب التصميمي كفرضية أساسية في أي تقرير فني. فالمدفأة التي تتحول إلى مصدر خطر عند الاستخدام الشائع داخل المنازل، لا عند ظروف استثنائية أو مخالفة، تُعد هندسيًا غير ملائمة للبيئات السكنية، حتى لو كانت تعمل «نظريًا» وفق تعليماتها.
ويلفت مختصون إلى احتمال وجود تفاوت كبير في جودة التصنيع بين الدفعات المختلفة من هذا النوع من المدافئ، سواء من حيث سماكة المواد المعدنية أو دقة أنظمة التحكم، وهو ما قد يؤدي إلى سلوك غير متوقع للجهاز عند الاستخدام المتواصل.
وتشير تقارير السلامة إلى أن تشغيل هذا النوع من المدافئ أثناء النوم يمثل أحد أخطر السيناريوهات، إذ يفقد المستخدم القدرة على ملاحظة أي أعراض أولية للتسمم، مثل الدوخة أو الصداع، ما يجعل الاختناق يحدث دون مقاومة أو طلب استغاثة.
ويرى خبراء أن جزءًا من المشكلة لا ينفصل عن طبيعة التحذيرات المصاحبة لهذه الأجهزة. فغياب إرشادات واضحة ومشددة، أو الاكتفاء بتنبيهات عامة وغير بارزة، ساهم في ترسيخ قناعة خاطئة لدى بعض المستخدمين بأن الجهاز آمن للاستخدام المنزلي المطوّل.
سيناريو المقارنة مع البدائل
وعند مقارنة «الشموسة» بوسائل تدفئة بديلة أكثر أمانًا، مثل المدافئ الكهربائية أو الغازية ذات الأنظمة المغلقة، تتراجع المبررات العملية لاستخدامها، خصوصًا إذا كانت المخاطر أعلى دون توفير حقيقي في الكلفة أو الكفاءة.
ما كشفته حوادث «الشموسة» لا يتعلق بجهاز واحد بقدر ما يسلّط الضوء على سلسلة متداخلة من العوامل التقنية وسلوكيات الاستخدام ونقص معايير السلامة. وفي ظل هذا المشهد، تؤكد جهات مختصة أن التعامل مع الملف يجب أن يكون بوصفه نمط خطر متكرر، لا حوادث فردية، حمايةً للأرواح ومنعًا لتكرار مأساة هزّت المجتمع وأعادت الخوف إلى تفاصيل الحياة اليومية.
الصنارة نيوز





